لماذا تسلبنا الضغوط المالية راحة البال؟ وكيف نحمي صحتنا؟
تعد الضغوط المالية التي نواجهها “خبيثة” مقارنة ببقية ضغوط الحياة، وذلك بسبب قدرتها على التأثير في كل جانب من جوانب حياتنا، نحن ببساطة نحتاج إلى المال لنعيش، نحتاج إليه لدفع الفواتير في مواعيدها ووضع الطعام على المائدة كل يوم والاستمتاع بالحياة دون ضغوط الالتزامات المادية التي تطبق علينا كل ليلة.
ووفقا لما توصلت إليه دراسات حديثة، فإن الوضع المالي يؤثر على الصحة بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليه، فسواء كان التوتر الذي نشعر به ناجما عن العمل أو العلاقات أو الرعاية الصحية أو ما نتعرض له من مصائب أو فاجعة أو إعاقة أو نقص في الموارد المالية فإن الجسد ببساطة يستجيب بنفس الطريقة لأي نوع من أنواع التوتر.
ماذا تقول الدراسات؟
وفقا لموقع “سيكولوجي توداي” (Psychology Today)، فقد وجد المختصون أن الضغوط المالية هي ضغوط نفسية تؤدي إلى استجابة نظامية في الجسم، ويحدث ذلك من خلال المسارات البيولوجية التي تربط الاستجابات النفسية بالجهاز المناعي والعصبي والغدد الصماء، وهو مجال دراسة يسمى علم المناعة العصبية النفسية.
ووفقا لدراسة حديثة أجريت في العام 2022 ونشرت في مجلة “ساينس دايركت” (Science Direct) العلمية، فإن الظروف المالية الفردية تؤثر على المناعة والغدد الصماء العصبية، وقد وُجد أن هذه الآثار تكون فورية وتستمر على مدار 4 سنوات، وهذا يثبت أن للضغوط المالية تأثيرات طويلة الأمد على العمليات البيولوجية وبالتالي على الصحة العامة.
كما وجدت دراسة استقصائية أجريت في الولايات المتحدة الأميركية نشرت في مارس/آذار 2022 وشملت أكثر من 3 آلاف بالغ أن 90% من الذين شملتهم الدراسة أفادوا بأن المال كان مصدرا للتوتر بالنسبة لهم، كما أفاد حوالي ثلثي المستجيبين بأنهم لا يستطيعون التغلب على الصعوبات المالية التي تتراكم، وأن 40% لم يتخذوا أي خطوات لتأمين مستقبلهم المالي.
من ناحية أخرى، وجدت البيانات التي تم جمعها في مسح بالولايات المتحدة الأميركية حول الصحة في العام 2019 لأكثر من 6700 رجل وامرأة أن المال كان المصدر الأول للتوتر، فقد أكد 52% منهم أن المشكلات المالية تضغط عليهم بانتظام، وذلك حتى قبل أن تهز جائحة كورونا سوق العمل ويصل التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية.
ووفقا لموقع الحكومة الكندية (Government of Canada)، فإنه بالنسبة للعديد من الكنديين فإن المخاوف المالية هي أكبر مصدر للتوتر مقارنة بالمخاوف المتعلقة بالعمل والصحة الشخصية والعلاقات، وقد أظهرت الأبحاث أن 48% من الكنديين فقدوا القدرة على النوم بسبب المخاوف المالية، وأن 44% يقولون إنه سيكون من الصعب الوفاء بالتزاماتهم المالية إذا تأخرت رواتبهم.
الضغط المالي ضار بالصحة
وتشير الأبحاث إلى أن هذا النوع من القلق والتوتر المالي يمكن أن يضر بصحتنا، وتقول آشلي أغنيو -التي تقود خدمات التدريب والعلاج المالي في مجموعة “سنتر بوينت أدفايزرز” (Centerpoint Advisors) في ولاية ماساشوستس الأميركية- في مقال نشره موقع “إيفري داي هيلث” (Everyday Health) إن الموارد المالية تؤثر على العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك الصحة والفرص المتاحة، وإن الكثير من الضغوط المالية تؤثر بشدة على الرفاهية العاطفية.
