لوبس: هل بدأنا نشهد نهاية الإنترنت؟
يعتقد منظّر الإعلام والإنترنت الهولندي خيرت لوفينك أننا قد نشهد نهاية الإنترنت، داعيا لاستعادة الشبكة العالمية التي تشغل بشكل متزايد مساحة في حياتنا، ويعتبرها في حالة سيئة، وربما تكون أصابتها نظريات الانهيار التي أصبحت موجودة في كل كان.
ولاستجلاء هذا الموضوع لخصت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية حوارا مع هذا الباحث بجامعة العلوم التطبيقية في أمستردام، والمدير المؤسس لمعهد الثقافات الشبكية الذي نشر مؤخرا مقالتين تشككان بقوة في الاستخدامات الحالية لشبكة الشبكات العالمية، والذي تنبأ بما يمكن القول إنه نهاية العالم الرقمي.
يقول هذا الخبير -في المقابلة التي لخصها جان بول فريتز- إن العالم اليوم يعيش نهاية حلم الإنترنت المفتوح والعالمي واللامركزي الذي يتم استبداله شيئا فشيئا بتطبيقات الأيقونات على الهواتف الذكية، المحدودة بلوائح المجموعات الخاصة والدول الكبيرة التي تقيد بشكل متزايد حرية التعبير.
كلنا عالقون
بدأ لوفينك نقده الأساسي من التحول العميق بين المثل الأعلى للإنترنت في التسعينيات، والسوق الحالي للتطبيقات والخدمات والأسواق التي يهيمن عليها عمالقة الربح عبر الإنترنت وتخضع في الوقت نفسه لسيطرة متزايدة من الدول، “فنحن جميعا -حسب رأيه- عالقون” وكأننا سجناء طوعيون لهذا العالم، ومهما حاولنا مسح التطبيقات، فإن قوة الإغواء تعيد ربطنا بها، لنصبح “مدمنين على منصات واسعة النطاق، وغير قادرين على العودة إلى عصر الشبكات اللامركزية”.
ويشير الخبير إلى أن “هذه المنصات لا تحتجز المستخدمين رهائن فحسب، بل تحتجز المجتمع ككل” موضحا أن عمالقة التكنولوجيا يستخدمون تقنيات ماكرة لجعلنا نزور منصاتهم لأطول فترة ممكنة، ضاربا مثالا بفيسبوك الذي يسمح فقط بالتعبير عن المشاعر الإيجابية المحدودة، مما يجعل الناس قلقين بشأن عدد المتابعين والإعجابات، وليتحول الخوف من “الإلغاء” بالنسبة لهم إلى تهديد وجودي.
ورغم هذه النظرة القاتمة، بدا وكأن لوفينك يترك مخرجا شبه متفائل، حيث يلقي الضوء على طرق لاستعادة السيطرة على الإنترنت، وإن كان يدعو لترك الإنترنت تموت من أجل المصلحة العامة، لأنها تنهار بسبب أخطائها التقنية، والاستيلاء عليها من قبل الشبكات الخاصة التي نسميها الاجتماعية ناهيك عن السيطرة المتزايدة للدول.
تحكم زائد
ومصدر المشكلة -وفق لوفينك- أن الإنترنت أصبح الآن في أيدي شركات التكنولوجيا الكبرى، وامتلأ بالتطبيقات الصغيرة المسببة للإدمان التي لا تهتم بالحقوق الفردية ولا حتى بالمجتمع، وبالتالي من الأفضل عدم محاولة إصلاحه بعد الآن.
وتساءلت المجلة: لماذا يعتقد لوفينك أننا نقترب من النهاية؟ ليشرح هذا الخبير الأمر، موضحا أن المستخدم العادي الأقل اطلاعا على الجانب السفلي من الويب، أصبح يتعين عليه “دفع ثمن أكبر بشكل متزايد” مقابل إدمانه و”هذا الثمن نفسي قبل كل شيء (..) ذاكرتنا قصيرة المدى تزداد سوءًا ويصبح انتباهنا أكثر فأكثر موجها بدقة شديدة. حرية التعبير المفترضة لدينا لم تعد موجودة” ويضيف هذا العالم أن من لديهم آراء مخالفة ويجرؤون على مشاركتها يعانون من العواقب، مما يثبط عزيمتهم.
وكل هذا -حسب الخبير- يقترن بالتحكم الحالي بشكل متزايد “في الصين مثلا لا يمكنك ركوب القطار إذا كان لديك رأي “سيئ” وفي الولايات المتحدة، يجب عليك مشاركة جميع ملفات تعريف الوسائط الاجتماعية الخاصة بك إذا كنت ترغب في التقدم للحصول على تأشيرة، أما في أوروبا الغربية فإن الأمور لم تصل إلى هذا الحد، لكن نشاطك على الإنترنت يمكن تتبعه وهو مرئي، وهناك احتمال حقيقي ألا يتمكن الناس في مرحلة ما من السفر أو الحصول على قرض أو تأمين.
ويتوقع لوفينك أن تصبح السيطرة أسوأ مما يمكننا تحمله، ثم “ينتهي بنا الأمر بالابتعاد عن الإنترنت. أعتقد أن الناس سيبدؤون في إبعاد التكنولوجيا، كما بدؤوا في التحرك الجماعي عندما وصلت الأزمة المناخية إلى مستوى تجاوز أي إمكانية لمعالجتها”.
ليس مجرد خيال
بالنسبة لوفينك قد يحدث الانقراض بسبب عدم توفر بعض الخدمات بشكل دائم، لينتهي الأمر إلى انخفاض الوصول أو حتى انقطاع الاتصال، وهو يتخيل أن البنية التحتية اللازمة للحفاظ على الإنترنت قد تستعصي أو لا تتوفر إلا عبر حلول باهظة يقدمها عمالقة التكنولوجيا، مثل أقمار إلون ماسك الصناعية مثلا.
ويصر الباحث الهولندي على أن “انقراض الإنترنت ليس مجرد خيال بنهاية عالم التكنولوجيا الرقمية بأن تزول ذات يوم في ثانية بواسطة نبضة كهرومغناطيسية، يطلقها سلاح دمار شامل” بل إن انقراض الإنترنت هو نهاية حقبة من الاحتمالات والتكهنات عندما لم يعد التكيف خيارا، وهو يستنكر حالة الارتباك التي تؤدي إلى “فظاعات تقنية، من اليمينيين المتطرفين إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المنحازة إلى الأخبار المزيفة والتزييف العميق، وبالتالي فلا السياسة ولا الأسواق ستكون قادرة على السيطرة على هذه الفيضانات، حسب رأي الخبير.
ويقول إنه “لا أحد يستطيع الهروب من الانهيار الحضاري المرتبط بكارثة المناخ” موضحا أن “نهاية الإنترنت كما نعرفها، أو بشكل أدق نهاية ثقافات الإنترنت كما نعرفها، ستأتي قريبا، خاصة أنها على مدى العقد الماضي، انحرفت بسرعة من كونها خدمة رائعة ومناسبة وحلا، لتصبح جزءًا من المشكلة، غير قادرة على عكس ميولها المدمرة، مما يعني أننا قد نكون قد تجاوزنا نقطة اللاعودة”.
ومع كل ذلك، يترك لوفينك بعض الأمل في كتاباته، متصورا أن الحل هو “استعادة الإنترنت بشروطنا الخاصة” مشيرا إلى أن بناء “منصات وسائط اجتماعية بديلة تعمل في خدمة المجتمع بدلا من الشركات المذكورة، يستحق العناء، وأن إعادة هيكلة الإنترنت، وخاصة المنصات ليست مهمة مستحيلة”.
وخلص لوفينك إلى أن “دورنا هو رفض ربط أنفسنا بالمليارديرات وغيرهم من الحكام الاستبداديين، ومحاربة الحنين التكنولوجي، ومحاولة دفع التاريخ مرة أخرى ضد التيار”.