الأخبارالعالمية

لماذا لم يحتج البشر القدامى إلى واقيات الشمس أو المظلات؟

محمد سناجلة

لماذا لم يحتج البشر القدامى إلى واقيات الشمس أو المظلات؟

 

دافئة، حارقة، ساطعة، ساحرة، مخيفة، قوية، جميلة ومذهلة هي مجرد كلمات قليلة تصف النجم الذي يغذي كوكبنا وينيره، ولقد حاولت البشرية عبر القرون فهم “كرة النار” هذه التي تسطع في كبد السماء. وعلى مدى التاريخ الإنساني، كانت هذه الكرة الملتهبة التي تسمى الشمس موضوعا للغموض والرهبة والخوف والرغبة في الاكتشاف.

فهم الناس مع مرور الزمن، ضرورة الحماية من الشمس وبالذات من الأشعة فوق البنفسجية الخطرة، التي يمكن أن تُسبب سرطان الجلد. وكما تقول الأكاديمية الأميركية للأمراض الجلدية (American Academy of Dermatology) -والتي تتخذ موقفا غير متسامح من التعرض لأشعة الشمس- “تحتاج إلى حماية بشرتك من أشعة الشمس كل يوم، حتى عندما يكون الجو غائما”.

Senior woman sitting on mountain and taking break while applying sun cream on hand.
مع مرور الزمن تعلمنا حماية أنفسنا من الشمس وبالذات من الأشعة فوق البنفسجية الخطرة، التي يمكن أن تُسبب سرطان الجلد (غيتي)

هل كان البشر دائما بحاجة لأدوات خاصة للوقاية من الشمس؟

تجيب الدكتورة نينا جابولينسكي أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة إيفان بوغ بولاية بنسلفانيا الأميركية والمختصة بدراسة تكيف الحيوانات الرئيسية مع البيئة عن هذا السؤال في مقالٍ نشره موقع “إنتريستنغ إنجينيرنغ” (Interesting Engineering) مؤخرا، “الإجابة المختصرة هي (لا)، لم نكن بحاجة إلى ذلك، وعلى مدى دهور وقف جلدنا في وجه الشمس”.

تطور البشر على مر العصور، وقد كانت الشمس عنصرا ثابتا في حياتهم، حيث كانت مصدر الدفء لهم، وقد قضى الإنسان العاقل الجزء الأكبر من حياته دون الحاجة إلى واقيات الشمس، وكان الجلد هو الواجهة الأساسية بين أجساد أجدادنا والعالم بكل ما فيه من برد ومطر وشمس حارقة.

وبحسب جابولينسكي، فإن البشرة تستجيب للتعرض الروتيني للشمس بعدة طرق؛ فتصبح الطبقة السطحية للجلد (البشرة) أكثر سمكا، وبالنسبة لمعظم الناس يصبح الجلد أغمق تدريجيا مع بدء عمل الخلايا المتخصصة لإنتاج صبغة واقية تسمى “الإيوميلانين” (Eumelanin).

تمتص هذه المادة الرائعة الضوء الأكثر وضوحا، ما يجعل الجلد يبدو بنيا وداكنا للغاية إلى درجة السواد تقريبا، كما يمتص الإيوميلانين أيضا الأشعة فوق البنفسجية الضارة. وينتج الناس كميات مختلفة من الإيوميلانين اعتمادا على تركيبتهم الجينية، فبعض البشر قادرون على إنتاج كميات كبيرة منه، والبعض الآخر لا يملك هذه القدرة فينتج كميات أقل عند تعرض بشرتهم للشمس.

وأظهر البحث الذي أجرته الدكتورة نينا جابولينسكي حول “تطور تصبغ جلد الإنسان” أن لون بشرة الأشخاص في عصور ما قبل التاريخ ارتبط بظروف البيئة المحلية، وبالذات للأشخاص الذين عاشوا تحت ضوء قوي للأشعة فوق البنفسجية -مثل ما قد تجده بالقرب من خط الاستواء- وعاما تلو الآخر أصبحت بشرتهم داكنة أكثر بسبب قدرتها على إنتاج الكثير من مادة

الإيوميلانين. أما الأشخاص الذين عاشوا في ظل مستويات أقل من الأشعة فوق البنفسجية الموسمية -كما هو الحال في معظم شمال أوروبا وشمال آسيا- فقد كانت بشرتهم أفتح، ولديهم قدرات محدودة فقط على إنتاج الصبغة الواقية.

