الأخبارالرياضة العالميةالرياضية

ليست أفريقيا أو العرب فقط.. لماذا أحب العالم صعود المغرب وتمنى انتصارها؟

ليست أفريقيا أو العرب فقط.. لماذا أحب العالم صعود المغرب وتمنى انتصارها؟

الغالبية العظمى من قُرَّاء هذه الحروف يسكنون بالوطن العربي، الكثيرون منهم في قارة أفريقيا بالتبعية، لذلك بالنسبة لنا كان الاختراق الذي صنعه منتخب المغرب في كأس العالم استثنائيا بكل المقاييس، حيث لم نشهد من قبل منتخبا عربيا أو أفريقيا في الدور ربع النهائي، ينافس على الصعود للمباراة النهائية، ثم بعد هزيمة ليست سهلة من الفريق الفرنسي حامل اللقب بات ينافس على المركز الثالث، إنه شيء لم يحدث من قبل في تاريخنا.

 

لكن هل تعرف أن حب وتشجيع المنتخب المغربي لم يكن ظاهرة عربية أو أفريقية فقط؟ في الواقع، فإن الفريق المغربي نجح في لفت الانتباه العالمي إليه منذ دور المجموعات وصعوده للدور التالي متصدرا لمجموعته على حساب كرواتيا وبلجيكا، وصيف وثالث النسخة الماضية من البطولة على الترتيب، ومع توالي الانتصارات لاقى الفريق ترحيبا شديدا لدرجة أن إيلون ماسك، الملياردير الأميركي واسع الشهرة الذي اشترى تويتر مؤخرا، غرَّد لتهنئة المغرب بعد فوزه على البرتغال في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو رجل نادرا ما يتحدث في كرة القدم.

 

بنظرة بسيطة على صفحات الأخبار العالمية، وتعليقات الناس عليها على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تلحظ الظاهرة نفسها، الجميع أحب هؤلاء القادمين من الخلف، وتفاعل مع أولئك الذين لم يتوقع أحد أن يلفتوا الأنظار، ثم ها هم يعبرون من دول رُشِّحت للحصول على البطولة مثل إسبانيا والبرتغال، وقبلهما كرواتيا وبلجيكا. حسنا، يستحق ذلك بعضا من التأمل والتساؤل: ما الذي قدَّمه المغاربة لرجل في الولايات المتحدة الأميركية أو مراهق من كوريا الجنوبية أو امرأة تحب كرة القدم وتتابع كأس العالم من منزلها في لندن؟

 

تأثير المستضعف

Soccer Football - FIFA World Cup Qatar 2022 - Semi Final - France v Morocco - Al Bayt Stadium, Al Khor, Qatar - December 15, 2022 A Morocco fan reacts after being knocked out of the World Cup REUTERS/Dylan Martinez
تأثير المستضعفين يجري على أي نوع من أنواع التنافس تقريبا، من السياسة إلى الأعمال التجارية (رويترز)

في إحدى التجارب التي أُجريت في جامعة جنوب ولاية فلوريدا(1) بالولايات المتحدة الأميركية، عُرض على المشاركين سيناريو وهمي لفريقين سيلعبان كرة السلة لسبع مباريات متتالية، أُعطيت أوصاف للفريقين مع تحديد أحدهما على أنه الأضعف في المنافسة القائمة بينما امتلك الآخر تاريخا يشير إلى أنه كان دائما رقم 1، مع احتمالات فوز أكبر بالطبع. بعد ذلك، طُلب من المشاركين تشجيع أحد الفريقين.

 

كانت النتائج غريبة إلى حدٍّ بعيد. لم يختر المشاركون تشجيع الفريق الأقوى، ولم يتوزعوا عشوائيا بين الفريقين كما يُفترض أن يحدث في الحالات المماثلة، بل إن نسبة 88.1% منهم اختاروا تشجيع الفريق ذي الحظوظ الأقل. وفي دراسة أخرى(2)، شاهدت مجموعة مختارة من الطلاب الأميركيين مباراة كرة قدم بين فِرَق أوروبية، وقيل لهم -دون أن يعرفوا أن ذلك من معايير التجارب- إن أحد الفريقين قد فاز في آخر 15 مباراة بينهما. مرة أخرى، شجعت النسبة الأكبر من الطلاب الفريق ذا الحظوظ الأقل.

