لأول مرة في أفريقيا.. تحلية المياه الجوفية المالحة بالطاقة الشمسية
أغادير – توصل فريق من الباحثين المغاربة بشراكة مع باحثين من ألمانيا إلى ابتكار نظام مستقل يعمل بالطاقة الشمسية الحرارية والطاقة الضوئية لتحلية وتصفية المياه الجوفية المالحة.
وقال الدكتور خليل قاسمي المشرف على المشروع بالمغرب، في حديث للجزيرة نت عبر الهاتف والبريد الإلكتروني “يمكن استخدام النظام في الريف لتصفية وإنتاج مياه الشرب المنزلية باستخدام الطاقة الشمسية، كما يهدف الشركاء إلى العمل على هذه التقنية لإنتاج مياه ذات نوعية جيدة ومناسبة للري الزراعي من مياه البحر الأبيض” المتوسط.
ويعاني سكان المناطق الساحلية بالمغرب من ارتفاع ملوحة المياه الجوفية، حيث يتجاوز مستوى الملح المعايير المغربية لمياه الشرب، ونتيجة لذلك فإن هذه المياه غير صالحة للشرب وضارة بالمياه والري.
وتم تنفيذ هذا المشروع في منطقة بوغريبة الريفية التابعة لإقليم بركان بالمغرب، الذي يعاني من ارتفاع ملوحة مياه الآبار القريبة من البحر المتوسط، ويقع أقصى شمال شرق المملكة على بعد 15 كلم من الحدود مع الجزائر.
الطاقة الشمسية لتحلية المياه الجوفية
بدأ التخطيط لهذا المشروع بعد مناقشات بين الشركاء في معهد الطاقة الشمسية بألمانيا وجامعة محمد الأول في وجدة بالمغرب عام 2016، وتم قبول تمويل المشروع عام 2017 من قبل وزارتي التربية الوطنية والبحث العلمي في البلدين، وقامت جمعية الإنسان والبيئة في بركان بتنفيذ أعمال حفر البئر.
عام 2019، قام فريق العمل بصنع وتجميع النموذج الأولى في ألمانيا وتم تحويله إلى المغرب تبرعا لكلية العلوم بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة، وثم تثبيت النظام على منصة خاصة بإحدى القرى النائية في يوليو/تموز 2021، وتولى الشريك المغربي بجامعة محمد الأول مسؤولية شراء الألواح الكهروضوئية، وتصميم وبناء النظام الكامل لاقتناء الكميات الكهربائية والحرارية، والتحكم عن بعد في تشغيل نظام تحلية المياه بالطاقة الشمسية.
يقول قاسمي إنه تم تصميم هذا النظام المكتمل بإشراك طلاب الدكتوراه من جامعة محمد الأول بمدينة وجدة ومهندسين من معهد الطاقة الشمسية بألمانيا. وبفضل الباحثين الشباب وتوجيه من الأساتذة ومديري المشاريع، تم تنفيذ المشروع.
ويضيف أن طلاب الدكتوراه بالجامعة اكتسبوا بفضل هذا المشروع الخبرة والمعرفة العملية في مجال تطبيقات الطاقة الشمسية، كما ساهموا، من خلال البحث العلمي، في حل المشكلات التي يواجهها السكان بالمنطقة، لتطوير معدات مبتكرة قابلة للتسويق على المستوى الوطني والقاري.
مشروع لخدمة سكان الريف
وتم تجريب النظام في محطة تحلية المياه منذ 1 سبتمبر/أيلول الماضي وينتج مئة إلى 120 لترا من مياه الشرب لـ 20 عائلة من دوار الحمري في بلدة بوغريبة الريفية بولاية بركان بمنطقة وجدة، وتظهر مراقبة العمليات أن 30-40% من إنتاج مياه الشرب يتم بواسطة الطاقة الشمسية الحرارية، و60-70% من الطاقة الشمسية الكهروضوئية.
ويعمل الباحثون في جامعة محمد الأول مع معهد الطاقة الشمسية في ألمانيا، عن بعد، لتحسين تشغيل المحطة وإنتاج 180 إلى مئتي لتر من المياه الصالحة للشرب يوميا مستقبلا.
ويعود الباحث المشرف على المشروع فيقول “مشروعنا يوفر للسكان مياه شرب ذات نوعية جيدة باستخدام الطاقة الشمسية، حيث يوفر احتياجاتهم من إمدادات مياه الشرب منذ سبتمبر2021، وبدأ السكان يستهلكون المياه التي ينتجها نظام تحلية المياه بالطاقة الشمسية، وقد أظهروا رضاهم التام عن المشروع”.
ويضيف قاسمي “هذا المشروع له تأثير كبير على تغير المناخ، حيث لا يتطلب أي وقود أحفوري فهو صديق للبيئة، وعمره يعتمد على العمر الافتراضي للألواح الشمسية والألواح الكهروضوئية المستخدمة 25 عاما.
ويهدف فريق العمل لتخزين الطاقة الكهربائية التي تنتجها الألواح الكهروضوئية في البطاريات الشمسية، ليتم استخدام هذه الطاقة خلال الليالي لتشغيل النظام لمضاعفة كمية المياه المنتجة لتصل إلى 400 لتر، إضافة إلى توسيع هذه التجربة لتشمل القرى الأخرى التي تعاني من نقص في مياه الشرب، كما يسعى الفريق إلى تطوير نظام تحلية المياه بالطاقة الشمسية متعدد المراحل ليصل إلى سعة ألف لتر في اليوم، من أجل تلبية الاحتياجات المائية لعدة قرى نائية.
نتائج إيجابية
ونشر فريق البحث نتائج تصميم وعمل نظام تحلية المياه بالطاقة الشمسية وتشغيله في مجلات مفهرسة، وفي دراسات علمية نشرت في كتب علمية، وشاركوا به في مؤتمرات وطنية ودولية، كما تم منحه جائزة أفضل مشروع خلال تقديمه في أيام الشرقية للبيئة بالمغرب (CERHSO) يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
ومنذ الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد عدة اختبارات على النموذج الأولي من قبل الباحثين وطلاب الدكتوراه من الفريق المغربي، أظهرت نتائج التشغيل الصحيح للنظام المقترح تسخين المياه المالح بمعدل غرام واحد من الملح في لتر واحد من الماء، بواسطة الطاقة الشمسية الحرارية والضوئية وتكثيفها وتقطيرها بالمراحل الثمانية للنظام، وإنتاج مئة إلى 120 لترًا من الماء المقطر.
يشار إلى أن هذا الماء المقطر يحتوي على ملح منخفض بنسبة 0.04 غرام في اللتر الواحد، كما يوضح تحليل هذا الماء المنتج مع مياه البئر أن خليط 80% من المياه المنتجة مع 20% من ماء البئر يجعل من الممكن استنتاج 120 إلى 124 لترا من مياه الشرب وفقًا للمعايير المغربية ومنظمة الصحة العالمية.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية