كيف تربي أطفالا ناجحين في الحياة؟
تربية الأطفال هي واحدة من أكثر المهام مشقة وصعوبة على الإطلاق، وهي في نفس الوقت إحدى أكثر الوظائف متعة وإثارة، وكلنا نريد تربية أطفالنا كي يكونوا سعداء وناجحين في الحياة، سواء كان في الدراسة أو في مسيرتهم المهنية بعد التخرج. ولكن ما أفضل الأساليب التي نستطيع اتباعها كي نربي أطفالنا بطريقة تضمن لهم النجاح والازدهار في المستقبل؟
بعد عقود من البحث العلمي الذي قامت به كبرى الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية في العالم، توصلت إلى أفضل الطرق لتربية أولاد ناجحين، وقدمت عددا من النصائح للأمهات والآباء لتهيئة الظروف الملائمة لأطفالهم للنجاح في الحياة.
استنادا لهذه الدراسات والأبحاث العلمية، نقدّم لكم قائمة تضم 7 طرق تشكل نقطة انطلاق جيدة للآباء والأمهات الذين يرغبون في تربية أطفال ناجحين مفعمين بالحيوية والنشاط والإقبال على الحياة، بحسب ما جاء في عدد من المنصات والمصادر المتخصصة استنادا لتلك الدراسات.
1- كن والدا دافئا وعطوفا
في عام 1938، أجرت جامعة هارفارد دراسة هي الأولى من نوعها في العالم، لمعرفة سر تربية الناجحين، حيث تعقبت الدراسة 268 طالبا من طلاب الجامعة الأكثر تميزا، وكان من ضمنهم الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، وعلى مدى السبعين عاما التالية تم تسجيل صحتهم الجسدية والعاطفية، وتحليل نجاحاتهم وإخفاقاتهم في الحياة.
توصّل الباحثون إلى نتيجة واضحة واحدة: العلاقة الجيدة بين الطفل وأبويه هي سرّ الحياة السعيدة والناجحة. إن التمتع بطفولة يشعر فيها المرء بالقبول والرعاية والحنان، هو من أفضل العوامل والمؤشرات التي تنبئ بنجاح الكبار ورفاههم ورضاهم عن الحياة.
ولم تكن هذه النتيجة مفاجئة، فقد صاغ العالمان “بولبي وأينسوورث” (Bowlby & Ainsworth) نظرية التعلق في الخمسينيات من القرن الماضي، وأشارا فيها إلى أن الطفل الذي يتلقى عناية ورعاية دافئة في طفولته يُمكنه تطوير ارتباط آمن، ومن المرجّح أن يكون لدى الطفل الذي لديه ارتباط آمن تطور إيجابي ونتائج جيدة عندما يكبر في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الأدمغة البشرية بدرجة كبيرة على الخبرة، وتتشكل بنية الدماغ من خلال التجارب والتفاعلات الحياتية اليومية، وفي هذا السياق تضع تجربة الطفل مع والد ودود ومتجاوب الأساس للصحة العقلية في المستقبل، حيث إن ذكريات الطفولة السعيدة هي مصدر قوة تبقى للأبد، ولذلك فإن أفضل طريقة لتربية أطفال ناجحين هي أن تكون والدا دافئا وعطوفا، وتحرص على تنمية علاقة وثيقة مع أطفالك، وذلك حسب ما ذكرت منصة “بيرنتنغ فور برين” (parenting for brain) في تقرير لها مؤخرا.
2- التنظيم العاطفي
القدرة على تنظيم مشاعر المرء أمر بالغ الأهمية لتحقيق النجاح والسعادة في هذا العالم، والتنظيم العاطفي ليس مهارة ولدنا بها، ولكن يمكن اكتسابها، ومن الأهمية بمكان أن نعلم أطفالنا كيفية التحكم في عواطفهم.
ومع ذلك، فإن تعليم تنظيم المشاعر لا يقتصر على منح الأطفال تمارين أو ألعابا أو تعليمات لتطبيقها، بل يتعلم الأطفال التنظيم الذاتي في المقام الأول من خلال مراقبة الوالدين، ورؤية كيف ينظمون أنفسهم ويتحكمون في انفعالاتهم وعواطفهم. لهذا، وإذا ما شعرنا بالضيق وقمنا بالصراخ على أطفالنا في كل مرة يسيئون فيها التصرف، فلا يمكننا توقع أن يظل أطفالنا هادئين عندما ينزعجون.
لذلك ولمساعدة طفلك على النجاح في الحياة، عليك أن تكون قدوة جيدة له، ثم سيتعلم طفلك كيفية القيام بذلك، حسب ما ذكرت منصة “بيرنتنغ فور برين” في تقريرها الآنف الذكر.
3- علم أطفالك المهارات الجماعية
قام باحثون من جامعة بنسلفانيا وجامعة ديوك بتتبع أكثر من 700 طفل من جميع أنحاء الولايات المتحدة بين سن دخول رياض الأطفال وسن 25 عاما، ووجدوا ارتباطا كبيرا بين مهاراتهم الاجتماعية التي تعلموها في رياض الأطفال ونجاحهم كبالغين بعد عقدين من الزمن. وذلك بحسب ما ذكرت منصة “بيزنس إنسايدر” (businessinsider) في تقرير لها مؤخرا.
وأظهرت الدراسة التي استمرت 20 عاما، أن الأطفال الأذكياء اجتماعيا والقادرين على التعاون مع أقرانهم ومساعدة الآخرين، وفهم مشاعرهم، وحلّ المشكلات بأنفسهم، كانوا أكثر نجاحا في الحياة والعمل مقارنة بغيرهم من الأطفال ذوي المهارات الاجتماعية المحدودة.
وقالت كريستين شوبرت، مديرة البرنامج في مؤسسة روبرت وود جونسون التي مولت البحث: “تُظهر هذه الدراسة أن مساعدة الأطفال على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية، هو أحد أهم الأشياء التي يمكننا القيام بها لإعدادهم لمستقبل مزدهر”.
4- دع طفلك يأخذ زمام المبادرة
يميل الآباء الناجحون إلى السماح لأطفالهم بأخذ زمام المبادرة في مهام سهلة أو متوسطة الصعوبة، حيث يمكن أن يؤدي الإفراط في توجيه الوالدين إلى إحباط الطفل أو جعله يفقد التركيز على مهمة ما، وذلك بحسب ما ذكرت دراسة أجرتها البروفيسورة جيلينا أوبرادوفيتش من جامعة ستانفورد.
وأكد الباحثون أن الأطفال الذين يتدخل آباؤهم لإعطاء التعليمات، أظهروا في كثير من الأحيان صعوبة أكبر في تنظيم عواطفهم في وقت لاحق. وتقترح الدراسة أنه يجب على الآباء التراجع خطوة إلى الوراء والسماح لأطفالهم بحل مشاكلهم البسيطة دون تدخل منهم.
وقالت أوبرادوفيتش: “عندما يسمح الآباء للأطفال بأخذ زمام المبادرة في تفاعلاتهم، يمارس الأطفال مهارات التنظيم الذاتي ويبنون الاستقلال في شخصياتهم، وهو شيء مهم جدا لمستقبلهم”.
5- عزز احترام طفلك لذاته
يبدأ الأطفال في تطوير إحساسهم بأنفسهم وهم صغار، عندما يرون أنفسهم من خلال عيون والديهم. والأطفال دقيقو الملاحظة، حيث يمتص أطفالك نبرة صوتك ولغة جسدك وكل تعبيراتك، كما تؤثر كلماتك وأفعالك كوالد على تنمية تقديرهم لذاتهم أكثر من أي شيء آخر.
مدح الإنجازات مهما كانت صغيرة سيجعلهم يشعرون بالفخر، والسماح للأطفال بفعل الأشياء بشكل مستقل سيجعلهم يشعرون بالقدرة والقوة. وعلى النقيض من ذلك، فإن التقليل من إنجازاتهم أو مقارنة طفل بآخر بشكل سلبي، سيجعل الأطفال يشعرون بأنهم دون قيمة.
تجنب الإدلاء بأقوال وكلمات مسيئة أو تقلل من احترام طفلك لنفسه، إن كلمات وتعليقات من مثل: “يا له من عمل غبي!”، أو “أنت تتصرف كطفل أكثر من تصرفات أخيك الصغير!”، تسبب ضررا بالغا ربما أكثر مما يفعله العقاب الجسدي.
اختر كلماتك بعناية وكن رحيما، ودع أطفالك يعرفون أن الجميع يرتكبون الأخطاء، وأنك ما زلت تحبهم حتى عندما لا تحب سلوكهم وتصرفاتهم، وذلك بحسب ما ذكرت منصة “كيدز هيلث” (kidshealth.org).
6- خصص وقتا لأطفالك
كثيرا ما ينشغل الآباء في العمل ولا يجدون الوقت الكافي لقضائه مع أطفالهم، بحيث يصبح من الصعب التواجد معا حول المائدة لتناول وجبة الغداء أو العشاء، ناهيك عن قضاء وقت ممتع معا خارج المنزل. ولكن تذكر كأب أنه لا يوجد شيء في الحياة قد يرغب طفلك في الحصول عليه أكثر من ذلك، وفق ما ذكر المصدر السابق.
الكثير من الأطفال يحلمون بقضاء وقت ممتع مع أبائهم، ولهذا يغدو من المهم جدا أن تخصص وقتا كافيا للتواجد معهم، ولن يكلفك ذلك الكثير حقا، فالاستيقاظ مبكرا 10 دقائق في الصباح حتى تتمكن من تناول وجبة الإفطار مع طفلك قبل ذهابه للمدرسة، أو العودة مبكرا للمنزل لتناول وجبة العشاء مع العائلة، هي من الأمور البالغة الأهمية للصحة النفسية لطفلك.
وغالبا ما يتصرف الأطفال الذين لا يحظون بالاهتمام الذي يريدونه من آبائهم بطريقة سيئة، بهدف جذب انتباه آبائهم.
اجعل “ليلة خاصة” كل أسبوع لتكون معهم، ودع أطفالك يساعدونك في تحديد كيفية قضاء هذا الوقت، وابحث عن طرق أخرى للتواصل مثلا: ضع ملاحظة أو شيئا مميزا في صندوق غذاء طفلك.. هذه ستكون مفاجأة سارة له.
كما أن حضور الحفلات والمناسبات الاجتماعية معا ومشاركة أطفالك في ألعابهم أمور مهمة للغاية، وهي أشياء تسمح لك بمعرفة المزيد عن طفلك، وتذكر كم سيشعر طفلك بالسعادة من خلال القيام معا بأشياء صغيرة جدا، مثل صنع الفشار أو الترمس أو لعب كرة القدم معا.
7- توقف عن استخدام أسلوب المكافأة والعقاب
هناك أسلوب شائع جدا عند الكثير من الآباء والأمهات، وهو تقديم المكافآت إذا ما أحسن طفلهم في مجال ما، أو العقاب إذا ما فشل أو أخطأ.
المكافآت والعقاب تخلق دافعا خارجيا فقط، وهي ليست حلا جيدا على المدى الطويل، وقد نكون قادرين على إجبار أطفالنا على الدراسة وهم صغار باستخدام أسلوب المكافأة والعقاب، لكن إذا كانوا لا يحبون التعلم أو المدرسة، فسيهربون في نهاية المطاف، أو يكون تحصيلهم سيئا على أقل تقدير.
هناك طريقة أخرى أهم وأجدى، وهي تطوير الدافع الذاتي وتعزيزه لديهم وتعليمهم معنى القيم وأهمية التعليم لمستقبلهم. مثلا، لا ينبغي أن يكون الالتحاق بالمدارس والتعلم لمجرد الحصول على درجات أعلى أو التفوق في الدراسة على باقي الأقران. علمهم أن الأمر يتعلق باكتساب المعرفة والنمو كشخص.
وعلمهم الاستمتاع بالتعلم واكتساب معارف وعلوم جديدة، وتذكر أن الأطفال الذين يستمتعون بالتعلم ستكون لديهم دافع جوهري للنجاح والاستمتاع بالقيام بذلك، وبالتالي حاول أن تحفز طفلك على التعلم والاستمتاع بالتعلم.
مثال آخر تذكره منصة “فري ويل فاميلي” (verywellfamily)، وهو تشجيع الأطفال على مساعدة الآخرين وعدم ربط هذه القيمة بالمكافأة أو العقاب، بل علمهم معنى الشعور بالرضا عن النفس والسعادة في مساعدته للآخرين، فهذه هي المكافأة الحقيقية.
وهذا لا يعني أنه لا يجب عليك أحيانا منح طفلك هدية خاصة لتميزه في المدرسة أو قيامه بعمل نبيل، فالأطفال يحبون التشجيع والهدايا ويزدهرون بعطف وتشجيع الوالدين. وفي هذا السياق، تعتبر المكافأة العرضية طريقة رائعة لإظهار مدى امتنانك للأشياء الجيدة التي يقوم بها طفلك.