محمد أحمد مبروك يكتب : الحكاية ما دولار ياحلوة !!
سطور ملونة
الحكاية ما دولار ياحلوة !!
جميلة باهرة الجمال .. محترمة يلفها زي ساتر .. قد تعجبك اقصى حدود الإعجاب لكنك تحترمها كل الإحترام .. وقفت في الدكان تشتري بعض حاجيات . واضح أنها أرسلتها أمها ..
تنحى لها الزبائن الحاضرون :
اديني نص رطل زيت أبيض ، وكيلو سكر ، وظرف صلصة ، وكيس مكرونة ، وملوة بصل . جمع لها الحاجيات وقال لها ألف وميتين . مدت له النقود بالضبط وقالت له :
لا حولا … يعني الدولار دا مودينا وين ؟
اسرع الحاضرون وصاحب الدكان بهجمة من ردود متداخلة تلعن الدولار وأهله والبعض أمتد ليلعن الحكومة والبعض لعن الكيزان والدولة العميقة والبعض حمل حكام قحت المسئولية .
هذه الفتاة وجمهور الحاضرين طعنوا ظل الفيل ، وتغافلوا أو جهلوا اللص الحقيقي الذي أكل أموالنا ، وبدد ثروتنا ، وأشقانا بالفقر والبؤس والضنك الذي نحن فيه الٱن ..
انظر حولك في دول العالم تجد دولا مواردها تضعها في خانة الفقر الشديد .. لكن قوة الإرادة وحسن الإدارة نهضت بها ، وحققت النمو والنهضة ، وارتقت الحياة فيها ..
مواردنا الطبيعية تفوق مئات المرات موارد اليابان وكوريا وماليزيا وتركيا ، وتفوق موارد مجموعة من دول أوروبا العظمى الغنية .. نردد في بلاهة أن لدينا مائتي مليون فدان من الأراضي البكر غير المحتاجة لإستصلاح ، وسهلة الري ، او يرويها السماء .. نتحدث عن ما يقارب ربع مليار رأس من الحيوان تكلفة تربيتها قريبة من الصفر .. نتحدث عن معادن نفيسة عند سطح الارض وفي باطنها .. نتحدث عن الغابات والأنهار ، وعن مخزون هائل من النفط والغاز ، وعن طاقة شمسية وطاقة رياح تكفي إنارة افريقيا كلها ..
ونسب الدولار ونلعنه ونراه سببا في فقرنا وشقائنا ..
لم يكن ينقصنا شيء حينما حزم الإستعمار البريطاني حقائبه وغادر بلادنا .
ترك لنا البنية التحتية الأفضل في القارة في ذلك الزمان .. من سكة حديد وكهرباء وهاتف يغطي أنحاء البلاد ، وخدمة مدنية متميزة ، ومشروعات أنتاجية قوية منها مشروع الجزيرة الذي كان أكبر وأفضل مشروع زراعي في العالم . وتركنا في بدايات صناعات متطورة كانت منتجاتها تصدر وتهرب إلى مصر ودول الجوار . وكان جنيهنا اقوى عملة في العالم فهو أعلى من الإسترليني ٱنذاك .
نسب الدولار ونبيت جائعين ، ونعجز عن شراء الدواء الضروري لأطفالنا ، ويغادر ابناؤنا مدرجات الجامعات عجزا عن سداد الرسوم .
لكن لعلك ترتجف دهشة وغضبا عندما تعلم أن 40 بالمائة من أقتصاد مصر يعتمد على السودان وكذلك يعتمد على أقتصاد السودان وإنتاجه 90 بالمائة من الإقتصاد الأريترى و 70 بالمائة من الإقتصاد الأثيوبي و75 بالمائة من إقتصاد جنوب السودان و 30 بالمائة من إقتصاد أفريقيا الوسطى و65 بالمائة من إقتصاد تشاد .
أضف إلى ذلك أن التشاديين في السودان أكثر من التشاديين في تشاد وأن حوالى ربع الشعب الأثيوبي وثلث الشعب الأريتري موجودون بالسودان إما مقيمين للعمل أو لاجئين .. هذا غير مواطني دولة الجنوب . وكل هؤلاء يضيفون استنزافا لإقتصاد السودان لصالح بلدانهم . ولا يضيفون شيئا للناتج القومي ، ويعملون في مهن هامشية ، ويساعدون في التهريب وتجارة المخدرات وتهريب العملة . وهم في نفس الوقت لا يلزمون بدفع رسوم كما هو الحال للأجانب في كل أنحاء الدنيا ، فيكون ضررهم ثلاثي الأضلاع .
وتعال أنظر إلى الدولة السودانية منذ استقلال السودان ، مشي بها عبود قليلا إلى الأمام ثم نميري بعد حين ثم حكومة البشير التي بدأت سبيل النهضة بقوة ورشاد لكنها للأسف انتكست بالفساد وسوء إدارة الدولة .
باقى عمرنا ضاع في السباق على كراسي الحكم والسعي لإسقاط الحكومات وتخريب بلادنا واقتصادنا وتحريض أعدائنا نكاية في الحاكمين .
ادمنا السفسطة والجدل والتنطع . وتركنا التفكير العقلاني والمنهج العملى . أصبحت (الديمقراطية والانتخابات) هدفا بينما هي (وسيلة) في كل أنحاء الدنيا . الدول تعتبر الديمقراطية وسيلة للحكم , والحكم وسيلة لحسن إدارة الشعوب ، والجد في استغلال الموارد لخير الشعب ، والعمل لتحقيق البناء والنهضة لتكون الدولة منيعة ، وليعيش المواطن في رخاء ورفاه . لكننا نقف عند نهاية الإنتخابات لنبدأ الجدل العقيم والصراع على المناصب . أما ماهي برامج العمل وماهو سبيل التنمية وما هي طرائق استغلال الموارد فهذا ما لا يرد في برامج الأحزاب ولا في أطروحات الحكومات . المشكلة يا بنتي ليست في الدولار .. إنما المشكلة في عقليتنا السياسية التي لا تخطط ، وتنقصها الإرادة الصادقة والأمانة الوطنية وحسن الإدارة .
المشكلة في شعب تربي الفهم السياسي فيه تربية خاطئة ، جعلته يقبل أن يساق في الظلام بلا هدف ، وأن يتبع الفاشلين ويساند المفسدين .
المشكلة في الذين قادوا السودان منذ الإستقلال بطريقة خاطئة ، ونظر قصير ، وفهم ضحل .
المشكلة يا بنتي في حكومات ضعيفة متهاونة مفرطة ، تجعل دول الجوار وغيرها تنهب خيراتنا جهارا نهارا ، وتحقق لشعوبها الرخاء والتنمية ، ثم تسبنا وتلعننا وتسخر من سذاجتنا وتحتقر سيادتنا ..
لكن أبشرك ابنتي أن الفجر لا شك قريب لأن تكاثف الظلام بشير بقرب الإشراق .. لكن حتى ذلك الحين العني الدولار وأهله !!
تحية لسعادة اللواء شرطة بدر التمام على ما لفت إليه نظري .
محمد أحمد مبروك