الأخبارالإقتصاديةالعالمية

لقمة سائغة في فم الدب الروسي.. آثار الغزو الروسي لأوكرانيا على الاقتصاد الأوروبي

لقمة سائغة في فم الدب الروسي.. آثار الغزو الروسي لأوكرانيا على الاقتصاد الأوروبي

باريس- رغم أن الحرب الروسية على أوكرانيا، والمواجهات العسكرية تدور رحاها على الأراضي الأوكرانية، فإن دخانها الأسود وآثارها السلبية وتبعاتها الكارثية الاقتصادية امتدت وستمتد على رقعة أكبر لتشمل أوروبا كلها.

ذلك أن القارة العجوز ترتبط بعلاقات اقتصادية كبيرة مع موسكو، وتحصل منها على أكثر من 40% من غازها الطبيعي و25% من نفطها.

في المقابل، تعرف أوكرانيا تاريخيا بأنها “سلة غذاء أوروبا” فهي خامس ورابع أكبر مورد للقمح والذرة عالميا، كما تتربع على عرش توريد زيوت البذور.

عواقب وخيمة

ومع دخول الغزو الروسي يومه الثامن، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي، لدى افتتاحه السبت الماضي المعرض الدولي للزراعة بالعاصمة، من أن هذه الحرب “ستطول ويجب أن نستعد لها” لأن عواقبها ستكون وخيمة على الزراعة الفرنسية والاقتصاد الأوروبي.

وقد حذر خبراء إستراتيجيون اقتصاديون من ردة فعل روسيا تجاه “العقوبات المؤلمة” التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها على موسكو، ونبهوا إلى أن الاقتصاد الأوروبي -الذي يسعى جاهدا للتعافي من آثار فيروس كورونا- قد يكون هذه المرة لقمة سائغة في فم الدب الروسي ومحاولته الانتقام من العقوبات الأوروبية الأميركية التي أيقظته من سباته الشتوي وضيقت الخناق عليه.

يقول الباحث المتخصص بأسواق المال والخبير الاقتصادي دانيال ملحم إن الاقتصاد الفرنسي سيتأثر كثيرا، لأن هناك تركزا كبيرا للشركات الفرنسية بالسوق الروسية، والتي تملك حجم استثمارات كبيرا، وبالتالي إذا دخلت في دوامة العقوبات والعقوبات المضادة فسيتأثر النشاط الاقتصادي الفرنسي بشكل مباشر.

وأضاف للجزيرة نت “أما فيما يتعلق بأوروبا فإن أغلب دولها تعتمد بشكل كبير على السوق الروسية في واردات الغاز والمواد الأولية التي تدخل في صناعة السيارات وخصوصا ألمانيا، بالإضافة لمواد أساسية مثل القمح والذرة. وفي غياب بدائل حقيقية لهذه السوق ستظهر النتائج السلبية على معدلات التضخم التي ستبلغ مستوى قياسيا بأوروبا، ولن يستطيع المصرف المركزي الأوروبي التحكم بها، وبالتالي ندخل فترة انكماش اقتصادي خاصة إذا طالت الأزمة”.

عجز تجاري لفائدة روسيا

وفي نفس السياق، تظهر آخر الاحصائيات والأرقام التي حصلت عليها الجزيرة نت من المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي “يوروستات” Eurostat -فيما يخص تجارة السلع الأوروبية الروسية- أن موسكو تعد ثالث أكبر شريك لواردات الاتحاد (8% من إجمالي الواردات من خارج هذا التكتل) ورابع أكبر شريك لصادرات الاتحاد (4% من إجمالي الصادرات من الخارج) عام 2018.

وتسيطر السيارات ومعدات النقل والمواد الكيميائية والأدوية ومواد التجميل والمنسوجات والمعدات الكهربائية على صادرات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا والتي تشكل مجتمعة 90% من هذه الصادرات. في حين تسيطر السلع الأولية على واردات الاتحاد من موسكو (72%) وبشكل أساسي الطاقة والمواد الخام والحبوب.

