الأخبارالسودانوثائقية

فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية١٩٧٤ _ ٢٠٢٤ نصف قرن من النجاحات الكبرى و الإخفاقات الكبيرة (1)

فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية١٩٧٤ _ ٢٠٢٤ نصف قرن من النجاحات الكبرى و الإخفاقات الكبيرة (1)

 

 

فى يوبيلها الفضة كانت مثالا للانضباط في أبهى صوره
و فى يوبيلها الذهبى أضحت نموزجا للفوضى في أبشع
صورها .

_ تصاعد مخيف فى أعداد العمالة و مظاهر الفساد و
تراجع مؤسف فى الأداء و القيم

 

بقلم : محمد أحمد عبد القادر

* فى العام ١٩٧٤ صدر قانون هيئة الموانئ البحرية. بموجبه تم فصل ادارة ميناء بورسودان من السكة حديد . لتصبح هيئة قائمة بذاتها تتبع لوزارة الدفاع … لم تستمر تلك التبعية الشاذة طويلا. حيث تم تصحيح الوضع . و وضعت الهيئة الوليدة فى مكانها الطبيعى تابعة لوزارة النقل .

* الميناء التقليدى الصغير ببورسودان لم يشهد اى تغيير يذكر بعد صدور القانون. إلى ان جاء العميد م. خالد الصادق اونسة رئيسا لمجلس إدارة الهيئة ليجد الميناء (( فى وضع بالغ السوء و فى منتهى الرداءة… البؤس فى كل مكان و الشقاء على جميع الوجوه … الفضلات الآدمية

و الحيوانية بادية للعيان بين البضائع داخل الحظيرة… غنم الاسكلة تسرح و تمرح داخل حظيرة الميناء… رئيس مخزن يجلس على كرسى متهالك و تربيزة متسخة و بجواره ( جردل ) احمر يشرب منه الماء … استعنت بمترجم عندما جمعت ادارة الهيئة فى اجتماع مع خبراء

من البنك الدولى ) كان ذلك هو الوضع بهيئة الموانئ البحرية عندما جاء إليها خالد اونسة للمرة الأولى فى العام ١٩٧٩ . نقلته بتصرف من مذكراته الشخصية.
* خلال سبع سنوات فقط إستطاع خالد تغيير ذلك الوضع تماما… فى كافة النواحى و جميع المناحى… ليقف رأس

الدولة المشير سوار الدهب على مسرح نادى هيئة الموانئ البحرية فى اليوم الثالث عشر من فبراير عام ١٩٨٦ . مخاطبا الاحتفال باكتمال العمل فى مرحلة الاولى و الثانية من مشروع تطوير ميناء بورسودان و وضع حجر الاساس لميناء سواكن ليقول ( من هنا ادعو كافة

المؤسسات بالبلاد ان تحذو حذو هيئة الموانئ البحرية ) .
* النقلة الكبرى التي أحدثها خالد الصادق فى تلك السنوات السبع السمان . و قفزت بالطاقة الاستيعابية للميناء من ثلاثة مليون طن فى العام الى ثمانية مليون طن . و ما صاحب ذلك من تطور بذات النسبة و اكثر فى جميع أوجه النشاط بالهيئة. تعود بالدرجة الأولى إلى

توافر قيادات إدارية على درجة عالية جدا من الكفاءة… قيادات إدارية جمعت بين العلم و الخبرة . و تميزت بالنزاهة و الإخلاص… ساندتها قيادات نقابية كانت فى مستوى تطلعات و طموحات الإدارة… كان الحس الوطنى و التوجه القومى هو ما يجمع بين إدارة الهيئة و تنظيماتها النقابية . فى ظل أوضاع سياسية و أمنية هادئة و مستقرة .

* مع بداية فترة الحكومة الحزبية التى جاءت عقب انتفاضة أبريل ١٩٨٥ . ظهرت بالهيئة مجموعة صغيرة يسارية التوجه… كان صوتها عاليا… كانت تنظر للنجاحات التى شهدتها الهيئة بمنظار حزبى ضيق …و من هنا بدأت العراقيل و المشاكل التى أدت إلى إبعاد تلك

الإدارة التى وضعت الأسس الراسخة و القواعد المتينة لهيئة الموانئ البحرية… جاءت بعدها إدارات متعاقبة سارت على ذات الخطى و نفس النهج…اجتهدت فى الحفاظ على ماهو موجود و عملت على تطويره… ظلت الأوضاع مستقرة و تحت السيطرة. إلى ان برز توجه حكومة لخصخصة الهيئة.

* خصخصة الهيئة هى ضرورة ملحة للارتقاء بالأداء ليواكب التطورات العالمية المتسارعة في مجال النقل البحري. و تنسجم مع السياق التاريخى لكل المراحل المفصلية لميناء بورتسودان التى تمت بمساعدة أجنبية… التنظيمات النقابية للهيئة واجهت الرغبة الحكومية

بالرفض القاطع … بلا تفكر و لا تعقل و لا تدبر … رفض يعتمد فقط على توهم ان الخصخصة تعنى فقدان الوظائف…يبدو أن الحكومة كانت عازمة و مصممة على خصخصة الهيئة . لذا تعاملت مع التعنت و التزمت النقابى بسياسة النفس الطويل… فقررت اقتلاع نقابات

الموانئ من جذورها… قامت الحكومة بإيقاف التعيين بالهيئة . و لتسير العمل سمحت بالتعيين المؤقت الذى لا يسمح بممارسة الحق النقابى. و ذلك إلى ان يختفى بالتقاعد من يحق لهم ممارسة العمل النقابى. لتفعل الحكومة بعد ذلك ما تريد .

* مع إيقاف التعيين الثابت. استمرأت ادارة الهيئة سهولة إجراءات التعيين المؤقت. فقامت بتعيين الآلاف من الموظفين و العمال. و استمر هذا الأمر لما يقارب العقدين من الزمان. لتمتلىء و تتكدس الهيئة بالعمالة المؤقته. ما خلق أوضاع شائهة و معقدة هيكليا و وظيفيا و اجتماعيا

و انسانيا… يبدو أن الحكومة و مع طول المدة قد نسيت الهدف من إيقاف التعيين بالهيئة. فقامت فجأة بتثبيت تلك الحشود المؤقتة و بصورة غير مدروسة. أحدثت انفجار وظيفى هائل ادى الى اختلالات كبيرة فى قواعد الخدمة المدنية و خلف فجوة عميقة فى أسس التواصل

بين الأجيال و أدوات تبادل الخبرات والتجارب… أعقب ذلك جرأة و مجاهرة بالممارسات الفاسدة التي كانت تتم في الخفاء و بالكتمان. صارت تمارس في العلن… بل أصبح هناك تنافس في تحقيق المكاسب والمنافع بالأساليب الفاسدة… كل ذلك ادى الى تسارع وتيرة

التراجع في الأداء العام للهيئة… إلى ان وصل الحال مرحلة معالجة الخلافات الإدارية ( بالجودية ) الاهلية… و كان ذلك الحضيض الذى كنت أظنه آخر درجات السوء. لكنى وجدت ما هو اسوأ منه عندما شهدت تلك الفرحة و البهجة و الاحتفال باحتواء الخلاف الإدارى المؤسسى ( بجودية) أهلية.

* لا توجد معلومات مؤكدة عن عدد العاملين بهيئة الموانئ البحرية. و هذا أمر طبيعى فى ظل ( الهيصة ) التى تعيشها الهيئة اليوم . تقديرات موثوقة تشير إلى ان عدد الذين يعملون بالهيئة حوالى خمسة عشر الف عامل و موظف… لكن المؤكد أن نصف ذلك العدد على اقل

تقدير ليست لهم أعباء و مهام وظيفية واضحة… لا يأتون إلى الهيئة إلا لصرف الرواتب و الحوافز و الأجر الاضافى و المستحقات الأخرى… التاخير في الحضور للعمل لدقائق قليلة كان أمرا يستوجب المساءلة و المحاسبة و

العقاب… اليوم أصبح عدم الحضور للعمل بالهيئة ليس لايام او أسابيع. إنما لشهور و أعوام امر مُرحب به و يجد التشجيع من إدارة الهيئة… تدرون لماذا ؟ … اذا حضر جميع الموظفين الى العمل لا يسعهم المكان… لا يوجد مكان لاجلاسهم … لهذا تفضل ادارة الموانئ عدم حضورهم و تشجعه.

* الخبرات الكبيرة و الكفاءات العالية و النزاهة و الشفافية التى تميزت بها القيادات الإدارية للهيئة فى العشرية الأولى و الثانية و الثالثة من عمرها . كان الخبراء الأجانب يعملون لها الف حساب…المرحوم فيصل لطفى المهندس المقيم لمشروع احياء ميناء سواكن القديم. كان

خبراء الشركة الأوربية المنفذة للمشروع ( يتهندمون ) لمقابلته و يقفون أمامه بكل أدب و احترام. وهو لا يتردد في أن يقول لأحدهم ( يا غبى ) … اما عن صور النزاهة و الشفافية فقد قدمها المرحوم سيد احمد حسن مدير الكنترول. عندما اعاد متبقى مبلغ النثرية بالعملة الصعبة. و قام بتوريدها لخزينة الهيئة بعد عودته من مامورية خارجية .

* اليوم يتصدر المشهد الإدارى بالهيئة اناس قدراتهم الإدارية و إمكانياتهم المهنية. فى احسن الأحوال هى اقل من العادية. و بعضهم قدراته و إمكانياته اقرب الى الصفرية…من يصدق بهيئة الموانئ اليوم لا يوجد موظف واحد يمكن القول بأنه خبير يعتمد عليه و يمكنه الجلوس بندقية مع رصفائه الأجانب… ولا واحد… أناس شغلهم

الشاغل و همهم الأكبر هو الحوافز المليونية و نثريات السفريات الخارجية التى لا حاجة لها البتة .
* إخلاص و تفانى القيادات النقابية بهيئة الموانئ فى العشرية الأولى و الثانية و الثالثة من عمرها. كانت الحكومة تعمل لها ألف حساب… المرحوم حسن بخيت

رئيس نقابة عمال الموانئ ضرب الطاولة محتجا أمام رئيس الوزراء الصادق المهدي . و ضرب يس محمد نور سكرتير نقابة الموظفين بالموانى اروع الأمثلة في النزاهة و فى السعى من أجل انتزاع حقوق العاملين. و لم يجنى لنفسه مثقال ذرة من منفعة لشخصه… ترك يس الهيئة و

لم يسكن منزلا مصلحيا و لم يركب عربة حكومية .
* فى ظل غياب التنظيمات النقابية بالبلاد عامة .ظهرت بهيئة الموانئ أجسام و مجموعات مطلبية عشوائية… بلا سند شرعى أو قانونى … اقرب ما تكون لعصابات عمالية .واشبه ما تكون ( للبلطجة ) النقابية… تقودها عناصر

شابة ليس لها من العلم و المعرفة و الخبرة و الدراية نصيب .و ليس لها حتى خدمة طويلة غير ممتازة بالهيئة… لهم حناجر طويلة و ( حلاقيم ) كبيرة تحسن الضوضاء و الضجيج. و ألسنة سليطة تجيد الشتم و السب … وسيلتهم الإغلاق و التتريس لتحقيق مصالح

شخصية و منافع ذاتية … كل هذا فى ظل أوضاع سياسية و أمنية هى الأسوأ فى تاريخ البلاد.
* تأتى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية و لم تكن فى يوم من الأيام هى أوهن و لا اهون مما هى عليه اليوم .

و الى الحلقة الثانية باذن الله
و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى