قتلى ومعتقلون وتفكك مجتمعي.. العراق يواجه آفة المخدرات
الناصرية– قبل أكثر من أسبوعين، كانت القوات الأمنية العراقية قد دخلت في مواجهة مسلحة مع أحد تجار المخدرات بمحافظة المثنى (جنوبي العراق) واستمرت لأكثر من 10 ساعات، أسفرت عن مقتل منتسبين اثنين من قوات الأمن وإصابة 13 آخرين بينهم ضباط، فيما تمكن تاجر المخدرات من الهرب برفقة أطفاله وزوجته.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، تمكنت الشرطة بمدينة البصرة (جنوب البلاد) من قتل الخفاش وهو أبرز شخصية في تجارة المخدرات بالمدينة، وذلك بعد مطاردة ومواجهة لساعات، انتهت بمقتله ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات كانت بحوزته.
وفي محافظة البصرة أيضا في أغسطس/آب 2019، وقعت مواجهة مسلحة بين عصابة تتاجر بالمخدرات ومفرزة أمنية من الشرطة في منطقة أبي الخصيب، كانت الحصيلة مقتل ضابط برتبة نقيب ومنتسب آخر فيما تمكنت الشرطة من القبض على العصابة بالكامل.
وفي يوليو/تموز 2022، دخلت الشرطة في معركة مسلحة بمنطقة حدودية بين محافظتي ذي قار والمثنى (جنوبي البلاد)، مع تجار مخدرات، استمرت لأكثر من ساعة أصيب خلالها أحد التجار وهرب الآخرون إلى أماكن مجهولة، فيما تلقى ضابط بالأمن الوطني رصاصة في الرقبة كادت أن تودي بحياته.
وفي ميسان (جنوب) حصلت في ديسمبر/كانون الأول الماضي مواجهة مع تجار مخدرات وسط المدينة، انتهت بمقتل عنصر أمني والقبض على 3 تجار مخدرات، خلال عملية مداهمة لمقرهم.
وفي 18 يناير/كانون الثاني الجاري، حدثت مواجهة بين تاجر مخدرات وقوات أمنية بمحافظة ذي قار استمرت 5 ساعات انتهت بالقبض عليه ومصادرة حبوب مخدرة.
لم تكن هذه المواجهات والمصادمات المسلحة تحصل بين الشرطة وتجار المخدرات في مدن جنوب العراق قبل أكثر من 5 سنوات، حيث كانت العمليات الأمنية عادة تنتهي بالقبض على المجرمين دون إطلاق رصاصة واحدة.
التغيير الذي حصل في ملف المخدرات بحسب متابعين في الشأن الأمني، هو دخول بعض شيوخ العشائر على خط التجارة إلى جانب أشخاص ينتمون لفصائل مسلحة، إضافة للتراخي الأمني الذي حصل منذ انطلاق احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019.
خطوط وتهريب المخدرات
يؤكد مصدر أمني رفيع للجزيرة نت أن هناك عدة خطوط رئيسية يتم تهريب المخدرات عن طريقها وهي عبر منفذ الشيب الحدودي بمحافظة ميسان مع إيران، مشيرا إلى أن أكثر مادة تدخل هي مادة الكريستال المخدرة بأنواعها.
وأضاف المصدر -الذي فضّل عدم الكشف عن هويته- أن بعض المنافذ في محافظة البصرة يتم تمرير المخدرات منها إلى محافظة ذي قار ومحافظات أخرى، مشيرا إلى أن أكثر ما يتم تهريبه هو الكريستال ونادرا ما يتم تمرير الحبوب المخدرة الأخرى.
الحبوب المخدرة، كما يقول المصدر، عادة ما تأتي عن طريق محافظة الأنبار (غربي العراق)، فهي تمثل الموزع الرئيسي للحبوب إلى كل العراق ومنها إلى الجنوب، لافتا إلى أنه يتم تهريب الحبوب المخدرة أحيانا عن طريق المنتسبين العسكريين خلال نزولهم أيام الإجازة، حيث لا يتم تفتيشهم عند النقاط الأمنية بين المحافظات.
وأضاف المصدر أن تهريب المخدرات يتم كذلك عبر بعض الشاحنات التي تحمل الطابوق، إضافة لاستخدام النساء وبعض شيوخ العشائر، وهؤلاء لا يتم تفتيشهم.