 

لكن ما تُظهره تلك التجارب ليس جديدا، من عقدين تقريبا من الزمن أظهرت الكثير من الأبحاث والتجارب العلمية جاذبية غريبة للمستضعف، الشخصيات أو الفِرَق التي لا يُرجَّح أن تفوز، ومن تلك النقطة ظهر تعريف “تأثير الكلب المستضعف” (The underdog effect) الذي يعني ميل الناس بنسبة كبيرة إلى تشجيع صاحب الحظوظ القليلة في التنافس.

 

بشكل أساسي، يبدو أن تشجيع الناس لشخص أو فريق لا يعرفونه لمجرد أنه في موقع المستضعف يخضع لعاملين أساسيين، وهما الموارد والحظوظ(3)، في حالة المغرب مثلا ظهر هذان العاملان بوضوح، فهو أولا فريق قادم من دولة أفريقية لا تمتلك موارد مثل تلك التي أُنفقت على تطوير وتجهيز فريق أوروبي مثل فرنسا أو البرتغال أو بلجيكا، وبالطبع فإن التوقعات للمغرب منخفضة، فهو فريق لم يتأهل لكأس العالم سوى ست مرات فقط، ولم يصعد إلى دور الـ16 أصلا سوى مرة واحدة في كأس العالم 1986.

 

لكن الغريب في الأمر أن تأثير المستضعفين يجري على أي نوع من أنواع التنافس تقريبا، من السياسة إلى الأعمال التجارية. في كتابه “داوود وجالوت: المستضعفون، غير الأسوياء، وفن محاربة العمالقة” (David and Goliath: Underdogs, misfits, and the art of battling giants)، يُثري الكاتب واسع الشهرة عالميا مالكوم جلادويل القراء بعدد من التحديات والانتصارات غير المعتادة: الذين يعانون من عسر القراءة ثم يصبحون رواد أعمال ناجحين للغاية، مَن يعيش في فقر مدقع خلال حقبة الكساد ثم يرتقي ليصبح طبيب أورام أسطوريا، فريق كرة سلة للفتيات صغيرات الحجم ينجح من خلال استغلال ثغرات الخصوم، إلخ.

 

في السينما، ستلاحظ ذلك بوضوح؛ “برسوت أوف هابينس” و”روكي” و”كاراتيه كيد” و”ريال ستييل” وغيرها، بل وأصبحت العلامات التجارية بارعة في سرد القصص واستخدام حكاية “نحن ضد العالم” في طريقة تسويقها وبناء الجمهور، سواء دُمِج ذلك في المنتج أو العلامة التجارية أو قصة المؤسس نفسه؛ قصة مؤسس كنتاكي مثلا أو رفض دور النشر لروايات جي. كي. رولينج الأولى، قبل أن تنتصر بنشر أول روايات “هاري بوتر” وتصعد للعالمية، دواين جونسون الممثل الذي بدأ في منطقة شعبية ثم خرج للنور، إلخ.

 

يمتد تاريخ هذا النمط من تقديم المستضعف وصولا إلى أعماق التاريخ، لا نتحدث هنا فقط عن قصة سندريلا التي تبدأ خادمة ثم تصبح أميرة بينما تتنافس مع ثلاث فتيات من أسرة غنيّة، بل حتى المكانة الجوهرية التي تحظى بها قصة النبي يوسف عند أتباع الديانات السماوية الثلاثة، هذا الذي انطلق من تحت الصفر، كان مجرد بضاعة، ليصبح عزيز مصر بعد صعوبات استثنائية.

 

لِمَ يشجع الناس قليل الحظوظ؟

AL KHOR, QATAR - DECEMBER 14: Fans of Burnley show their support prior to the FIFA World Cup Qatar 2022 semi final match between France and Morocco at Al Bayt Stadium on December 14, 2022 in Al Khor, Qatar. (Photo by Catherine Ivill/Getty Images)
أظهر مشجعو بيرنلي دعمهم قبل مباراة نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 بين فرنسا والمغرب على ملعب البيت في 14 ديسمبر 2022 (غيتي)

هناك أسباب واضحة لهذا النوع من القبول الذي تحصل عليه حكايات صعود المستضعفين، أولها بالطبع قدر الإلهام الذي نحصل عليه من هؤلاء القادمين من الخلف، فهم يعطون الناس شعورا بالإمكانية بعدما اقتنعوا أن كل شيء انتهى بشكل مسبق، نحن نعتقد أن هذا العالم مؤسَّس على مجموعة من القواعد الحاسمة، القوي سيظل قويا والضعيف سيبقى كما هو، والأسوأ من ذلك أن طبيعة الأشياء تُفيد بأن القوي، هذا الغني أو الأشرس سياسيا أو صاحب الموارد الاقتصادية أو العسكرية الأكبر، سيزداد قوة، بينما سيزداد الضعيف ضعفا.

 

بالتالي فإن النتائج محسومة سابقا، وسيظل العالم كما هو، وهنا تظهر مشكلاتنا الخاصة، فنظن أن ذلك بالتبعية يعني أننا لن نتمكن من مواجهة تحدياتنا الذاتية الكبرى أيًّا كانت، لأن كل شيء محسوم. في هذا السياق يأتي فريق المغرب في كأس العالم ليداعب آمالانا ويحطِّم هذه التصورات المسبقة، الملاحظ هنا أن هذه السردية تتطلب الكثير من بذل الجهد، هذا المستضعف لا يفوز في يوم وليلة، بل يضطر للكفاح ضد صعاب تبدو وكأنها مستحيلة، ويبحر في فضاء مسكون بكمٍّ كبير من “عدم اليقين”، ليصل في النهاية إلى شيء لم يتصوره أحد.

 

تشرح “نظرية الصعوبات المرغوبة”(4) (theory of desirable difficulties) التي أسَّسها عالم النفس الأميركي بجامعة كاليفورنيا روبرت بيورك في الثمانينيات تلك الفكرة، حيث تفترض هذه النظرية أن هؤلاء المستضعفين يحتاجون بالأساس إلى تلك “العيوب” أو “المشكلات” أو “التحديات التي تبدو مستحيلة”، لأن الكفاح ضدها مهم للنمو مع الزمن.

 

من تلك الوجهة تنبع أهمية المستضعفين بالنسبة للجمهور، لأنهم يُمثِّلون النجاح بمفهومه الأساسي؛ تحديات مع ضعف حظوظ وموارد، ثم تخطٍّ لكل ذلك، هنا لا يكون النجاح مقتصرا فقط على عبور العقبات المتتالية (بلجيكا أو البرتغال أو كرواتيا أو إسبانيا)، لكنه ينطوي كذلك على اكتساب قدر مناسب من الحكمة، هذا هو النجاح على حقيقته، وهو ما يستشعره الناس.

 

يمتد الأمر إلى ما هو أعمق من ذلك، فالكثيرون لن يتعاملوا مع قصة نجاح المغرب بوصفها “إحدى القصص” التي تحدث بين الحين والآخر، بل يضعها في مركز أفكاره متجاهلا حتى الإحصائيات التي تقول إن انتصار المستضعف يُعَدُّ حدثا نادرا، يحدث ذلك بسبب فرضية الانحياز للتفاؤل(5)، وهو تحيز إدراكي يجعل الشخص يعتقد أنه أقل عُرضة من الآخرين لمواجهة حدث سلبي، سعيا وراء تطمين نفسه.

 

اللعبة العادلة

Fans of Morocco celebrate their soccer team in France- - PARIS, FRANCE - DECEMBER 10: Morocco supporters wave a Moroccan flag in the streets of Paris, France, on December 10, 2022.
مشجعو المغرب يلوحون بالعلم المغربي (الأناضول)

وإلى جانب ذلك، فإن الناس عادة ما يشجعون المستضعف لغرض آخر مختلف تماما لم يتصور الاقتصاديون يوما ما أنه يمكن أن يحدث. في تلك النقطة، دعنا نرجع إلى ريتشارد ثيلر، الأميركي الذي حصل على نوبل في الاقتصاد 2017 عن إنجازاته في علم الاقتصاد السلوكي، التي كان من بينها إثبات أننا نميل إلى الاهتمام الشديد بمدى عدالة الأوضاع، حتى في قراراتنا المالية(6).

 

دعنا نفترض أن هناك رجلا يبيع المظلات بسعر 20 دولارا فقط للمظلة الواحدة، لكنه يرفع السعر حين يشتد المطر ليصبح 35 دولارا، فالمطر ببساطة سيُجبر الناس على الإقبال على المظلات، ومع ارتفاع الإقبال ومحدودية البضاعة ترتفع الأسعار. بحسب الاقتصاد الكلاسيكي، فالناس سيضطرون لشراء المظلات الغالية، لكن تجارب ثيلر كشفت أن كثيرين فضَّلوا البقاء تحت المطر من دون مظلة، فقط لأنهم اعتقدوا أن البائع يستغل حاجتهم.

 

في كرة القدم، يرى الجمهور أن اللعبة باتت تتطلب دفع الكثير من الأموال (والموارد الأخرى) لإنجاح الفِرَق الكبرى، بالتالي فإنها أصبحت غير عادلة بالكامل، والمحدد الرئيسي للتفوق فيها هو النقود لا الموهبة، في المقابل تريد الجماهير إقامة العدالة، التي تتمثَّل في انتصار المواهب بغض النظر عن اقتصادها. ينطلق ذلك أيضا من مشكلة ذاتية، فغالبية قُرَّاء هذا التقرير لم يُولدوا بملعقة ذهبية (أو حتى فضية) في أفواههم، وبالتالي فإنهم يواجهون دائما مشكلات تتعلق بانتصار صاحب الموارد ضعيف الموهبة، وهنا تحديدا يكون دعم اللعبة العادلة انعكاسا شخصيا لذواتنا وتجاربنا.

 

نجيب محفوظ نفسه في خطاب جائزة نوبل أشار -بدرجة من اللطف- إلى تلك النقطة حينما قال: “لعلكم تتساءلون، هذا الرجل القادم من العالم الثالث كيف وجد من فراغ البال ما أتاح له أن يكتب القصص؟ وهو تساؤل في محله، فأنا قادم من عالم ينوء تحت أثقال الديون حتى ليهدده سدادها بالمجاعة أو ما يقاربها.. ولكن من حُسن الحظ أن الفن وربما الإبداع بكل أنواعه كريم عطوف، وكما أنه يعايش السعداء فإنه لا يتخلّى عن التعساء، ويهب كل فريق وسيلة مناسبة للتعبير عما يجول في صدره”.

 

لهذا السبب تحديدا فإن جمهور كرة القدم عادة ما ينبهر ويدعم القادمين من بيئات هشة، اقتصاديا أو سياسيا، وهنا تقف المنتخبات الأفريقية بوصفها نموذجا مثاليا، لكن هذا الدعم سيتوقف متى أدركت الجماهير أن مَن يدعمونه لم يعد مستضعفا. في إحدى التجارب(7) التي أُجريت في نطاق علم نفس المستضعفين، حاول الباحثون تحديد الأسباب العميقة لدعم الجمهور للمستضعفين، كعادة هذا النوع من التجارب كانت هناك مباراة افتراضية بين فريقين: أحدهما لديه فرصة جيدة للفوز، والآخر لديه فرصة صغيرة، لكن في بعض الحالات أخبر الباحثون الخاضعين للتجارب أن الفريق الذي لديه فرصة صغيرة أنفق الكثير من المال. هنا توقف الناس عن اعتبارهم مستضعفين، وبالتبعية توقفوا عن تشجيعهم.

 

يُعيدنا ذلك مرة أخرى إلى نظرية الصعوبات المرغوبة، لأنه إذا كان لديك المال فيمكن لك تسهيل الصعوبات التي تواجهك، وبالتالي فانتصارك، حتى لو كنت قليل الحظوظ، شيء متوقع، ولو لم تنجح فقد أخطأت والأمر كله مسؤوليتك، النجاح الحقيقي هنا هو تخطي صعوبات شديدة ثم الفوز في النهاية، لأنك منذ البداية تستحق الفوز (بسبب موهبتك) لكن هناك ظروف منعتك. مرة أخرى: رحلة تحديات كبرى، بل ملحمية، وصعوبات تبدو مستحيلة، تنتهي بالعبور للخلاص.

 

أنت مجرد شخص من أفريقيا

Dec 14, 2022; Al Khor, Qatar; Morocco fans hold up flags during the second half of a semifinal match against France during the 2022 World Cup at Al Bayt Stadium. Mandatory Credit: Yukihito Taguchi-USA TODAY Sports
يميل مجتمع كرة القدم إلى الاعتقاد أن منتخبات قارة أفريقيا لديها مستوى محدد لن تتخطاه أبدا (رويترز)

لكن بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن الناس كذلك يحبون نجاح المستضعفين لسبب أكثر عمقا هو أنهم يتجاوزون ما نسميه “تهديد الصورة النمطية”(8) (Stereotype threat)، وهو ميل مجموعة بعينها من البشر إلى تأكيد فكرة المجتمع عنها، فمثلا كون المجتمع ينظر إلى الفتاة على أنها ليست مؤهلة لدراسة الرياضيات أو العلوم يدفع بها إلى التوتر والخوف في أثناء محاولتها لدراسة تلك الموضوعات، فتفقد الثقة في ذاتها وتفشل فعلا مؤكِّدةً صورة المجتمع عنها، لكن ذلك بالأساس لم تكن له علاقة بقدراتها.

 

تحدَّث نيل ديجراس تايسون، عالم الفلك الأميركي الشهير، عن تلك الفكرة ذات مرة، قائلا إن هذا الشعور الهائل بالضعف بسبب أن الناس تنظر إليك على أنك “أسود” البشرة وبالتبعية فلا حظوظ لك في عالم الفيزياء المسكون بأصحاب البشرة البيضاء، كان من القسوة بحيث لا يتمناه حتى لألد أعدائه.

 

بالمثل، يميل مجتمع كرة القدم إلى الاعتقاد أن منتخبات قارة أفريقيا لديها مستوى محدد لن تتخطاه أبدا، حاجز -يظن البعض أنه متعلق فقط بالقدرات- لن نتمكَّن يوما من المُضي قُدما بعده، تسري هذه الصورة النمطية بشكل رهيب في الأوساط الكروية، وحينما تكون منتخبا أفريقيا فإنك بجانب العديد من التحديات تواجه تحديا أقوى منها جميعا، هو الصورة النمطية التي تقول إنك ضعيف ولا تمتلك القدرة على الكفاح ضد هؤلاء العمالقة. تهديد الصورة النمطية من القوة بحيث يتحكم في مجتمعات كاملة، ومجموعات اجتماعية تضم الملايين، النساء وسود البشرة والجاليات المسلمة أو اللاجئين أو الأقليات في العموم.

 

في الواقع، كان هذا هو عدو المغاربة الأول، وهو شيء يدفعك للتساؤل حقا: كيف تمكَّنوا من الصمود في ظل تهديد صورة نمطية بهذا العمق؟ لا يتعلق الأمر بالمهارة في الحقيقة، بل بالإيمان، تصديق أن من الممكن الانتصار على هؤلاء. في مباراة فرنسا، جاء الهدف الأول في الدقيقة الرابعة إلى الخامسة، كان ذلك كفيلا بهدم المغرب تماما من الناحية النفسية بناء على تهديد الصورة النمطية، لكنهم لم يفعلوا، قاوموا حتى آخر لحظة ببسالة.

 

لهذا السبب تحديدا بكى المغاربة (جمهورا ولاعبين) بعد الهزيمة من فرنسا، رغم أنهم حققوا انتصارا كبيرا فقط بالوصول إلى تلك النقطة، لكن المغاربة كانوا بالفعل قد تخطوا تهديد الصورة النمطية، انكشفت لهم الحقيقة التي تقول إن الأمر يتعلق فقط بمعتقداتك عن ذاتك، وفي هذه الحالة اعتقد المغاربة في عبارة واحدة وهي أن “الأمر ممكن”.

 

قصة صعود المغرب في بطولة كأس العالم قطر 2022 ستظل حكاية للقادمين من الخلف، الذين تخطوا صعابا كبيرة، ثم قفزوا إلى نقطة أعلى من توقعات الجميع، وكأن ما واجهوه من تحديات كان الشوك على الأرض، الذي كلما داسوا عليه آلمهم، فتسبَّب في أنهم قفزو للأعلى أكثر! إنها قصة ملهمة حقا، هي قادمة من عالم كرة القدم لكنها يمكن أن تُعبِّر عن كل شيء في حياتنا، أحبها الجمهور حول العالم لأنها بسيطة وصادقة، تُحطِّم أفكارنا المسبقة عن طبيعة هذا العالم، وتُشعرنا بأننا أيضا يمكن أن نتخطى تحدياتنا الخاصة جدا، بعد يأس طويل!

—————————————————————————————–

المصادر:

1- The appeal of the underdog: Definition of the construct and implications for the self

2- The science of why we love to root for underdogs

3- The underdog effect Ciaran O’Keeffe on the appeal, and how things change.

4- Bjork’s Desirable Difficulties

5- Optimism bias

6- Easy money or a golden pension? Integrating economics and psychology

7- The Appeal of the Underdog

8- Stereotype Threat

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى