لماذا تطمع روسيا بمنطقتي دونيتسك ولوهانسك بإقليم دونباس شرق أوكرانيا؟
كييف– على مدار 8 سنوات مضت، كان إقليم دونباس عنوانا رئيسا للتوتر بين أوكرانيا وروسيا في مناطق الشرق، وبه ارتبطت كثير من الاتهامات بين كييف وموسكو، خاصة فيما يتعلق بالالتزام بالهدن، وتنفيذ اتفاقات “مينسك” للتسوية.
واليوم، عاد الإقليم بقوة لتصدر مشهد التصعيد الراهن، لاسيما بعد دعوات في حزب “روسيا الموحد” الحاكم لتسليح دونباس، ومشروع روسي آخر للاعتراف بمنطقتي دونيتسك ولوهانسك فيه كـ “جمهوريتين مستقلتين” تمهيدا لضمهما على غرار القرم عام 2014.
ما أهمية دونباس؟
هذا الإقليم يقع جنوب شرق أوكرانيا، على مساحة تقدر بنحو 52.3 ألف كلم مربع، ويضم منطقتي دونيتسك ولوهانسك المتاخمتين للحدود مع روسيا.
حتى 2014، كان دونباس يوصف بـ “سلة الصناعة والغذاء” في أوكرانيا، لما فيه من ثروات طبيعية وصناعات ثقيلة ومساحات زراعية، إضافة إلى غناه بمناجم الحديد والفحم المستخدم في المصانع ومحطات توليد الطاقة والتدفئة.
مجتمع الإقليم يضم -رسميا- نحو 4 ملايين نسمة، 56.8% منهم أوكرانيون، ونحو 38.2% من أصول روسية، لكن اللغة السائدة فيه كانت -ولا تزال- الروسية. ولهذا كان الإقليم (مع القرم) عاملا رئيسيا في وصول الموالين لموسكو إلى سدة الحكم قبل أحداث 2014 وما تبعها.
وكان دونباس مهدا رئيسا لشعبية ورموز “حزب الأقاليم” الموالي لروسيا، الذي حكم أوكرانيا بين 2010 ونهاية 2013.
كيف بدأ حراك الانفصال في دونيتسك ولوهانسك؟
بعد هروب الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، إلى روسيا في فبراير/شباط 2014، وأحداث القرم التي أدت إلى ضمه في وقت لاحق من مارس/آذار من العام نفسه، بدأ في منطقتي دونيتسك ولوهانسك حراك الانفصال أوائل الشهر التالي.
وسريعا ما انتقل الحراك إلى شكل مسلح، بعد أن استفاقت كييف من صدمة الفراغ الحكومي الذي خلفه هروب معظم المسؤولين في نظام يانوكوفيتش.
ساعد على ذلك سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا، والمناوئين لسلطات كييف الجديدة الموالية للغرب، على المقار الحكومية والمواقع العسكرية، في المدن الرئيسية وغيرها، قبل أن يعلنوا من جانب واحد في 7 أبريل/نيسان 2014 عن قيام “جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين”.
لم يعترف أي طرف بهاتين “الجمهوريتين” لكنهما طمحتا سريعا إلى عضوية الاتحاد الروسي، وحاولتا الوحدة فيما بينهما باسم “روسيا الجديدة” كما سعتا إلى الاستحواذ على مناطق أوكرانية أخرى شرق البلاد.
شكلت كييف آنذاك ما عرف بـ “عملية مكافحة الإرهاب” واستطاعت بعد شهور استعادة عدة رئيسية مدن سيطر عليها الانفصاليون (سلافيانسك، كراماتورسك، ماريوبول) فتوقفت -عمليا- أطماعهم التوسعية.
من يدعم الانفصاليين شرق أوكرانيا؟
منذ بداية الأمر، أصرت موسكو على اعتبار أن ما يحدث شرق أوكرانيا “حرب أهلية” مؤكدة أنها لا تدعم الانفصاليين، وأنها “وسيط” بينهم وبين كييف.
وبطبيعة الحال، رفضت كييف هذا الأمر، بل تحولت تدريجيا إلى اتهام روسيا بإرسال مسلحين متقاعدين ومرتزقة وأسلحة وعتاد ثقيل لم يكن موجودا بالمنطقة، تحت غطاء قوافل كثيرة من “المساعدات الإنسانية” عبر مسافة حدودية خارجة -حتى اليوم- عن سيطرة أوكرانيا، تقدرها كييف بنحو 400 كلم من أصل نحو 2295 كلم، هي كامل الحدود البرية والبحرية بين البلدين.
ما الذي تغير؟
بسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا عليها، تحولت تلك المناطق إلى نمط الحياة الروسية، بدءا من الاتصالات، ومرورا بالخدمات، وحتى الاعتماد على الروبل الروسي بدلا عن الهريفنيا الأوكرانية، حيث يحصل السكان على رواتب شهرية وتقاعدية بدعم روسي غير معلن.
والحدود البرية، التي تسيطر عليها روسيا، مفتوحة أمام حركة السكان والبضائع في “الجمهوريتين” اللتين أصدرتا “جوازات سفر” خاصة بهما تعترف بها روسيا فقط.
لكن التغيرات المحورية، التي طرأت على المنطقتين بشكل عام، تشمل ما يلي:
1- النزوح: بناء على الإحصائيات الرسمية، تفوق أعداد النازحين (داخليا) 1.5 مليون نسمة، بينما تقدر أعداد النازحين إلى روسيا المجاورة بنحو 600 ألف.
2- التجنيس: تسارع روسيا الخطى وبشكل علني لتوزيع جنسيتها على سكان دونيتسك ولوهانسك. وفي يوليو/تموز 2021، أعلن دميتري كوزاك نائب رئيس إدارة الكرملين أن حوالي مليون أوكراني حصلوا على الجنسية الروسية بين عامي 2016 و2020 فقط.
وذكر دينيس بوشيلين رئيس “جمهورية دونيتسك الشعبية” أن 400 ألف من السكان حصلوا فعلا على الجنسية الروسية.
3- التسييس: تغيب مظاهر الحياة السياسية “الأوكرانية” تماما عن المنطقتين اليوم. وبالمقابل، تنشط فيها عدة أحزاب روسية محدودة الشعبية، لكنها موالية لنظام الحكم في روسيا.
بناء على كل ما سبق، يعتبر الأوكرانيون أن روسيا، التي ضمت القرم بسرعة، قضمت لاحقا دونباس ببطء وحولته إلى فضائها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فعقّدت أي إمكانية للتسوية السياسية على أساس اتفاقيات مينسك.
الصراع المسلح في منطقتي دونيتسك ولوهانسك أدى إلى مقتل 13 ألف أوكراني من بينهم 8 آلاف جندي.
ما أبرز المآسي التي شهدتها دونيتسك ولوهانسك؟
عام الصراع الأول 2014 كان الأكثر سخونة ودموية، وفيه حدثت مأساتان:
1- إسقاط طائرة ركاب ماليزية من طراز بوينغ 777 فوق دونيتسك، في 17 يوليو/تموز، مما أدى إلى مصرع 298 شخصا كانوا على متنها.
2- ما حدث في “إيلوفايسك” من مأساة راح ضحيتها 368 جنديا أوكرانيا دفعة واحدة في أغسطس/آب، بقصف نفذه الانفصاليون أثناء عملية انسحاب من البلدة.
وبشكل عام، أدى الصراع المسلح في منطقتي دونيتسك ولوهانسك إلى مقتل 13 ألف أوكراني، من بينهم 8 آلاف جندي، بحسب إحصائيات أممية.
من هم زعماء “الجمهوريتين” ولمن ولاؤهم؟
لم تعترف روسيا رسميا باستقلال “جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين” لكنها تتعامل معهما في كل مجال تقريبا، عدا حركة الطيران.
في “الجمهوريتين” تعاقب على الحكم من اتصفوا بشدة الولاء لروسيا، وآخرهم بوشيلين رئيس “جمهورية دونيتسك الشعبية”، وليونيد باسيتشنيك رئيس “جمهورية لوهانسك الشعبية”.
اسم بوشيلين يتردد منذ سنوات بحكم نشاطه واستقرار الأوضاع السياسية نسبيا في دونيتسك، خلافا لـ لوهانسك التي شهدت خلافات كثيرة بين مسؤوليها.
ويبرز هذا الحاكم لعضويته في حزب “روسيا الموحدة” الحاكم في روسيا، وفي “مجموعة الاتصال الثلاثي” للتسوية التي تضم أوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وروسيا، إضافة إلى ممثلين عن “الجمهوريتين” تحت الغطاء الروسي.
ما السيناريوهات؟
بحسب كثيرين، في أوكرانيا وروسيا، الاستحواذ الروسي على دونيتسك ولوهانسك مطروح في العلن، وقد يتم وفق سيناريو مشابه لسيناريو ضم القرم عام 2014 لا سيما وأن ذريعة “حماية الأقليات” من “التهديدات الأوكرانية” هي ذاتها التي تتردد اليوم عند الحديث عن موضوع “التسليح وأهمية “الضم”.
تساعد على ذلك حقيقة أن الوضع الديمغرافي تهيأ على مدار السنوات الماضية لهذا الغرض، بتحويل غالبية السكان من أوكرانيين إلى روس، وخيار استعادة هذه المناطق بالوسائل السلمية والعسكرية بات أصعب على أوكرانيا من أي وقت مضى لأنه يعني مواجهة مع روسيا بالضرورة.