في محاكمة عاصفة ..تبرئة غندور وأنس عمر والجزولي ومعمر موسى وآخرين من تهم تصل عُقوبتها الإعدام
المحكمة: اعتراف (الحواتي) القضائي لا يُشكِّل بيِّنة لإدانة المتهمين لوجود (شبهة) فيه
القاضي: الحركة في حسابات غندور طبيعية بحكم منصبه السابق بالدولة
غندور في تصريحات صحفية: أتمنى أن تكون قضيتنا مَعلماً بارزاً في كيفية حبس المعارضين السياسيين
أنس عمر يرفض التصريح.. والجزولي يُؤكِّد مُقاضاة من حبسوه بالتلفيق والكذب
أصدرت المحكمة أمس، قراراً بتبرئة وزير الخارجية في العهد البائد بروفيسور إبراهيم غندور وأنس عمر ود. محمد علي الجزولي ومعمر موسى وآخرين، من تهم الاشتراك في إثارة الحرب ضد الدولة وغسل الأموال وتمويل الإرهاب ومخالفة قانون مكافحة الإرهاب.
وبرأت المحكمة، المتهمين من التخطيط لتنفيذ مُخطّط للانقلاب على حكومة الفترة الانتقالية وإحداث اعمال شغب وعنف وحرق عدد من المقار الحكومية الحيوية وتشمل (المجلس التشريعي ومحطتي بري الحرارية وسراج بأم درمان والبوستة والسوق الشعبي أم درمان) وتنفيذ اغتيالات لشخصيات سياسية بالبلاد وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك والنائب العام الأسبق تاج السر الحبر، ومقرر لجنة إزالة التمكين د. صلاح مناع، وعضو اللجنة البارز وجدي صالح وغيرهم.
براءة وإخلاء سبيل
وأمرت المحكمة الخاصة المنعقدة بمعهد تدريب العلوم القضائية والقانونية بأركويت برئاسة قاضي مكافحة الإرهاب علي عثمان، بإخلاء سبيل جميع المتهمين والإفراج عنهم ما لم يكونوا مطلوبين على ذمة إجراءات بلاغ آخر، وهم وزير الخارجية في العهد البائد بروفيسور إبراهيم غندور، والعضو المؤسس للحراك الشعبي الموحد معمر موسى محمد، ومدير منظمة الشهيد الأسبق اللواء معاش محمد حاج ماجد، وميخائيل بطرس، ورئيس حزب دولة القانون والتنمية د . محمد علي الجزولي، ورئيس المجلس التشريعي السابق بولاية نهر النيل كمال الدين إبراهيم ، ووالي ولاية شرق دارفور الأسبق اللواء أمن معاش أنس عمر، ومهندس مدني حامد عبد الرحمن (كلينكيت)، والأمين العام لحركة الإصلاح الآن راشد تاج السر، وحسن عثمان حسن، الأمين العام للحراك الشعبي المُوحّد عماد الدين الحواتي والمدير التنفيذي لتيار نصرة الشريعة ودولة القانون جمعة عريس، والمسؤول السابق بقوات الدفاع الشعبي عادل يوسف السماني.
مكبرات صوت وكمبيوتر
وأمرت المحكمة بإعادة (11) الف نسخة عبارة عن مذكرة نقدية للوثيقة الدستورية ومكبرات الصوت للمتهم السادس جمعة عريس، باعتباره المسؤول التنفيذي والإداري بمركز تواصل الخيري بأركويت الذي ضُبطت فيه المعروضات ، كما أمرت المحكمة برد جهاز كمبيوتر وسماعة سوداء للمتهم السابع ميخائيل بطرس، التي ضُبطت بمركز مناظير جديدة بعمارة أولاد عدلان بالسوق العربي أثناء تواجده فيه، كما أمرت المحكمة بإبادة اللافتات الخشبية المضبوطات على ذمة الدعوى الجنائية.
قرار تبرئة المتهمين
وأعلنت المحكمة، تبرئة جميع المتهمين من مخالفة نصوص المواد (21) الاشتراك الجنائي والمادة (51 أ) إثارة الحرب ضد الدولة، بجانب المادة (65) منظمات الإجرام والإرهاب وذلك من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م، كما حررت المحكمة كذلك ورقة اتهام بمخالفة نص المادة (38) من قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافةً الى نص المادتين (5 – 6) من قانون مكافحة الإرهاب.
