متحرراً من قيوده.. جيم كاري الذي قفز من سماء هوليود
تحت اسم “مذكرات وضلالات” قدم جيم كاري سردية عن نجم هوليودي يعيش أحداثا لا يمكن تصديقها، وعلق قائلا “إنها أحداث خيالية تخبر بحقائق أعمق منها بكثير”
اكتشف أن كل ما يحيط به زائف: البشر، الشوارع، السيارات، وحتى زوجته، أو تلك التي تمثل دور زوجته، فقرر أن يمتلك حريته، وأن يفر من هذا العالم، ليصير هو نفسه، وليس مجرد شخص غرر به منذ سنوات طويلة ليعيش في عرض من عروض تلفزيون الواقع، ونجح في الفرار.
القصة السابقة قد تبدو وكأنها قصة فيلم “ترومان شو” (The Truman Show) 1998، من بطولة النجم الكندي الأميركي جيم كاري، لكنها -في ما يبدو قصة كاري نفسه مع هوليود التي بذل عمره محاولا الصعود إلى سمائها، وحين استقر هناك نجما نظر إلى الأرض فاكتشف أنها الحقيقة، فأعاد حساباته من جديد واختفى عن الشاشات والصحف لما يقارب 5 أعوام، وظهر بعدها بتصريحات مدهشة، ليس أغربها أنه لا يوجد من يسمى جيم كاري الآن، لقد كان موجودا في لحظة ما، ولكنه غادر ولا أريد أن ألتقي به ثانية.. لقد تحررت منه.
امتلك الكوميدي ذو الأصل الكندي شجاعة التخلي عما يحلم به الكثيرون، لكن تلك الشجاعة واتته بعد أن عاش تجربة فريدة من نوعها، إذ باغته الموت في عقر داره فاختطف حبيبته على غير توقع، ليقف أمام نفسه متسائلا: من أنا؟
جيمس أو جيم كاري ليس مجرد ممثل كوميدي، فهو عملاق في التمثيل الدرامي والكتابة والإنتاج والإخراج وقبل ذلك وبعده هو فنان تشكيلي ونحات ورسام كاريكاتير سياسي مميز، ولد في تورنتو بكندا عام 1962 لأسرة تتكون من أب يعمل محاسبا وأم ترعى أبناءها الأربعة، لكن تلك الأسرة المستقرة فقدت أمانها حين فقد الأب وظيفته، فاضطرت للعيش في مقطورة لفترة حتى وجد الأب عملا جديدا.
شجاعة جيم كاري في التخلي عن نجوميته والوقوف على الحافة ليست جديدة، فقد توقف في عمر الـ16 عن التعليم، وقد بكى والده يومها، لكنه لم يعارضه بعنف، واصطحبه إلى منتديات صناعة الكوميديا في المدينة حيث يقبع هناك حلمه الذي راوده منذ طفولته.
حلم الأب
صرح جيم كاري في ما بعد بأن أعظم كوميديان في العالم هو والده الذي فضل التخلي عن حلمه وعمل محاسبا ليضمن مصدر دخل لأسرته، واستقرت الرغبة في الصعود لدى الولد جيمس، فامتلك حلمه وصار مدرسة في الأداء الكوميدي بما لديه من قدرة على التعبير الكوميدي بجسده وفي أدوار التراجيديا أيضا، ثم ترك اللعبة كلها ثأرا لحلم أبيه المحبط ورغبة في التحرر من سيطرة شركات هوليود التي قال عنها: إنها تأخذ كل شيء.
لم يكن فيلم “ترومان شو” مجرد محطة فنية حققت نجاحا كبيرا لكاري، لكنه كان التحدي الأكبر لنجم الكوميديا الذي قرر أن يقدم فيلما بلا كوميديا، فكان بداية تاريخ جديد لممثل من الطراز الرفيع يستطيع أن يقدم كلا النوعين كوميديا وتراجيديا بنفس الكفاءة.
وكانت بدايات جيم كاري قد شهدت صعوبات بعد أن تم رفضه لتقديم فقرة في برنامج “ساترداي نايت لايف” (Saturday Night Live) الكوميدي الشهير، لكنه لم ييأس واستمر ليحصل على أدوار في عدد من الأفلام حتى أتيحت له الفرصة الكبرى في فيلم “محقق الحيوانات الأليفة” (Ace Ventura: Pet Detective) 1994 لينطلق بعدها كأحد أكبر نجوم هوليود، ويقدم “القناع” (The Mask) في العام نفسه، ثم “الغبي والأغبى” (Dumb and Dumber).
وفي عام 1995 حصل على أول جائزة غولدن غلوب عن فيلم “إيس فنتورا.. حين تنادي الطبيعة”، أما الثانية فكانت عن فيلم “رجل على القمر” (Man on the moon)، ويبلغ عدد الجوائز التي حصل عليها نحو 23 جائزة، فيما يصل عدد أعماله بين تأليف وإخراج وإنتاج وتمثيل إلى 238 عملا.
الأزمة والتحول
رغم حبه لوالدته فإن جيم كاري اعترف أكثر من مرة بأنها كانت مدمنة على المسكنات بسبب مرضها، وأن هذا الأمر يشبه الهجران وحرمان الأبناء من أمهم، ولعل القصة الأكثر تأثيرا على حياة النجم الهوليودي تتلاقى مع فكرة الإدمان أيضا، لكن كاري تزوج للمرة الأولى زواجا لم يدم طويلا وأنجب ابنته الكبرى جينن، ثم ارتبط لفترة بالنجمة رينيه زيلوجر، ومن ثم بدأت مأساة التحول الدرامي، حيث ارتبط بخبيرة الماكياج الأيرلندية كاترين وايت في علاقة مضطربة انفصل خلالها الثنائي أكثر من مرة، وفي سبتمبر/أيلول 2015 وجدت ميتة في بيتهما بلوس أنجلوس، كما وجدت بجوارها عقاقير خاصة بجيم كاري، وانتهت تحقيقات الشرطة إلى أن الحادث كان انتحارا.
وقد قام الزوج السابق لكاثرين برفع دعوى تتهم كاري بالتسبب باستدراجها للإدمان وقتلها، كما روجت شائعات تشير إلى علاقة متوترة مع المحفل الماسوني بأميركا أدت إلى عقاب كاري بقتل زوجته، ونفى الممثل -الذي صار وجهه رمزا للشجن- كلا الأمرين.
كان جيم قد جرب الفقد بعنف بينما كان منهمكا في إضحاك جمهوره في عامي 1990، حيث رحلت والدته ثم عام 1994 ثم رحل والده، وجاء الفقد الثالث مع ما صاحبه من تراجيديا لشابة في الـ30 فقدت حياتها، لذا لم يكن الأمر سهلا بحيث يبدأ بعد أسابيع العودة إلى أضواء هوليود، لكن هذه الأسابيع لم يكن ممكنا لها أن تصبح 5 أعوام، ثم يعود ليدلي بتصريحات غامضة حول رغبته في تدمير هوليود، ويقدم كتابا أشبه بالخيالي وإن بدا أيضا أقرب إلى فكرة المذكرات تحت اسم “مذكرات وضلالات”، وقدم فيه سردية عن نجم هوليودي يعيش أحداثا لا يمكن تصديقها، وعلق في تصريح للصحف حينها قائلا “إنها أحداث خيالية تخبر بحقائق أعمق منها بكثير”.
وكان آخر ما قدمه جيم كاري هو 6 حلقات من برنامج “ساترداي نايت لايف” قلد خلالها الرئيس الأميركي بايدن، ليعود الكوميديان والنجم الذي يقف على حافة نجوميته إلى عالمه الخاص بين الرسم والنحت ورسم الكاريكاتير السياسي الذي ينشره على صفحته بموقع تويتر حيث وجد نفسه بعيدا عن رهانات هوليود الخاسرة.
المصدر : مواقع إلكترونية