قرار مجلس حقوق الإنسان.. عودة السودان لمربع الرقابة من جديد
عام وشهر واحد بالتحديد هي الفترة التي قضاها السودان خارج مظلة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ليدخل من جديد إلى مظلة الرقابة لمدة عام. ففي 6 أكتوبر من الماضي، أنهى المجلس تفويض الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان، بفضل تحسُّن أوضاع حقوق الإنسان.
ومنذ 1993، كان السودان موضوعاً تحت بند الإجراءات الخاصة، حيث ظل مجلس حقوق الإنسان يجدد سنوياً ولاية الخبير المستقل، بهدف رصد أيِّ انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد وقد بُذلت جُهودٌ جبّارة من قِبل النظام البائد أسفرت في آخر أيامه وبالتحديد في 21 أغسطس من العام 2019، في أن يخرج السودان من بند الرقابة إلى بند تقديم المعونات.
غير أن القرارات التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 اكتوبر الماضي كانت سبباً في ان يعود مجلس حقوق الإنسان ويقرر من جديد تعيين مراقب لحقوق الانسان, ما اعتبره الكثيرون ردة في هذا الاتجاه.
قرار
وبالامس, اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة دون أن يلجأ لتصويت حتى بعد موافقة كل الدول المشاركة في جلسة خاصة حول الوضع في السودان عدا روسيا والصين وفنزويلا, اعتمد مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا للمجلس يدعو قادة الجيش إلى إعادة السلطة للحكومة المدنية الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك “فورا”، وتعيين مقرر خاص للوقوف على أوضاع حقوق الإنسان في هذا البلد، بعد القمع الذي تعرّض له المحتجون في التظاهرات التي خرجت منذ الإجراءات التي اتخذها الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر واعتبرت جمبع الدول المشاركة أن مشروع القرار الذي تم اعتماده يحقق للشعب السوداني مكاسب قد تعينه في تحقيق تطلعاته لتحقيق الديمقراطية.
عودة
القرار الذي كان متوقعاً بحسب خبراء, أعاد السودان لحقبة حكومة الإنقاذ التي وضعها مجلس حقوق الإنسان تحت رقابته لستة وعشرين عاماً ظل كل عام يقدم فيها تقريراً أسوأ من سابقه, وشهدت تعيين أكثر من 10 خبراء ظلوا يزورون السودان في فترات مُتباعدة ورغم اختلاف جنسياتهم, إلا أن مهامهم كانت واحدة وكذا تقاريرهم التي كانت تُختتم جميعاً بضرورة أن يظل السودان تحت الرقابة, ما يجعله مُجبراً لتوفير حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بتوفير الحريات الصحفية ووقف الاعتقالات والقتل خارج إطار القانون.
تعافٍ
وكان أريستيد نونسي، الذي شغل منصب آخر خبير الأمم المتّحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، قد أكد في ختام ولايته أن الحكومة الانتقالية بذلت جهودًا حثيثة كي تعالج المخاوف المنتظمة المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك التزامها بمعالجة الإفلات من العقاب, ولكنّه أضاف أنّ التحديات القائمة لا تزال هائلة. وقال “لقد اتخذَتْ الحكومة بعض الخطوات لضمان تحقيق العدالة للضحايا، لكن استمراريّتها تتطلب دعمًا دوليًا مستمرًا وانخراطًا في البلاد كما يجب أن يتضمن الدعم استراتيجيات واضحة لا لبس فيها، ورؤى متكاملة تُساهم في توجيه السودان خلال الفترة الانتقالية هذه التي تنطوي على الكثير من التحدّيات”.
احتفاء
ومثل خروج السودان من دائرة الرقابة التي تمت فعلياً في عهد الحكومة الانتقالية في اكتوبر من العام 2020م داعماً لعودة السودان للاندماج في المجتمع الدولي, فكان ان شكّل رئيس الوزراء آنئذ د. عبد الله حمدوك في أواخر يناير من العام الجاري “الآلية الوطنية لحقوق الإنسان” برئاسة وزير العدل وعضوية 18 عضواً ممثلين لكل من مجلسي الأشخاص ذوي الإعاقة ورعاية الطفولة، ووحدة مكافحة العنف ضد المرأة، والنيابة العامة، والسُّلطة القضائية، بالإضافة إلى ممثلين للوزارات ذات الصلة، منها الداخلية والخارجية،
ووفق القرار الذي أصدره رئيس الوزراء، فإنّ تلك الآلية، تهدف للتنسيق بين مُختلف الأطراف السودانية لإعداد التقارير والردود التي يقدمها السودان إلى الآليات (المؤسسات) الدولية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان, فضلاً عن “إشراك مكونات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وعقد مشاورات عامة”.
رده
ويرى المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان ياسر عثمان أن العودة لتعيين مراقب لحقوق الإنسان في السودان ردة كبيرة ستضع البلاد تحت ضغط كبير, مشيراً إلى أن القرار وان كان قد حدد عاماً واحداً للتفويض, إلا أنه أكد أن ذلك ما تفعله الأمم المتحدة عادة, إذ تتخذ قراراتها لمدة عام ومن ثم يمدد التفويض سنوياً, موضحاً أن السودان عاد بهذا القرار مجدداً للبند الرابع, مبيناً أن القرار الجديد قد يكون موضوعياً خاصة وان أريستيد نونسي، في نهاية ولايته كآخر خبير الأمم المتّحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، كان قد أبدى قلقه من بعض القضايا التي لم يبت فيها, ما جعل مجلس حقوق الإنسان يتوجّس خِيفةً من الوضع الحالي خشية أن تحدث انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والعنف الذي يُواجه به الشباب في المواكب الاحتجاجية.
بسبب إجراءات الجيش
ويرجع ياسر, السبب الرئيسي في إعادة السودان تحت ولاية خبير مستقل فيما يتعلق بحقوق الإنسان, للإجراءات التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة المدنية وما تبع ذلك من إجراءات متشددة تجاه المواكب الرافضة لتلك الخطوات, ما أسفر عن سقوط شهداء وعشرات الجرحى, ولفت الى ان الوضع الجيد المتعلق بالقرار المتخذ ضد السودان قد لا يستمر طويلاً حال انجلاء الازمة السياسية الحاليمة بما يتماشى مع رغبات الشباب والكيانات الثوريبة التي يمكن أن ترى في مخرجات تعهدات الفريق أول البرهان ما يكفي لتحقيق تطلعاتها وتحقيق أهداف الثورية, بينما يمكن أن تكون هناك قرارات أشد حال عدم مُوافقة الشباب على الإجراءات وإصرارهم على مواصلة تصعيد الاحتجاجات, ما يحتم حدوث مُواجهات قد تفضي لمزيدٍ من القتلى والمُصابين في المواكب الاحتجاجية.
المصدر : الصيحة