لماذا لا يصبح كل من أصيب بكورونا محصنا ضد أوميكرون؟
كما هو متوقع من العديد من الطفرات، أظهر أوميكرون القدرة على التهرب الأكثر وضوحا من الأجسام المضادة المعادلة مقارنة بجميع المتغيرات الفيروسية الأخرى التي تم اختبارها.
كم مرة ينبغي أن تتعرض لكورونا حتى تصبح محصنا ضد أوميكرون؟ وما التنبؤ الذي قدمه العالم الروسي ميخائيل شيلكانوف حول سلالات كورونا الجديدة؟ وكيف نكتشف الوباء أو موجة المتحور الجديد القادمة؟ الإجابات في هذا التقرير.
كم مرة ينبغي أن تتعرض لشوكة كورونا حتى تمتلك مناعة ضد أوميكرون؟
نبدأ من ألمانيا، حيث توصل علماء من جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونيخ، ومركز هيلمهولتز ميونيخ البحثي، والجامعة التقنية في ميونيخ؛ إلى أن الجهاز المناعي يصبح قادرا على تحييد حتى سلالة أوميكرون بعد تعرضه 3 مرات لبروتين الشوك “سبايك” في فيروس كورونا.
والتعرض لبروتين الشوكة يكون إما عبر الإصابة بالفيروس، أو تلقي لقاح كوفيد-19 الذي يقدم بروتين الشوكة لجهاز المناعة بحيث يتعرف عليه ويكوّن له أجساما مضادة.
ومنذ بداية جائحة كوفيد-19 استمر فيروس كورونا المستجد -واسمه العلمي “سار-كوف 2” (SARS-CoV-2)- في التطور، مع انتشار متغيرات جديدة مثيرة للقلق بسرعة. وبقدرته الكبيرة على العدوى والتهرب جزئيا من الاستجابة المناعية، أصبح أوميكرون البديل السائد في معظم البلدان، وفقا لتقرير في موقع “يوريك أليرت” (eurekalert).
كيف نثقف جهاز المناعة لمحاربة أوميكرون؟
قدم فريق بحثي بقيادة البروفيسور أولريك بروتزر والبروفيسور بيرسي نول والبروفيسور أوليفر تي كيبلر، إجابات عن كيفية “تثقيف” أجهزة المناعة لمحاربة أوميكرون ومتغيرات الهروب المناعي الأخرى من الفيروس.
وتوصل الباحثون إلى أن 3 حالات تعرض لبروتين الشوكة “سبايك” الفيروسي تؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة معادلة للفيروس بكميات عالية وبجودة عالية.
ترتبط هذه الأجسام المضادة عالية الجودة ببروتين الشوكة الفيروسي بقوة أكبر، وهي أيضا قادرة على محاربة متغير أوميكرون بشكل فعال.
ينطبق هذا على الأشخاص التاليين:
- الذين تلقوا لقاحا ثلاثيا، أي 3 جرعات من اللقاح.
- الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19، ثم حصلوا على جرعتين من اللقاح.
- الأشخاص الذين تم تطعيمهم مرتين وأصيبوا بعد ذلك بالعدوى.
وشملت الدراسة 171 مشاركا، ونشرت في مجلة “نيتشر ميديسين” (Nature Medicine).
وكما هو متوقع من العديد من الطفرات، فقد أظهر أوميكرون القدرة على التهرب الأكثر وضوحا من الأجسام المضادة المعادلة مقارنة بجميع المتغيرات الفيروسية الأخرى التي تم اختبارها. ويقول كيبلر “بالنسبة إلى أوميكرون فأنت بحاجة إلى المزيد من الأجسام المضادة وأفضلها للوقاية من العدوى”.
وطوّر الباحثون اختبارا جديدا لتحييد الفيروس، إذ سمح لهم بتحليل الأجسام المضادة في العديد من عينات المصل والمتغيرات المختلفة للفيروس بمعدلات إنتاجية عالية.
ويضيف بروتزر أن “الاكتشاف الجديد لدراستنا هو أن الناس يحتاجون إلى التعرض 3 مرات منفصلة لبروتين الشوكة لبناء نشاط تحييد عالي المستوى ضد جميع المتغيرات الفيروسية، بما في ذلك أوميكرون”.
عالم روسي يقدم تنبؤا حول سلالات كورونا الجديدة
قال رئيس قسم علم الأوبئة في كلية الطب الحيوي في جامعة الشرق الأقصى الروسي الفدرالية ميخائيل شيلكانوف إن السلالات الجديدة من فيروس كورونا ستكون أقل خطورة، ولكنها أكثر عدوى، وذلك وفقا لما نقله موقع روسيا اليوم عن نوفوستي.
وأضاف شيلكانوف أن هذا ما يؤكده ظهور متحور أوميكرون، وأوضح أنه “ليس من مصلحة أي طفيلي أن يقتل العائل (الفيروس الأصلي)، لذا فإن تطور فيروس كورونا سيستمر في هذا الاتجاه؛ كلما تراكمت الطفرات زاد احتمال أن تكون أقل تسببا في الأمراض، وأقل عدوانية، ولكن مع احتمال أن يكون الفيروس أكثر عدوى”.
وأوضح أن هذا التطور نلاحظه حاليا مع متحور أوميكرون، الذي يتميز بسرعة الانتشار لكنه أقل خطورة من السلالات التي سبقته.
وأضاف أنه ستتم ملاحظة الاتجاه ذاته في المتغيرات الجينية اللاحقة لمسببات مرض كوفيد-19.
وقال إن هذا لا يعني أن أوميكرون آمن تماما، مشيرا إلى أن الخطر لا يزال قائما، لذلك لا يزال من الضروري التطعيم.
كيف نكتشف الوباء أو موجة المتحور الجديد القادمة؟
تناول الدكتور ريك برايت في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) إمكانية اكتشاف ظهور الفيروسات الجديدة أو متحوراتها في وقت مبكر وقبل الانتشار، قائلا إن ذلك أصبح متاحا.
ويقول برايت -المتخصص في المناعة وخبير الفيروسات واللقاحات والرئيس التنفيذي للمعهد الأميركي للوقاية من الأوبئة- إن هناك أماكن للبحث قد تساعد العلماء في العثور على متغيرات جديدة بشكل أسرع، مثل مياه الصرف الصحي والهواء؛ إذ إن الناس يتخلصون من فيروس كورونا في برازهم وزفيرهم، ونتيجة لذلك يمكن رصد الفيروس قبل اختبار الأشخاص أو ظهور أعراض عليهم.
ويوضح أن البحث عن متغيرات الفيروسات التاجية بطيء جدا ومتقطع حاليا، إذ يراقب العلماء في عدد قليل من البلدان (جنوب أفريقيا وبوتسوانا والولايات المتحدة ودول أخرى) الأنماط في عدد من الحالات ويرسلون بانتظام عينات من الفيروس من الأشخاص المصابين لمعرفة إذا كانت هناك تغيرات جينية ملحوظة. ويمكن مشاركة نتائج هذا التحليل ضمن شبكة عالمية، مثل “جي آي إس إيه آي دي” (GISAID)، وهو مجتمع دولي من العلماء الذين يشاركون البيانات حول متغيرات الأمراض علانية، لمقارنة تسلسل فيروس كورونا من جميع أنحاء العالم.
وبحلول وقت حدوث ذلك، تنتشر غالبا المتغيرات بالفعل في المجتمع، وتشبه عملية التحليل هذه اختبار كل قطعة من كومة من التبن.
اكتشاف الوباء القادم عبر فحص الصرف الصحي
وتم استخدام مراقبة مياه الصرف الصحي خلال تفشي أوميكرون من قبل العلماء في مدينة نيويورك وبوسطن وأماكن أخرى، وتمكنوا من تحديد الزيادات الوشيكة في الحالات في أحياء معينة حتى قبل تحديد البديل من مسحات الاختبار. والعكس صحيح أيضا، ففي مينيابوليس وسانت بول بولاية مينيسوتا -على سبيل المثال- كان المسؤولون الذين شهدوا انخفاضا في كمية الفيروس في مياه الصرف الصحي قادرين على التنبؤ بأن ذروة أوميكرون قد مرت.
ويستمر الكاتب ليقول إن الاهتمام باختبار عينات الهواء كان قليلا جدا، على الأقل حتى وقت قريب. وطور المسؤولون الصينيون نظام كشف يقال إنهم سيستخدمونه لجمع عينات الهواء واختبارها من الأماكن في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022. وفي الولايات المتحدة تقوم شراكة بين مدينة ديفيس بكاليفورنيا وجامعة كاليفورنيا في ديفيس بمراقبة مرشحات الهواء في المدارس الابتدائية بحثا عن الفيروس.
وحتى الآن، استخدم العلماء -في الأغلب- عينات بيئية مثل هذه لتتبع الاتجاهات في تركيز فيروس كورونا وتحديد النقاط الساخنة للاستجابة لها. ومن الممكن أن توفر هذه العينات أيضا نافذة على ديناميكيات متغير جديد مثير للقلق في المجتمع الأوسع، أسرع وأكثر دقة من أي عينة من شخص واحد.
الناس يتخلصون من فيروس كورونا في برازهم وزفيرهم
وتقدم عينة الفيروس المأخوذة من مسحة الأنف أو اللعاب معلومات عن شخص واحد؛ أما العينة الواحدة من مياه الصرف الصحي أو الهواء توفر معلومات عن العديد من الأشخاص؛ ولذلك فإن الاعتماد بشكل أكبر على هذه الأساليب يمكن أن يوفر للعالم وقتا إضافيا للاستجابة قبل أن تنتشر المتغيرات.
ومع ذلك، فلا تزال هناك بعض التحديات العملية، ويمكن أن تحتوي العينات البيئية على كثير من المحتويات الأخرى، بما في ذلك عدد لا يحصى من الفيروسات والبكتيريا والفطريات الموجودة في النفايات البشرية. وقد يكون تحديد ما هو مهم وما هو غير مهم أمرا صعبا.
يحتاج العالم إلى تطوير إجماع حول كيفية تحليل التسلسل البيئي وإنشاء مركز -كما يفعل “جي آي إس إيه آي دي” للتسلسل السريري- يتيح مشاركة المعلومات في الوقت الفعلي تقريبا والرؤى عبر البلدان.
مساعدة القادة على الاستعداد للطفرة القادمة لفيروس كورونا
وأثناء متابعة هذه المبادرات وتمويلها، من المهم أيضا أن يكون الجمهور على دراية بكيفية عمل الاختبارات البيئية والتسلسل من أجل تجنب بعض المعلومات الخاطئة وسوء الفهم مما يؤثر على أدوات أخرى مثل اللقاحات. ويجب على المنظمين توضيح أن العينات البيئية مجهولة الهوية؛ فهم لا يؤكدون من الذي ألقى الفيروس، بل يوضحون فقط أن فيروس كورونا موجود في المجتمع.
ويختم الدكتور برايت مقاله بأن اختبار وتسلسل عينات الفيروسات الموجودة في مياه الصرف الصحي أو الهواء ليس حلا منفردا؛ ومن الأفضل استخدامه جنبا إلى جنب مع مصادر البيانات الأخرى لبناء رؤية أوسع وأكثر شمولية لانتشار العامل الممرض عبر المجتمع وحول العالم. ونظرا لأنها أسرع طريقة لاكتشاف المتغيرات، فيمكن أن تساعد القادة على الاستعداد للطفرة القادمة لفيروس كورونا ومن المحتمل منعها، وأعرب عن أمله أن يتم ذلك مع الوباء التالي عقب نهاية وباء كورونا.