وهذه أبرز الآثار الناجمة عن الضغط المالي:
- شديد السمية: تقول أغنيو إن أحد الأسباب التي تجعل الضغط المالي شديد السمية يرجع إلى مدى استهلاك هذا النوع من الإجهاد، فالمال يؤثر على الكثير من الأنشطة اليومية، مثل شراء البقالة ودفع الإيجار أو الرهن العقاري والحصول على الرعاية الصحية وإعالة عائلاتنا، ويؤدي القلق بشأن المال إلى القلق حول كل هذه الأشياء.
- صدمة معقدة: يقول أليكس ملكوميان المتخصص في علم النفس المالي ومؤسس مركز علم النفس المالي في لوس أنجلوس إنه عندما يعاني شخص ما من ضغوط مالية يشعر أنه لا يوجد مكان يلجأ إليه دون أن يتعرض للتوتر أو الصدمة، ومع مرور الوقت يمكن أن يؤدي وجود الكثير من الضغوط المالية -خاصة عندما يقترن بقلة النوم التي يمكن أن يسببها مثل هذا التوتر- إلى صدمة معقدة.
- انخفاض مستوى الرفاهية: تظهر الأبحاث أن البالغين الذين يعانون من ضغوط مالية كبيرة مثل تأخرهم في دفع الفواتير أو عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الضروريات الأساسية أو يعانون من تدهور الوضع المالي يبلّغون عن مستويات أعلى من الضيق النفسي وانخفاض مستويات الرفاهية النفسية.
- الاكتئاب: يرتبط الإجهاد المالي بالاكتئاب في جميع مستويات الدخل على الرغم من أنه يكون أقوى لدى ذوي الدخل المنخفض.
- مشاكل النوم: أحد الآثار المستمرة التي تسببها الضغوط المالية هو النوم المتقطع أو الأرق بالنسبة للبعض، وتعد قلة النوم إحدى العلامات الرئيسية على عدم توازننا، إنها طريقة أجسادنا لإصدار الإنذارات بأن هناك خطأ ما.
وفي هذا الإطار، وجدت مجموعة بيانات كبيرة على المستوى الوطني في أستراليا أن الأفراد الذين يعيشون في مناطق ذات معدلات بطالة عالية أو يعانون من ضعف اقتصادي على المستوى الفردي ينامون أقل من الأشخاص في المناطق ذات معدلات البطالة المنخفضة أو الذين لا يعانون من صعوبات مالية.
- الإجهاد المالي والأمراض المزمنة: يمكن أن تكون للكثير من الضغوط المالية عواقب جسدية طويلة المدى، لأن الإجهاد بحد ذاته يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الجسدية، فهو يسرع معدل ضربات القلب وتتوتر العضلات ويتسارع التنفس، وذلك بسبب زيادة مستويات هرمونات التوتر والكورتيزول والأدرينالين، وإذا كانت هذه الاستجابة مزمنة كما هو الحال مع الضغوط المالية فقد تؤدي إلى مشاكل مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول وآلام العضلات ومشاكل أخرى.
كيف تتجنب الضغوط المالية التي تعرض صحتك للخطر؟
إن تجنب الضغوط المالية لا يتعلق بجني الكثير من المال، ولكنه يتعلق بتحقيق العافية المالية، والتي تعني الشعور بالأمان بخصوص أمورك المالية حتى لو كنت تملك أموالا قليلة، وبالتالي فلن تصبح قلة المال أمرا يربك أفكارك وصحتك العاطفية.
وتتمثل العافية المالية في التحكم في الشؤون المالية اليومية، وحرية اتخاذ الخيارات التي تساعدك على الاستمتاع بالحياة، مع القدرة أيضا على امتصاص الصدمات المالية، والوصول إلى الأهداف المالية التي تحددها.