لافتات ودموع المتهمين
فيما رصدت (الصيحة) عندما ذرف بعض المتهمين الدموع في تعبير عن براءتهم على رأسهم (غندور والجزولي وأنس)، فيما تعالت صيحات التهليل والتكبير من ذوي المتهمين ومحاميهم للدفاع فور إعلان براءتهم في القضية، في وقت انتشر فيه العشرات من ذوي المتهمين وأقربائهم ومناصريهم أمام المحكمة بالخارج وهم يحملون صورا وبوسترات تحمل صور المتهمين (مبروك البراءة لأبطال البلاغ 5984).
إغراء النيابة للحواتي
وعزا قاضي المحكمة في حيثيات قرار تبرئة جميع المتهمين وإطلاق سراحهم على ذمة الدعوى الجنائية وذلك بعد مناقشته وبحثه لمسؤولية المتهمين الجنائية على ضوء مواد الاتهام الموجهة ضدهم من قبل نيابة الجرائم الموجة ضد الدولة، وشَدّدَت المحكمة على أنّ قَضية الاتهام ارتكزت على ما ذكره المتهم الخامس عماد الدين الحواتي من أقوال بالتحريات واعترافه القضائي التي رجع عنها جميعها أمام المحكمة، ونبّهت إلى أنّها وبمُراجعتها لمَحضر القضية اتّضح لها بأنّ المُتّهم الخامس (الحواتي) قد تمّ استجوابه اربع مرات، الأولى كانت بواسطة وكيل النيابة أحمد سليمان وثلاث أخرى بواسطة المتحري، حيث أنكر بعضها وأيّد فقط القليل منها الذي أخذ منه بواسطة المتحري، وأكدت المحكمة في قرارها بأنّ المُتّهم الحواتي، كانت أقواله متقلبة بحيث أنّه في كل استجواب يضيف معلومات جديدة باستخدام القوة والسِّلاح في مُحاولة للزج ببقية المتهمين بها، وذلك من خلال ظهور تأثُّر المتهم الخامس بالوعد الذي تلقاه من النيابة العامة بأن يكون شاهد ملك في هذه الدعوى، الأمر الذي أكده المتحري، وقال للمحكمة ان الحواتي، تلقى وعدا بأن يكون شاهد ملك قبل أن يسجل اعترافه القضائي _ إلا أنه ولاحقاً رفض وكيل النيابة الأعلى ان يكون الحواتي شاهد ملك – وإنما وجه بإضافته متهماً في القضية، معللاً ذلك بأنها احد أساليب الكشف عن بقية المتهمين، اضافةً الى ان الحواتي قال كل شيء ولا يُوجد ما يخفيه بحد تعبيره، وشَدّدَت المحكمة في معرض قرارها على أنّ مَن يجمع عرض العفو في القضايا له مَصلحة في تَوريط رفيقه أو رفقائه الآخرين من المُتّهمين ويلتمس خلالها فرصة نجاته الشخصية مِمّا يدفعه الى المُغالاة والاشتطاط ويصبح بالتالي أقل جدارةً وثقة مع الشريك وفقاً للقانون، وأكدت المحكمة أنه كان يجب لها الانتباه عند تقييم شهادة من يطلب عرض العفو، فضلاً عن ان المتهم الخامس الحواتي، قد تراجع عن اقواله بالتحريات واعترافه القضائي أمام المحكمة، بالتالي لا يمكن للمحكمة التعويل عليها كبيِّنة في القضية، وشددت المحكمة في حيثيات قرارها بأنها وبعد المراجعة لمحضر الدعوى الجنائية بكل وضوح، اتّضح لها بأنّ اعتراف الحواتي، القضائي كذب واقع الحال من حيث أنه تمّ إصدار أمر تفتيش من النيابة لتفتيش الأماكن والمحلات التي ذكر الحواتي في أقواله بأنه يوجد سلاح وعتاد عسكري بها – إلا أنه لم يتم العثور على أي أسلحة أو أزياء عسكرية أو عربات (تاتشرات) عليها دوشكات، كما لم يتم العثور على اي أسلحة بمنطقة شرق النيل، مِمّا اتّضح معه جلياً كذب الإقرار القضائي وتأثر المتهم الخامس بعرض النيابة له العفو في جريمة خطيرة مما وجد معه المتهم إغراءً من صاحبة السُّلطة وهي النيابة العامة فيصبح إغراءً لكي يقر بحد قولها.
مُتّهم تحت التأثير
وأشارت المحكمة في قرارها إلى أنها ومن خلال البيانات توصّلت إلى أن شاهد الاتهام الثاني مقدم شرطة معاش ومسؤول التنفيذات بلجنة إزالة التمكين السابق عبد الله سليمان، قد ذكر أمام المحكمة بأن الحواتي، كان مصدره ويقوم بزيارته بالسجن ويصرف عليه من جيبه الخاص – إلا أنه لا يتمكّن من تحديد حجم تلك الأموال، إضافةً إلى إعطائه للحواتي هاتفا محمولا ذكيا، كما اكد سليمان للمحكمة تسليمه مبالغ مالية لا يذكر جملتها لشقيقة الحواتي بالرغم من امتلاكها (3) مدارس وعربة برادو، وشددت المحكمة على أن كل ذلك يؤكد جلياً بأن المتهم الخامس الحواتي، كان تحت تأثير عبد الله سليمان، مُكرهاً وفي حالة انعدام الرضاء والاختيار في سرد تلك الأقوال، وأشارت المحكمة الى أنه ولمجرد إثارة الشك ضد المتهم يؤدي ذلك الى قرينة واضحة للبراءة، لا سيما وأن المحكمة قد لاحظت تردد الحواتي في الكلام وتلوجه خلال سير المحاكمة.
ونبهت المحكمة الى أنها لم تأخذ بالإقرار القضائي للحواتي، لأنه لم يكن بالشكل المطلوب الصحيح وفق القانون، وبالتالي فإنّ المحكمة لن تأخذ به وتعتبره باطلاً، لأنه جاء تحت الضرب والتهديد والإكراه والتعذيب والترغيب، إضافةً إلى أن الحواتي كان مأجوراً لتحمُّل مسؤولية غيره من المتهمين.
أموالٌ للزج بالمتهمين
وأكّدت المحكمة في حيثيات، قرارها بأنّه ثبت لديها استلام الحواتي، مبالغ مالية من شاهد الاتهام الثاني مقدم معاش عبد الله سليمان، ليصبح مصدراً له للزج بالمتهمين في القضية على أساس أنهم اشتركوا وخطّطوا لتنفيذ أعمال عنف وتفجيرات واغتيالات وانه دفع هذه الأموال له لإنجاح المعلومات، ونبهت المحكمة الى انه وبحسب أقوال شاهد الاتهام المعاشي بالشرطة عبد الله سليمان، بأن حجة الحواتي بتمليكه معلومات عن المتهمين بدافع حفاظه على الأمن القومي للبلاد، الا انه ولاحقاً اتّضح أنّ غرضه طلب الحماية من لجنة التمكين من البلاغ المُدوّن ضده ويتعلّق بالسرقة وهو يقبع الآن على ذمته نزيلاً بسجن الهدى عقب إدانته بالسجن (3) سنوات والغرامة (10) آلاف جنيه.
حركة طبيعية وضعيفة ومعدومة
وافادت المحكمة في قرارها بانه قد اتضح لها بأن ظروف ادلاء الحواتي بالاعتراف القضائي كان مُجبراً دون اختيار، مما يعني أن الاتفاق على اشتراك جنائي لتنفيذ جرائم مُوجّهة ضد الدولة وإثارة الحرب وغيرها لا يتأتى إلاّ بالشروع فيه، فَضْلاً عن أن يكون الإقرار حجة على المقر لكمال ولايته ولا يتعدّاه لغيره، وهو أمرٌ ثابتٌ في القرآن الكريم والسنة النبوية، وشددت المحكمة انه لا يشكل الإقرار القضائي بيِّنة إذا شابته (شبهة) وإذا لم يعضد أو يسند بالبيِّنات فلا يعول عليه في الإدانة أو البيِّنة بصورة قاطعة، وأكد قاضي المحكمة في قراره بأنّ الدعوى التي قدّمها الاتهام تخلو من أي بيِّنة تعضد اعتراف الحواتي القضائي الذي أسّست عليه قضية الاتهام، كما أن النيابة قدمت مستندات اتهام عبارة حسابات بنكية للمتهمين من بينها إفادات حول حساب المتهم الأول (غندور) من خلال وجود حركة أموال في حسابه – الا ان المحكمة توصلت الى انه ولطبيعة عمل المتهم الأول سابقاً في الدولة وجدت في حسابه ان الحركة طبيعية وليس فيها ما يثير الشك حولها، إضافةً الى أنها راجعت مستندات الاتهام حول حسابات بقية المتهمين البنكية ووجدت الحركة في بعضها ضعيفة وبعضها انعدمت الحركة في حساباتهم البنكية، مما يؤكد عدم ارتكابهم جرائم إرهابية، الأمر الذي ينتفي معه جرائم غسل الأموال.
حصيلة فكر لمؤلف
واشارت المحكمة في قرارها كذلك بأن المعروضات التي قدمتها النيابة العامة في القضية وهي عبارة عن (11) ألف نسخة من مذكرة نقدية للوثيقة الدستورية والتي شارك في كتابتها المتهم الثاني عشر د. محمد علي الجزولي، وجدت المحكمة ما هي إلا حصيلة فكر للمؤلف بالنقد (الجزولي) ولا يشكل ذلك سبباً لتنفيذ اي مخطط من تلك المخططات التي ذكرها المتهم الخامس في إقراره القضائي، اضافةً الى ان المعروضات اللافتات التي ذكر الحواتي بأنها معدة لاستخدامها في مسيرة 30 يونيو 2020م لا يمكن ربطها بالمتهمين وذلك لرجوع المتهم الخامس الحواتي عن إقراره القضائي، فضلاً عن أن مكبرات الصوت التي قدمتها النيابة اتضح عدم استخدامها في مخاطبة أي حشود لتنفيذ أي أعمال تخريبية، كما اتضح من أقوال المتحري بأن مكبرات الصوت معروضات البلاغ متعطلة ولا تعمل، كما تبيّن ان جهاز الكمبيوتر والسماعة السّوداء التي ضُبطت داخل مركز مناظير جديدة بالسوق العربي لم يثبت للمحكمة استخدامها في أي أنشطة من التي ذكرها الاتهام.
دموع ونزاهة القضاء
من جهته، قال المبرأ من الاتهام وزير الخارجية الأسبق بروفيسور إبراهيم غندور، في أول تصريح صحفي وهو يذرف دمع البراءة، داخل قفص الاتهام، بأنّ صدور قرار ببراءته في القضية يُؤكِّد بأنّ القضاء السُّوداني وفي كل يوم هو (أنزه) قضاء، مُتمنياً أن تكون إعلان براءته في القضية مَعلماً بارزاً في كيفية استخدام العدالة لتشويه سُمعة وحبس المُعارضين السِّياسيين، وطالب النيابة باعتبارها قضاءً واقفاً بالعمل على تنظيف العدالة في البلاد، لا سيّما وأن العدالة هي أساس الحكم.
أنس يرفض التصريح
من جهته، رفض المبرأ من الاتهام أيضاً والي ولاية شرق دارفور الأسبق اللواء أمن معاش أنس عمر، الإدلاء بأي تصريحات صحفية في الوقت الحالي لأنه مازال يواجه اتهاماً في بلاغ آخر.
زج وتلفيق وكذب
في ذات السياق، حيا المبرأ من الاتهام أيضاً رئيس حزب دولة القانون والعدالة د. محمد على الجزولي، القضاء السوداني، منبهاً الى ان نتيجة براءتهم من القضية كانت متوقعة، لا سيَّما وان القضاء السوداني مازال بخير، وكشف عن نيتهم في مقاضاة من زَجُّوا بهم في السجن بالتلفيق والكذب والإجراءات غير السليمة بحد قوله، وذلك لحرمانهم له من أبنائهم لعامين.
قرارٌ قضائيٌّ مُؤسّسٌ
في وقت، أبدى فيه عضو هيئة الدفاع عن المتهمين د. عبد الرحمن الخليفة، رضاءه التام على قرار تبرئة المحكمة لمُوكليه على رأسهم غندور واعتبره قراراً مؤسساً وفق القانون وبه اجتهادٌ كبيرٌ استند خلالها القاضي على أسس قانونية، مشدداً على أن قرار المحكمة بتبرئة موكليه يعتبر سابقة قضائية يعتد به لمثل هذه القضايا، منبهاً الى أن القرار أنصف المتهمين ويعتبر بادرة ثقة للقضاء السوداني بصفة مطلقة.
نصر وعدم أدلة
من جانبها، قالت نجلة وزير الخارجية الأسبق وفاء ابراهيم غندور، بأن لحظة استقبالها لقرار براءة والداها بمثابة نصر لهم، لا سيَّما وانه لا توجد أي بيِّنات وأدلة تثبت التهم ضد والدها وبقية المتهمين، ووصفت والدها وبقية المتهمين الذين برّأتهم المحكمة بالأبطال الأحرار.
تأمين وشرط دخول
فيما رَصَدَت الصحيفة، انتشاراً كثيفاً لمنسوبي الشرطة القضائية وحدة التأمين داخل وخارج قاعة المحكمة، ينظمون سير إجراءات الجلسة، حيث وضعوا شرطاً عند مدخل قاعة المحكمة يصعب تجاوزه عدم مرافقة الهاتف المحمول الى قاعة المحكمة وذلك تنفيذاً لتوجيهات قاضي المحكمة في جلسات سابقة.
يُذكر أنّ أفراد التأمين ظلُّوا يُداومون تأمين كافة جلسات الرأي العام دون كلل أو ملل، الأمر الذي وجد الاستحسان من جميع أطراف القضية.