لماذا وكيف تعتذر إلى أطفالك؟
عمان- غالباً ما يتجاهل الآباء أهمية قول “أنا آسف” لأطفالهم عندما يُخطئون بحقهم، وقد يجدون صعوبة في إفشاء الأخطاء الفادحة أمامهم لأنهم يعتقدون أن الاعتذار يعني الضعف.
وبحسب تقرير لموقع “الآباء” parents، يقول الدكتور توفاه كلاين، مدير مركز “برنارد كوليدج” لتنمية الأطفال الصغار “لدى الآباء فكرة أنهم إذا اعترفوا بأي خطأ، فسيفقدون السيطرة، وسوف يقفز الطفل فوقهم. هذه فكرة شائعة، لكنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة”.
وتتفق المستشارة وخبيرة الإتيكيت رامه العساف، مع هذا الرأي، معتبرة أن ثقافة الاعتذار وسيلة أساسية لبناء شخصية اجتماعية قادرة على صون حقوق الآخرين والمحافظة على استمرارية العلاقات عموماً، وغرس هذه الثقافة في نفس الطفل منذ صغره مهمٌ لضمان بناء شخصية معزَّزة بقيم التسامح.
وتقول للجزيرة نت “الأب والأم هما النموذج الأول الذي يقتدي به الطفل. لذلك عليهما أن يحرصا على التعامل بصدق مع أبنائهما، لينقلا إليهم أبرز الصفات والسلوكيات الإيجابية”.
تعزيز ثقافة الاعتذار
وتوضح العساف أنه لا يوجد أحد معصوم من الخطأ. وعلى الرغم من أن مكانة الأب والأم مقدّسة داخل الأسرة، فإن اعتذار الأهل إلى الأبناء في حال وقوع خطأ واضح وصريح بمثابة تعزيز لثقافة الاعتذار وتنمية مفهوم احترام الذات والآخر.
وتضيف “الاعتذار لا يقلل من شأن الأهل، بل -على العكس- يساهم في تقوية علاقتهم بالأبناء، ويجعلها تتسم بالمرونة والتقبّل والحوار، وهي من أهم أسس بناء شخصية الطفل التي تعكس أسلوب تنشئة الأهل وثقافتهم”.
ومن الشائع أن الطفل يقلّد الأهل من خلال اكتساب سلوكياتهم ونمذجتها، فلا حرج من اعتذار الأهل إلى أطفالهم، لأن ذلك سينعكس على الصغير، فنجده يعتذر في حال صدر عنه خطأ ما، وفق العساف.
وتؤكد العساف أن الاعتذار ينمي ثقة الطفل بنفسه، لشعوره بأنه محبوب من عائلته، فالجلوس معه والاستماع له وبيان الخطأ من خلال الحوار للحصول على الاعتذار إليه يشعر الطفل بالأمان ويقلل من شعوره بالحزن، وبالتالي يؤثر في إبراز شخصية سوية تحترم حقوق الآخرين وتتحلى بقيم التسامح والمحبة والثقة بالنفس وصدق التعامل، وهو متطلب يطمح إليه الأهل دائماً في تربيتهم.
الاعتراف بالخطأ
تقول المستشارة في العلاقات الأسرية والتربوية مها بنورة “لغة الحوار بين الأهل وأبنائهم مهمة جداً، باستماع الطرفين إلى بعضهما بعضاً بهدف معرفة الأهل الطريقة التي يفكر بها الأبناء”.
وتشرح بنورة، في حديثها للجزيرة نت، أن الضغوط التي تعيشها الأسرة في حياتها اليومية تجعلها تنسى أن حاجات أبنائها اختلفت عن السابق، من توفير المسكن والملبس ودفع أقساط المدارس وألعاب ونشاطات ترفيهية.. وغيرها.
وتوضح أنه من المهم أن تخصّص العائلة وقتاً للاجتماع يضم كل أفراد الأسرة، ومعرفة كيف يمضي الأبناء أوقاتهم، ومن هم أصدقاؤهم أو الأشخاص الذين يتواصلون معهم عبر الوسائل التكنولوجية المتنوعة، إذ أصبحت الألعاب الإلكترونية وصفحات التواصل المكان الذي يجتمع به الأفراد بمختلف فئاتهم العمرية لتمضية معظم أوقات الفراغ معهم.
وتضيف “هذا بحد ذاته جعل الأطفال أكثر إدماناً عليه، ونلاحظ التغيير الملحوظ في شخصياتهم، والطرق التي يتعاملون بها مع الأهل، إذ أصبحت بعيدة كل البعد عن الأدب والقيم والمعايير التي تربينا عليها، مما جعل كلاً من الأهل وأبنائهم أكثر توتراً”.
وتنصح بنورة الآباء باتباع أساليب جديدة في التربية، وتقبل أبنائهم بدلاً من الصراخ عليهم وتعريضهم للأذى اللفظي أو الجسدي.
وفي حال وقوع أي خطأ بين الأهل وأبنائهم، يجب على الطرف المخطئ الاعتراف بخطئه والتوقف عن تكراره، وفق المستشارة بنورة، مردفةً أن بعض الأهل يطلبون من أبنائهم الاعتراف بخطئهم، فيرفض الأبناء القيام بذلك نتيجة عدم قيام الأهل بالسلوك ذاته عندما يخطئون.
وتستطرد أن الأمر ذاته ينطبق على الكذب، وغيره من السلوكيات السلبية، وهذا ما جعل الأهل حالياً يتجهون إلى متخصصين في مجال الإرشاد والأسرة لمساعدتهم على تخطي الصعوبات التي يواجهونها مع أبنائهم في التواصل.
وتذكّر بنورة بأن الاعتراف بالخطأ يُعد قوةً في الشخصية، أياً كان صاحبه، ويجب تربية الأبناء عليه، إلى جانب تطوير مهارات التواصل الاجتماعي وطرق التفكير والتعبير عن النفس.
نصائح
ويقدم موقع (parents) للأهل مجموعة من النصائح للاعتذار إلى الأطفال بطريقة تفيد الجميع، منها:
تعرف على مشاعرهم المؤلمة: يقول الدكتور كلاين “إنه أمر مخيف بالنسبة إلى الطفل عندما يكون أحد الوالدين مستاءً منه” فإذا أظهرت له أنك تدرك حقاً أنك جرحت مشاعره، فهذا يوضح أنكما ستعودان معاً، ويمكن إصلاح العلاقة باعتذار”.
تقبل المسؤولية عما فعلته بشكل خاطئ: أجرت سوزان شابيرو، الأستاذة الجامعية والمؤلفة الشهيرة، مقابلات مع الكثير من البالغين الذين شعروا بالظلم من أهلهم، فاعتذر هؤلاء إليهم لاحقاً. وأعربوا بأنهم يشعرون أنهم مسموعين ومحبوبين، مؤكدة أن الاعتراف بالخطأ أو عدم الحساسية خطوة أولى للاعتذار بشكل صحيح.
اشرح سبب حدوث ذلك: تقول شابيرو “إذا أعطيت الأطفال سبباً لحدوث سلوكك غير اللائق، فهذا يجعلك إنسانياً ويوجِد مساحة للتعاطف بين الطرفين”.
أظهر أنه لن يحدث ذلك مرة أخرى: يقول الدكتور كلاين “الاعتذار يتعلق بالتعرّف على سلوكك الشخصي، هذا لا يعني أنه يجب عليك إدارة دوائر حول أطفالك لتعويض الخطأ الذي ارتكبته، بل تقديم اعتذار حقيقي يُظهر التعاطف والتواصل، مما يساعد في علاقات الطفل مع الآخرين في حياته”.
كن واضحاً وموجزاً: إن قول إنك آسف، بإيجاز وصدق، يُظهر للأطفال أنه لا يوجد أحد مثالي. تقول شابيرو “تريدهم أن يفهموا أنهم إذا قاموا بفوضى في الحياة، فلا بأس.. إذ ثمة مجالٌ للإصلاح والتواصل”.
قل دائماً “أنا آسف”: أحياناً يحاول المخطئون التوبة بطرق أخرى، فيؤدون أعمالاً جيدة ويقدمون الهدايا، لكن شابيرو تقول “كل البالغين الذين قابلتهم كانوا يريدون شيئاً واحداً، وهو قول عبارة أنا آسف. وهذا يكفي بالنسبة إليهم”.