جهود حكومية
على الرغم من كل المصادمات والمواجهات التي تحصل بين فترة وأخرى مع تجار المخدرات وما تقدمه الشرطة من جهود في مجابهة انتشارها، استطاعت خلالها القبض على المئات من المتعاملين بالمخدرات وإحالتهم للقضاء فحكم على العديد منهم بالسجن والغرامات المالية الكبيرة.
يقول مدير إعلام قيادة شرطة ذي قار العميد فؤاد كريم للجزيرة نت إن عدد المقبوض عليهم في تُهَم تتعلق بالمخدرات في محافظة ذي قار خلال عام 2021، يربو على 762 شخصا، توزعوا ما بين تعاط وحيازة ومتاجرة، بينما في عام 2022، كان الرقم أعلى بكثير حيث تم القبض على 1079 شخصا ما بين تعاط وحيازة ومتاجرة، كما تم ضبط آلاف الحبوب المخدرة وأكثر من 10 كيلوغرامات من الكريستال والحشيشة.
وكانت المديرية العامة لمكافحة المخدرات في العراق قد ذكرت الشهر الماضي أن القوات الأمنية تمكنت من القبض على 7500 شخص متهم بقضايا مخدرات خلال عام 2020، في حين ألقي القبض على نحو 13 ألف شخص خلال 2021، فيما كانت حصيلة 10 أشهر من عام 2022، القبض على نحو 14 ألف متهم بقضايا مخدرات في كل العراق.
جرعة أمل
وفي إطار الجهود لمكافحة المخدرات افتتح في يناير/كانون الثاني 2022، مركز الحياة للتعافي بمستشفى الحسين التعليمي في محافظة ذي قار الذي تتركز مهمته في علاج المدمنين على المخدرات، وتطوع في هذا المركز 14 شخصا، كما أوضح أمجد حسين وهو أحد أعضاء الفريق المتطوع.
وأضاف حسين للجزيرة نت، أن المركز يرفع شعار “حياة بلا مخدرات”، وبدأ في استقبال المتعاطين بشكل واسع، حيث وصل عدد الذين تم تأهيلهم من بداية افتتاحه وحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي أكثر من 1090 شخصا، بعضهم من بغداد والبعض الآخر من الديوانية والنجف.
وحسب حسين فإن المركز يستقبل من لديهم الرغبة في ترك المخدرات والذين عرفوا به من خلال منشورات وحملات يقوم بها المتطوعون على مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع حتى يتحول المتعاطي إلى إنسان إيجابي في المجتمع.
نظرة اجتماعية
يقول الباحث الاجتماعي والأكاديمي الدكتور عدي الشبيب إن للمخدرات تأثيرًا كبيرًا على المستوى الاجتماعي والنفسي ويهدد العلاقات الاجتماعية والأسرية ويؤثر أيضا على طبيعة العلاقة مع الأصدقاء على مستوى المدرسة أو الجامعة.
ويضيف الشبيب للجزيرة نت، هناك فرق في وجود شاب ما بين أن يكون ناضجا فاعلا في المجتمع وأن يكون خاملا، فضلا عن أن مصحات التعافي من تأثير المخدرات مكلفة أيضا، وتمثل طاقة سلبية لا يمكن الاستفادة منها بل تؤثر على طبيعة الفعل الاجتماعي.
ثمة دوافع وأسباب متعددة تجعل من هذه البيئة مستهلكة للمخدرات، منها الخارجية ودول الجوار الإقليمي، ومنها الداخلية التي تتعلق بسياسات الدولة والتي ليس لديها صورة واضحة تجاه مكافحة المخدرات، وملف المخدرات بشكل عام تتداخل فيه تأثيرات سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية ونفسية على الشباب والمجتمع بشكل كبير.
ومع تزايد تجارة المخدرات وتعاطيها، سجلت زيادة أخرى بنسبة الجرائم الجنائية التي تحصل وعادة ما يكون مرتكبوها متعاطين للمخدرات بحسب ما تعلنه الشرطة بين آونة وأخرى، كما سجلت جرائم نوعية مثل قيام أحد الأشخاص بقتل عائلته أو حرقهم وحتى حالات الانتحار سجلت بعضها لأشخاص كانوا يتعاطون المخدرات.