وتظهر نفس الأرقام أنه بين عامي 2008 و2018، واجه الاتحاد الأوروبي عجزا تجاريا مع روسيا بلغ أعلى مستوى له عام 2011 عند 93 مليار يورو وأدنى مستوى عام 2016 عند 46 مليارا (اليورو يساوي 1.09 دولار تقريبا) وقد بلغ العجز مستوى قياسيا بنحو 83 مليارا عام 2018، حيث صدر الاتحاد لموسكو بما قيمته 85 مليار يورو واستورد منها ما يوازي 168 مليارا.

وعلى مستوى دول الاتحاد، تحتل ألمانيا المرتبة الأولى في قيمة المعاملات التجارية عام 2018، حيث كانت أكبر مستورد للبضائع من روسيا بنحو 33 مليار يورو، وأكبر مصدر إليها بنحو 26 مليارا، ليبلغ عجزها التجاري معها 7 مليارات.

خطة صمود

وعلى غرار بقية الدول الأوروبية، تجمع فرنسا تبادلات تجارية واقتصادية ضخمة في روسيا، حيث تنشط لديها أكثر من 700 شركة بالسوق الروسية منها مجموعات كبيرة مثل توتال أونرجي Total Energies، أوشون Auchan، سوسيتيه جنرال Société générale. وتشغل أكثر من 170 ألف عامل، وهو ما سيعرض نشاطها وعمالها لمخاطر جمة مع الحصار الاقتصادي والعقوبات التي أعلنت عنها دول الاتحاد والولايات المتحدة على روسيا.

وتعتبر فرنسا تاسع أكبر مورد للمنتجات الغذائية الزراعية لروسيا بقيمة 780 مليون يورو سنويا، بحسب جمعية الصناعات الزراعية الفرنسية “إنيا”.

وخوفا من ردة الفعل الانتقامية من الجانب الروسي على العقوبات الأوروبية، شدد ماكرون -لدى افتتاحه المعرض الزراعي- على أن الحرب الروسية الأوكرانية “لن تكون بلا عواقب على عالم الزراعة. وعلى صادراتنا في القطاعات الرئيسية” وأشار إلى أن الحكومة تعد “خطة صمود” لمواجهة العواقب الاقتصادية.

وبهذا الصدد أوضح الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة السوربون كميل السري أن فرنسا أول مستثمر أجنبي في روسيا بـ 700 شركة و170 ألف عامل على التراب الروسي.

وأضاف للجزيرة نت “إذا مضت أوروبا وأميركا في تطبيق العقوبات الاقتصادية على روسيا فستكون النتائج كارثية، على هؤلاء العمال وهذه الشركات، وقد تنهار وتفلس لأن المعاملات المالية ستصبح مستحيلة وتغيب الأرباح والتحويلات إلى فرنسا، وهذا ما أكده أيضا وزير المالية الألماني حين قال إن هناك خطرا كبيرا على الشركات الألمانية”.

حرب اقتصادية شاملة

وبعد تصريحات قوية الثلاثاء لوزير المالية الفرنسي برونو لومير لوسائل إعلام محلية أوضح فيها أن أوروبا وحلفاءها سيشنون “حربا اقتصادية ومالية شاملة على روسيا” وسيدفعون “الاقتصاد الروسي إلى الانهيار” جاء الرد سريعا في نفس اليوم من ديمتري مدفيدف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الذي هدد بـ “حرب حقيقية” بعد تشديد العقوبات الاقتصادية على بلاده، وقال في تغريدة على تويتر “انتبهوا إلى ما تقولونه يا سادة، فالحروب الاقتصادية في تاريخ البشرية غالبا ما تحولت إلى حروب حقيقية”.

وعاد الوزير الفرنسي ليختم حديثه قائلا “ستؤثر هذه العقوبات أيضا على اقتصاديات الدول الأوروبية” لكن “روسيا هي التي ستعاني وليس أوروبا”.

انهيار الأسهم

وتسبب الغزو الروسي في يومه الأول بانهيار كبير في أسواق الأسهم بمعظم البورصات الأوروبية حيث خسرت بورصة باريس 3.15%، وفرانكفورت 3.73%، ولندن 2.45% وميلانو 3.10%. وانخفض المؤشر الأوروبي القياسي بنسبة 3.48%. في حين هوت بورصة موسكو لأكثر من 30%، وسجلت العملة الروسية (الروبل) أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار.

ورغم بعض الانتعاش في المؤشرات اليوم الثاني من الحرب، فإن الأسهم عادت لتنخفض الأيام التالية مع تواتر العقوبات الأوروبية الأميركية على موسكو.

وبهذا السياق، لاحظ أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة السوربون أن تاريخ العقوبات في مثل هذه الحالات يبرز أن الأضرار تعود على كل الأطراف. وفي الحالة الراهنة ربما تميل الكفة لجانب موسكو، وفي حالة إقصائها كليا من نظام السويفت فإنها ستصبح غير قادرة على تسديد ديونها مما سيؤدي لتضرر الكثير من الشركات الأوروبية وخاصة الألمانية، ويمكن أن تنهار أسواق البورصة الأوروبية في أي لحظة.

وقد خلف هذا المناخ المتوتر بأسواق البورصة الأوروبية حالة من الخوف وعدم اليقين الذي يهدد الاستثمار والنمو في الاقتصادات الأوروبية نتيجة البيئة غير الأمنة وغير المشجعة على الاستثمار.

السلاح النووي

وبعد الاختلافات وتذبذب المواقف بين عدة دول -فيما يخص استبعاد الدب الروسي من نظام السويفت- ارتأت الدول الأوروبية وحليفها الأميركي تسليط عقوبات جزئية فيما يخص هذه الآلية البنكية التي توصف بـ “السلاح النووي الاقتصادي” من خلال اختيار بعض البنوك والمؤسسات المالية الوازنة الروسية واستبعادها من هذا النظام، فما آثار وتبعات هذا الاستبعاد على الأسواق المالية الأوروبية؟

يجيب ملحم بالتأكيد على وجود معارضة حقيقية من قبل برلين وواشنطن فيما يخص موضوع العقوبات بنظام السويفت، والتي ستخلف مشاكل كبيرة للشركات الأوروبية التي تدخل في التجارة المباشرة مع موسكو، وستتحمل الشركات الألمانية تبعات وخسائر أكبر بكثير من نظيراتها في بقية الدول الأوروبية.

ولكن الخطر الكبير يأتي من التضخم والانكماش الاقتصادي والسياسية النقدية الأوروبية، وهذا قد يؤدي لانهيارات بالبورصة الأوروبية قد تصل من 15 إلى 25%.

أسواق الطاقة

وفي ظل التوترات الجيوسياسية المتسارعة وارتفاع أسعار الطاقة من نفط وغاز، تجد أوروبا نفسها بين فكي كماشة المضي قدما في تشديد العقوبات على روسيا، وبين التفكير في مصالحها الاقتصادية وحاجياتها من المواد الإستراتيجية التي تستوردها من موسكو.

وتبقى ورقة الطاقة آخر سلاح إستراتيجي في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للضغط به اقتصاديا على أوروبا وشركائها، باعتبار أن بلاده هي أول مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وثاني منتج للنفط بنحو 10% من الإنتاج العالمي.

وفي هذا الإطار، أعلن عملاق الطاقة الفرنسي “توتال” أنه لا يوجد حل فوري لاستبدال الواردات من روسيا في سوق الغاز الأوروبية، إذا تم وقفها. ولكن ذلك يرجح أن يكون هناك ارتفاع كبير في فواتير التدفئة والغاز الفترة القادمة، وهو ما يغذي المخاوف بشأن دوامة الأجور وأسعارها والاحتجاجات الاجتماعية.

ويعتقد السري أن المواطن الفرنسي والأوروبي لن يستطيع تحمل هذا الارتفاع الكبير لأسعار الطاقة، لأنه الآن في سقف ما يتحمله بالفعل، وأي ارتفاع جديد يمكن أن ينجم عنه اضطرابات اجتماعية على غرار ما حدث مع “السترات الصفراء” في فرنسا التي تقف على أبواب انتخابات رئاسية.

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى