
محمد أحمد عبد القادر يكتب: فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية١٩٧٤ _ ٢٠٢٤ الحلقة الثانية مدراء الموانئ: ما لهم و ما عليهم …و حكاياتى معهم الجزء الأول
لم يكن فى البال تخصيص حلقة عن المدراء الذين تعاقبوا على إدارة هيئة الموانئ البحرية . و انا أتحدث عنها في الذكرى الخمسين لتأسيسها… اكتب هذه الحلقة استجابة لطلب الزميل العزيز و الاخ الكريم اوهاج ادم اوهاج . المدير الأسبق للتخطيط و البحوث بالهيئة. فى تعليقه على الحلقة الأولى من هذه السلسلة.
* عند صدور قانون هيئة الموانئ البحرية للعام ١٩٧٤ . الذى بموجبه تم فصل ميناء بورسودان من السكة حديد ليصبح هيئة قائمة بذاتها . صار و بشكل تلقائى مدير الميناء وقتها محمد مختار مصطفى اول مدير تنفيذى للهيئة الوليدة… الرجل لم يمكث طويلا بالمنصب و تقاعد عن العمل ليخلفه على محمد مالك .
* عندما جاء العميد م خالد الصادق اونسة رئيسا لمجلس إدارة هيئة الموانئ البحرية فى العام ١٩٧٩ . وجد على مالك على رأس الهيئة. و لم يجد فيه مطلوبات التغيير الذى يتطلع إليه… اونسة كان يريد تغييرا شاملا و مالك كان مديرا تقليديا يحرص ان تظل الأشياء كما هى … اونسة كانت له صلاحية تغيير المدير و اختيار بديل له …
قال فى مذكراته ( على مالك كان رجلا خلوقا لهذا لم أقم بتغييره حتى اضمن له بديل وظيفى مناسب . وقد وفقنى الله ان أجد له وظيفة بامتيازات افضل من وظيفة مدير الموانئ …مستشار بسلطنة عمان حيث ظل بها إلى أن بلغ سن المعاش) .
* بعد إعارة مالك الى السلطنة. تم تكليف الرجل الثانى بالهيئة مدير العمليات البحرية الكابتن حسن محمد صالح بمهام المدير التنفيذي . و ظل البحث جاريا عن المدير القادر على أحداث التغيير و التطوير المنشود… تعاون كبير وجده خالد اونسة من المسؤولين بديوان الخدمة.
الذين قدموا له قائمة من الأسماء اختار منها اسم على احمد عبد الرحيم . استنادا على معرفة سابقة بينهما فى عطبرة… خالد كان قائدا لسلاح المدفعية و على كان مديرا للتدريب بالسكة حديد…عندما صدر خطاب التعيين حمله خالد بنفسه و ذهب إلى الخطوط البحرية حيث كان يعمل على . و بعد ان سلمه الخطاب قال فى نفسه ( الآن صار لهيئة الموانئ مدير ) .كما أورده في مذكراته.
* عمل خالد اونسة على منح على عبدالرحيم الصلاحيات التي تمكنه من القيام بما هو مطلوب منه . فتم تغيير مسمى الوظيفة من مدير تنفيذى الى مدير عام . و بهذا يكون على عبدالرحيم هو اول مدير عام لهيئة الموانئ البحرية… وهو أيضا المدير المؤسس و الأكبر للهيئة بما أنجزه من أعمال ضخمة خلال فترة عمله بها …ما أنجزه على عبدالرحيم بهيئة الموانئ أهله أن أطلق عليه لقب أمير المديريين السودانيين… ليس هناك اى مدير تولى
إدارة مؤسسة حكومية كانت في الحالة التى تولى فيها على عبدالرحيم الموانئ. و تركها فى الحالة التى ترك فيها على عبدالرحيم الموانئ… على عبد الرحيم أحدث تحولات شاملة و كاملة في كل النواحى و كافة المناحى بالهيئة. خلاصتها النهوض بميناء بور سودان من ميناء تقليدي صغير يستوعب ثلاتة مليون طن فى العام الى ميناء حديث يستوعب اكثر من ثمانية مليون طن .بالإضافة إلى إنشاء ميناء ثانى جديد في سواكن .
* النقلة الهائلة التى أحدثها على عبد الرحيم لم تعجب مجموعة صغيرة من أهل اليسار .فصاروا يشككون فيها بإطلاق الأكاذيب و الإشاعات حتى سمموا الأجواء بالهيئة. ما أدى إلى تشكيل لجنة للتحقيق فى مزاعم باطلة بصرف بزخى صاحب الاحتفال باكتمال المرحلة الأولى و الثانية لمشروع تطوير ميناء بورسودان و وضع حجر الاساس لميناء سواكن و ادعاء كاذب باصطحاب المدير لابنه فى سفرية خارجية من أجل العلاج .
* كان سهلا جدا لرجل بقدرات و إمكانيات على عبدالرحيم ان يدحض كل تلك الافتراءات بالمستندات و الارقام و الوقائع من اول مثول له أمام اللجنة . فبدت للجنة سوأتها فطفقت تخصف من أوراق الهيئة لتواريها بإيجاد تهم جديدة . بل فتحت الباب لتلقى الشكاوى . و كان التسويف و المماطلة الامر الذي انعكس على الأداء العام للميناء نتيجة لإيقاف المدير عن العمل و لفترة طويلة . وهذا ما دفع النقابات للاحتجاج لدى النائب العام. الذى سحب الملفات من اللجنة و اطلع عليها و لم يجد اى شئ… و كانت البراءة…خطاب براءة على
عبدالرحيم الموقع من النائب العام الدكتور حسن الترابى بمثابة خطاب شكر و تقدير جا فيه ( بهيئة الموانئ البحرية إدارة شجاعة تتخذ قرارات جريئة من أجل المصلحة العامة و هذا أمر يحمد لها و تشكر علية ) .و حمل الخطاب توبيخا للجنة فقد ورد فيه ( ان لجنة التحقيق تجاوزت الصلاحيات الممنوحة لها و تحولت إلى فريق للتفتيش الإدارى و أضاعت الوقت فى البحث عن
مخالفات إدارية عادية لا تخلو منها اى مؤسسة) .
* الصرف البزخى في احتفال الهيئة كان مجرد ( زوبعة فارغة ) . لانه لم يكن هناك اصلا احتفال بالشكل المتعارف عليه…كان احتفالا رمزيا… ضيوف جاءوا من الخرطوم صباحا و طافوا داخل حظيرة الميناء. ثم ذهبوا إلى سواكن و فى المساء أقيم حفل مرطبات بنادى الميناء. تحدث فى مستهلة خالد اونسة رئيس المجلس قال فيما قال ان الهيئة ستتخذ هذا اليوم عيد سنوى لها .
و تحدث بعده وزير النقل و بعده الرئيس سوار الدهب الذى قال فى حديثه ( يحق لهيئة الموانئ ان تتخذ من هذا اليوم عيد سنوى لها و يسعدنى ان اكون اول مهنىء به .و من هنا فأنى ادعو كل المؤسسات بالسودان ان تحذو حذو هيئة الموانئ) … انتهى الحفل و عاد الجميع إلى الخرطوم فى نفس الليلة .
* مع ان الحدث يستحق و يستاهل ان تقام له احتفالات ضخمة و صاخبة . إلا ان شىء من هذا لم يحدث … لا حشود و لا لافتات و لا هتافات و لا يحزنون… ذلك لان القائمون على الأمر حينها كانوا خبراء و علماء فى أعلى درجات التأهيل الكفاءة و النزاهة… كل المقصود بالصرف البزخى كان هو إيجار الطائرة التى أتت بالضيوف و عادت بهم فى نفس اليوم .هذا بعد ان تبين للادارة الواعية الرشيدة ان إيجار الطائرة اقل بكثير من تكلفة مبيت الضيوف ببورسودان .
* رغم البراءة و الإشادة بعد التحقق إلا أن القيادة السياسية رأت ان تنقل على عبدالرحيم من الهيئة إلى رئاسة الوزارة. و تعيين مدير العمليات البرية محمد صالح على مديرا عاما خلفا له . الأمر الذى قوبل برفض شديد من النقابات. التى شرعت فى الدعوة لمؤتمر عام لإعلان الإضراب من أجل بقاء على عبدالرحيم فى موقعه.
* على عبدالرحيم عندما بلغه الخبر قام بدعوة القيادات النقابية الى منزله . و أخبرهم بأن قرار نقله هو افضل قرار يمكن اتخاذه لتحقيق المصلحة العامة فى مثل هذه الظروف. و ان الهيئة لا تحتمل مثل تلك الصراعات العبثية. و ذكٌرهم بالجانب الاهم فى القرار و هو اختيار ابن اصيل للهيئة و لا اول مره فى منصب المدير العام و قال ( احمدوا الله جابو ليكم ولدكم مدير و ما جابو واحد من برا كان يجوط الحكاية كلها ) … هذا هو على احمد عبد الرحيم مدير هيئة الموانئ البحرية الذى أتحدث عنه .
* عملت بهيئة الموانئ (٢٧) عاما على فترتين… لم أستمتع خلالهما باى امتياز وظيفى على الإطلاق… و انا الان بالمعاش اقول ان الفائدة الوحيدة التي استفتها من الهيئة هى انها أتاحت لى فرصة التعرف على شخص فى خبرة و دراية و معرفة و كفاءة و نزاهة و استقامة على احمد عبد الرحيم…على هو القدوة و المثال و الملهم بالنسبة لي فى حياتى العملية كلها … معرفتى به كانت نعمة جليلة فى مشوارى الوظيفى… علاقتى معه كانت مكسبا كبيرا فى مسيرتى المهنية .
* و بما انى (زول ما انانى) و احب الخير للآخرين. من هنا كان حرصى الشديد و تحريضى له ليكتب مذكراته حتى ينعم الناس بها و يستفيدوا منها … و من أجل هذا كنت اكثر من ملاحقته لدرجة أن قال لى ذات مرة ( انا عارفك ساكينى كدا خايف اموت قبل ما أتم الكتابة. اطمنك قلت للاولاد لو حصل امر الله تشيلو الاوراق دى كلها تدوها محمد أحمد عبد القادر عشان يطلع الكتاب دا ) …هذا هو مستوى علاقتى بعلى أحمد عبدالرحيم و درجة ارتباطنا ببعض.
* شاءت إرادة الله ان ينتقل على عبدالرحيم الى جوار ربه قبل ان يضع اللمسات النهائية لمذكراته. و كان قد ارسل لي الجزء الأكبر منها للاطلاع و المراجعة قبل شهور قليلة من وفاته … و الآن المشروع الاهم فى ما تبقى من العمر هو إصدار كتاب ( على عبدالرحيم… المدير الاكبر للموانى البحرية و امير المديريين السودانيين) .
* محمد صالح على هو اول موظف بدأ حياته العملية بالميناء و تدرج في سلم الوظائف و بلا انقطاع الى ان وصل لمنصب مدير عام الهيئة… هذا أمر لم يحدث إلا له … غيره تركوا الهيئة ثم عادوا إليها مدراء… خبرته العملية كلها كانت داخل حظيرة الميناء… هو أكثر موظف ارتبط اسمه بمنصب مدير العمليات البرية… رجل ادارى مهنى منضبط و حازم. و شخص لطيف و ودود . لم تعرف له اى اهتمامات عامة خارج إطار عمله بالهيئة… بعد جهد و الحاح استطعت إجراء مقابلة صحفية معه هى الوحيدة نشرت بصحيفة السياسة.
* فى إحدى زيارته النادرة جدا للخرطوم كان جالسا آخر اليوم مع رئيس مجلس الادارة اللواء محمد عبدالقادر عمر بمكتبه … جاء موظف من رئاسة وزارة النقل و سلم خطابا لرئيس المجلس. الذى تغيرت ملامح وجهه و هو يقرأ الخطاب و طال صمته. فقال له محمد صالح ( فى ايه يا ريس؟ شالوك و لا ايه ؟ ) فرد عليه ( لا ما شالونى انا شالوك انت و جابو محمد طاهر ايلا بدلك) . و هكذا انتهت الفترة القصيرة الهادئة و المستقرة للسيد /محمد صالح على فى إدارة هيئة الموانئ البحرية.
نواصل باذن الله