لم يتحرك أسلافنا كثيرا خلال حياتهم فقد كانت أقدامهم هي حيلتهم الوحيدة قبل ترويض الخيول واختراع العربات، ولهذا تكيفت بشرتهم مع التغيرات الموسمية الطفيفة في ضوء الشمس عن طريق إنتاج المزيد من مادة الإيوميلانين لتصبح بشرتهم أغمق في الصيف، ثم تفقد بعضا من الصبغة في الخريف والشتاء حين تصبح أشعة الشمس أقل حدة.

وحتى بالنسبة للأشخاص ذوي البشرة الفاتحة، فإن حروق الشمس المؤلمة كانت نادرة للغاية بسبب عدم وجود صدمات مفاجئة من التعرض القوي للشمس. وبدلا من ذلك، ومع ازدياد حرارة الشمس خلال فصل الربيع وصولا لفصل الصيف، تصبح الطبقة العليا من بشرتهم أكثر سمكا تدريجيا على مدار أسابيع وأشهر من التعرض للشمس.

وهذا لا يعني أن الجلد لم يتضرر وفقا لمعايير اليوم: سيشعر أطباء الجلد بالفزع من المظهر الجلدي المتجعد لبشرة أجدادنا التي كانت معرضة للشمس أغلب الوقت، حيث تغير لون الجلد تماشيا مع تغير مستويات أشعة الشمس مع تعاقب الفصول، ولا يزال هذا هو الحال بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في الطبيعة بعيدًا عن المدنية الحديثة، مثل قبائل البدو الرحل أو العديد من القبائل في الأدغال الأفريقية.

ولا يوجد جلد محفوظ منذ آلاف السنين للعلماء لدراسته، لكن يمكننا أن نستنتج من تأثيرات التعرض لأشعة الشمس على الأشخاص المعاصرين أن الضرر كان مشابها حيث يمكن أن يؤدي التعرض المزمن لأشعة الشمس إلى الإصابة بسرطان الجلد، ولكن نادرا ما يكون من النوع الذي يسبب الوفاة.

A happy senior woman on the street of Taipei is looking into the camera.
أسلافنا لم يتحركوا كثيرا خلال حياتهم فقد كانت أقدامهم وسيلتهم الوحيدة ولهذا تكيفت بشرتهم مع التغيرات الموسمية الطفيفة (غيتي)

البيوت تغير جلد الإنسان

قبل حوالي 10 آلاف عام كان الناس يكسبون عيشهم من خلال جمع الأطعمة والصيد في البراري، وقد تغيرت علاقة البشرية بالشمس كثيرا بعد أن بدأ الناس في الاستقرار والعيش في مستوطنات دائمة عقب اكتشاف الزراعة، حيث ارتبطت الزراعة وتخزين الطعام بتطوير المباني غير المنقولة. وقبل حوالي 6 آلاف سنة قبل الميلاد، كان الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم يقضون وقتا أطول في مستوطنات مسورة والمزيد من الوقت في البيوت.

وبحلول عام 3000 قبل الميلاد على الأقل، نمت صناعة كاملة من أدوات الحماية من أشعة الشمس بما فيها المظلات والقبعات والخيام والملابس التي من شأنها حماية بشرة الناس من وهج الشمس، والتسمير الحتمي للجلد المرتبط بالتعرض الطويل لأشعتها، وقد كانت هذه الأدوات في البداية مخصصة للنبلاء في مصر القديمة والصين، ولكن بدأ تصنيع وإنتاج هذه الأدوات “الفاخرة” واستخدامها على نطاق واسع منذ ذلك الوقت.

ويعتبر المصريون القدماء من أوائل الشعوب التي عرفت الآثار الضارة للشمس على صحة الإنسان، حيث بذلوا جهدهم لتجنب التعرض لأشعتها الحارقة، وهو أمر لم يكن سهلا في بيئة مصر المشمسة والحارة. ووجد العلماء في المقابر الفرعونية المكتشفة مؤخرا والبرديات المترجمة مكونات خلائط كانت تستخدم لعلاج حروق الشمس والوقاية منها، وأعاد العلماء المعاصرون اكتشاف بعض المكونات المستخدمة في العصور القديمة مثل: مستخلصات نخالة الأرز، والياسمين، ومستخلص الترمس في بعض الصيغ الواقية من الشمس لأغراض امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، وإصلاح تلف الجلد، وتفتيح البشرة، وذلك كما ذكرت منصة “جاد” (JAAD) (The Journal of the American Academy of Dermatology) في تقرير لها.

وفي بعض الأماكن، طوّر الناس حتى معاجين واقية مصنوعة من المعادن وبقايا النباتات مثل “معجون الثاناكا” (Thanaka paste) الذي يستخدمه الناس في ميانمار حتى أيامنا هذه.

المصدر : مواقع إلكترونية

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى