في ظلّ تقلب الأسواق العالمية.. خدمات البث المنزلي ملاذ آمن للمستثمرين
منذ زمن بعيد، توافد الناس على دور السينما لمشاهدة الأفلام التي جنى منها الممثلون والمستثمرون المال، كما حققت بعض الشركات أرباحا كبيرة من خلال التسويق.
وفي مقاله الذي نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية، قال الكاتب سيمون إيدلستن إن هذه الديناميكية لم تعد قوية كسالف عهدها، إذ باتت تقدم صناعة الإعلام المتغيرة حالة مثيرة للاهتمام، مع دروس أكثر أهمية للمستثمرين. وفي الآونة الأخيرة، أصبح “وقت الشاشة” مرآة تعكس المشهد المتغير للصناعة.
ذكر الكاتب أن عدد الوسائط التي نستخدمها لم يتغير فحسب، بل تغيّرت أيضًا طريقة استيعابنا لها. وتشير الأبحاث التي أجرتها “أوسويتش”(Oswich) إلى أننا نقضي في المتوسط 241 دقيقة في مشاهدة التلفزيون كل يوم، و109 دقائق على مواقع التواصل الاجتماعي، و286 دقيقة على الإنترنت، و75 دقيقة في الاستماع إلى الموسيقى.
ربما تدهور وضع صناعة الأفلام بشكل مطرد، لكن السبب الرئيسي لذلك هو التكنولوجيا. لقد أدت خدمات البث إلى تغيير اقتصاديات هذه الصناعة، وتطوّرت أجهزة التلفزيون كثيرًا لدرجة أن تجربة السينما المنزلية تنافس دور السينما. ففي الوقت الحالي، لست مضطرًا للجلوس بجوار شخص غريب لمشاهدة فيلمك المفضل وبإمكانك إيقاف الفيلم للذهاب إلى الحمام أو تحضير عصير، ومع ذلك لا تزال السينما تحتفظ ببعض السحر.
وأوضح الكاتب أن جائحة كوفيد-19 غيّرت ديناميكيات هذه الصناعة أكثر، إذ أظهرت أن الناس على استعداد لدفع مبالغ إضافية مقابل مشاهدة إصدار جديد لأي محتوى في المنزل. ربما بدأت مبيعات تذاكر السينما في الانتعاش عام 2021، لتصل إلى 21.3 مليار دولار على مستوى العالم، لكنها لم تصل إلى نصف المستوى الذي كانت عليه قبل الجائحة، وذلك وفقًا لجمعية الفيلم الأميركي. وقد أدت عمليات الإغلاق إلى تراجع هذا الرقم وتسببت التأخيرات التي حدثت في الإنتاج والإصدارات إلى تقويض مبيعات التذاكر هذا العام.
وتساءل الكاتب عما إذا كانت صناعة السينما ستتعافى بشكل كامل؟ يبدو أن الصناعة أقل انجذابا لصناعة السينما الفردية الآن.
ولا يزال بإمكان النجوم جذب الحشود وتحقيق أرباح ضخمة عند إنتاج أفلام خاصة بهم، في حين أن دعم وجوه جديدة عملية محفوفة بالمخاطر. وقد تفضل الأستوديوهات إنتاج مسلسل يفوق 10 حلقات مع فيلم مقتبس عنه إذا نجح العمل.
ويمكن أن يجذب البث المباشر جمهورا في حدود 1.3 مليار مشاهد، وهو أكبر بكثير من جمهور دور السينما الغربية. وهذا ما يفسر تقييد أستوديوهات الأفلام الكبيرة نفسها بخدمات البث المباشر أو إنشاء محتوى خاص بها.
وفي بيئة زاد فيها البث من شهيتنا لمثل هذه المواد، قد يتخيل البعض أن المنتجين يجنون أرباحا وفيرة، لكن هذا القطاع يواجه في الحقيقة الكثير من التحديات، منها: المنافسة الشديدة بين شركات الإنتاج.
فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة “بارامونت غلوبال” (Paramount Global) هذا الشهر خدمة “بارامونت بلس” في المملكة المتحدة، لمنافسة خدمة “أمازون بريم” (Amazon Prime) فيديو، و”ديزني بلس” (Disney Plus)، و”ناو تي في” (Now TV)، و”نتفليكس” (Netflix) وغيرها.
لطالما كانت “ديزني” واحدة من أفضل الشركات في تحقيق أقصى قدر من العوائد من أي فيلم جيد، وتم تصوير فيلم قراصنة الكاريبي لأنه قدم رحلة رائعة في حدائق ديزني. ولكن مع إنشاء شركة ديزني منصة “ديزني بلس” للبث المباشر، فإنها بحاجة إلى الوصول إلى ما هو أبعد من جمهور الأعمال العائلية، وهذا ما يفسر إنتاجها لمسلسل “بام وتومي ودوبسيك”(Pam and Tommy and Dubcek).
بدأت نتفليكس للتو في الاستفادة من نجاحاتها في الألعاب، وقد استفادت من البيانات اللازمة لمعرفة أي الأفلام يشاهدها المشتركون وتلك التي تمثل مضيعة للمال. والآن يمكّنها استهداف الاستثمار بشكل أكثر فعالية ودعم الأرباح، حتى لو فقدت المنصة المزيد من المشتركين. وتجدر الإشارة إلى هناك خطوات أخرى يمكن اتخاذها لتحسين أرباحها بعيدا عن منع المستخدمين من مشاركة كلمات المرور.
عانت “تايم وورنر” (Time Warner) من سوء الإدارة، ولكن تم دمجها الآن مع قناة “ديسكفري” (Discovery) لتصبح “وورنر برذرز ديسكفري” (Warner Bros. Discovery)، مع بث محتواها عبر منصة “إتش بي أو ماكس” (HBO Max). وستصبح هذه الخدمة متاحة في المملكة المتحدة عام 2025، ولكن منْ مِنَ المستخدمين لديه القدرة على الاشتراك في خدمة أخرى؟
يمكن لآبل وأمازون تقليد نتفليكس بصفتهما صانعتي برامج ومشترتين ومفوضتين، لكن هذا لا يجعلهما شركات إعلامية.
وأكد الكاتب أن وقت الشاشة هو أحد أهم محركات هذا القطاع، حيث يمثل 12% من محافظنا الاستثمارية. ربما أضرّت بنا نتفليكس، لكن أداء عمليات بيع شركات الاتصالات الأخرى كان جيدًا في الأشهر الثلاثة الماضية. ارتفع سهم “سنغافورة تيليكوم” (Singapore Telecom) بنسبة 3%، وسهم “كي بي إن” (KBIN) بنسبة 7%، و”نيبون تي تي” (Nippon TT) بنسبة 11%، وشركة “إيه تي آند تي” (AT&T) بنسبة 17%.
بعبارة أخرى، إن المستثمرين يجنون المال ليس من مقدمي المحتوى وإنما من الشركات التي نعتمد عليها جميعًا للوصول إلى هذا المحتوى. ولهذا السبب، يمكن أن تكون أرباح القطاعات التي تشهد أوقاتا مضطربة متقلبةً، وقد تحقق أرباحًا مخيبة للآمال على الرغم من نموها السريع بسبب المنافسة التي تحتدم في هذا القطاع بين شركات الإنتاج.