فضيحة برشلونة ولجنة الحكام.. هل يمكننا أن نثق في كرة القدم؟
فضيحة برشلونة ولجنة الحكام.. هل يمكننا أن نثق في كرة القدم؟
عندما خرجت أخبار من “الكادينا سير الإسبانية” (Cadena Ser) تفيد بأن نادي برشلونة لكرة القدم كان على علاقة عمل مع نائب رئيس لجنة الحكام الإسبانية السابق، إنريكيز نيغريرا، لم يتوقع أحد أن يأتي التعليق المنطقي الصادق الوحيد من مدرب الغريم اللدود، كارلو أنشيلوتّي. (1) (2)
هذه فرصة مثالية للضرب تحت الحزام كما ترى، كل أنواع الضرب في الواقع، ولكن تصريح الإيطالي كان معبرا عن فداحة الأمر، لأنه، بحديثه عن “أهمية سمعة الليغا”، رأى ما يتجاوز الشماتة والتشفي والمعارك الكلامية المعتادة بين مسؤولي الناديين؛ حقيقة أن الشك -مجرد الشك- في نتائج فريق واحد بالدوري ينزع المصداقية عن الدوري كله.
فضيحة ولكن
دعنا أولا نخبرك بماهية الوضع على وعد بتجنب التفاصيل القانونية المملة؛ شركة “داسنِل 95” (Dasnil 95) التي يملكها نيغريرا قدمت “مشورات فنية وتحكيمية” لبرشلونة بين 2016-2018 مقابل 1.4 مليون يورو على ثلاث دفعات. هذه الخدمات شملت تقارير عن كيفية التعامل مع الحكام المختلفين وأساليبهم في التعاطي مع المباريات، بالإضافة إلى تقارير عن أبرز المواهب الشابة في مراحل الناشئين والدرجات الدنيا من الكرة الإسبانية. (1)
كما أوضح لابورتا في بيان مقتضب -ولعلها المعلومة الصحيحة الوحيدة التي أنتجتها الفضيحة- فهذه الاستشارات شائعة للغاية بين أندية كرة القدم الكبرى، وليست مفاجئة بأي معنى. المشكلة الأساسية هنا هي -كما توقعت- حقيقة أن نيغريرا كان يعمل نائبا لرئيس لجنة الحكام في تلك الفترة، قبل أن يرحل بنهاية موسم 2017-2018. (3)
الدفعات المالية توقفت في اللحظة ذاتها، وهو ما يضيف للأمر ريبة على ريبة، وبعض التحليلات اعتبرت المبالغ المذكورة “مُبالغا فيها بالنسبة لاستشارات من هذا النوع”، لتتحول الريبة إلى حكم شعبي غير منطوق، ولكن المثير في ردود الأفعال الأولى أن خافيير تيباس، رئيس رابطة الليغا، الذي يعتبره الكثيرون متربصا بريال مدريد وبرشلونة، أو متحاملا عليهما بالأحرى، صرّح بأنه لم يشاهد في مباريات برشلونة في تلك الفترة -2016 إلى 2018- ما يدعو للاشتباه. (4) (5)
بالطبع تلك مبالغة ضخمة، هدفها غالبا تبرئة ساحة حكام الليغا أنفسهم لأن أكثرهم لا يزال ناشطا حتى اللحظة، ولكن أي متابع يدرك جيدا أن أي 10 مباريات متتالية لأي فريق في الليغا لا بد أن تشهد بضعة قرارات تتراوح بين مثيرة للجدل وكارثية، ناهيك بموسمين كاملين لفريق متهم برشوة نائب رئيس لجنة الحكام.
لكن الرجل نفسه أكد أن مجرد ثبوت الواقعة يعني أن عملاق كتالونيا قد خالف القانون، وهذه هي المشكلة بالضبط؛ لماذا قد يثير برشلونة ومسؤوليه الشكوك حول أنفسهم باللجوء إلى مؤسسة يملكها حكم ناشط -بينما كان بإمكانهم الحصول على استشارات مشابهة من جهات أخرى- لو لم يكن الأمر مفيدا؟ ولماذا توقفت الدفعات بعدما غادر نيغريرا منصبه؟ (5)
بالعودة إلى هذه الحقبة يمكنك الجزم بأن برشلونة ظُلم في عدد من المباريات بتلك الفترة، لا سيما في موسم 2016-2017؛ هناك لقطات يصعب الاختلاف عليها أو مجادلتها. طبعا في مباريات أخرى نال معاملة الكبار التفضيلية في بعض اللقطات التي صارت معتادة وطبيعية باعتبار أن ما تكرر قد تقرر -بعض سقطات بوسكتس المصطنعة تحت الضغط مثالا- ولكن المشكلة أن زلزال الكادينا سير، كأي زلزال، كانت له توابع.
أندوخار أوليفير، الحكم السابق، ذكر بعض التفاصيل المزعجة على إذاعة “أوندا سيرو” (Onda Cero)، وتحديدا حول علاقة جوزيه ماريا نيغريرا، نجل إنريكيز ومدير شركته، بالحكام الناشطين في تلك الفترة، وحضوره لبعض مباريات برشلونة المهمة، وقيامه بتوصيل حكامها للملعب قبل الصافرة. (6)
الشبكة تتسع عندما تكتشف أن جوزيه، إلى جانب قيادة شركة والده، كان عضوا في اللجنة التقنية للحكام بدوره، أي إن أدواره كانت تشمل تدريب الحكام، ومنحهم التعليمات، والتواصل معهم باستمرار. لا تقلق، فهذه القصة ستستمر في إدهاشك. في الواقع، إحدى مزايا هذه الفضيحة، أو لعلها المزية الوحيدة، أنها قد تمنحك فرصة لممارسة الشماتة بضمير مستريح؛ باعتبار أننا لسنا وحدنا.
دخول مفاجئ
نعتقد أن الألمان يطلقون على هذه الحالة “Schadenfreude”، نقصد الشماتة. المهم أن تصريحات أندوخار تقودك للتصريحات المضادة التي أطلقها حكم سابق آخر هو إدواردو إيتورالدي غونزاليز. لو كنت من متابعي الليغا القدامى فلعلك تتذكره؛ قصير نوعا ما، بشعر أسود ثائر، وانفعالات قوية، وملامح تبدو عربية للوهلة الأولى. (7)
المهم أن غونزاليز يرى أن جوزيه ماريا لم يكن ليستطيع التأثير على حكام الليغا حتى لو كان مدربهم وعضو اللجنة التقنية، ببساطة لأن الأمر ليس بهذه السهولة. لِمَ؟ ببساطة لأن غونزاليز هو الحكم ذاته الذي أطلق زلزالا مشابها منذ سنوات عندما صرح بأن 90% من حكام الليغا يشجعون ريال مدريد بالفعل. (8)
“90% من حكام الليغا يشجعون ريال مدريد، ببساطة لأن 90% من الإسبان خارج الباسك وكتالونيا يشجعون ريال مدريد.. من أين يأتي الحكام في اعتقادك؟ من المريخ؟”.
الحكم السابق إدواردو إيتورالدي غونزاليز في 2014 (9)
غونزاليز ينحدر من بلباو، وهو مشجع معلن لأتلتيك فريق المدينة. ربما لذلك تم اختياره أكثر من مرة لإدارة مواجهات الغريمين، ولعل أشهرها كان كلاسيكو كامب نو في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، الذي كان متخما بالإثارة والعنف كعادة مواجهات الغريمين بتلك الفترة.
هذا التعارض بين أندوخار إيتورالدي كان له صدى بين قائدي الناديين السابقين جيرار بيكيه وإيكر كاسياس في واحدة من مباريات “كينغز ليغ” أو “دوري الملوك” (Kings League) الذي يشارك بيكيه في ملكيته وإدارته. النقاش بدأ بتعليق الأخير على نتائج ريال مدريد في دوري الأبطال، فرد الأول مشيرا إلى مباراة تشيلسي الشهيرة في 2009 في الطريق للسداسية، فعاد الأخير ليذكره بهدف فابريغاس الصحيح الملغي ضد أتليتكو مدريد في 2014، الذي كلف برشلونة لقب الليغا آنذاك، ليسترجع كاسياس بعض القرارات العكسية ضد ريال مدريد في بعض مباريات الدوري والكأس، وهكذا. (10)
المعضلة الرئيسية في مثل هذه المواقف تتمثل في صعوبة إثبات تواطؤ هذا الحكم أو ذلك بشكل قاطع، وهذا راجع بالأساس لمعضلة أخرى بديهية لا علاج لها فيما يبدو؛ كثرة القرارات التي يتخذها الحكم في أي مباراة عادية. طبقا للجنة الحكام الإنجليزية مثلا، أو ما يُعرف بـ “PGMOL”، فالحكم يتخذ 245 قرارا في المباراة الواحدة بالمتوسط. هذا يعادل 3 أضعاف متوسط مرات لمس الكرة لأي لاعب، بمعدل قرار كل 22 ثانية تقريبا. (11)
قبل أن تنصدم من الرقم وتبدأ في التشكيك في حقيقته، لاحظ أن “PGMOL” تتحدث عن القرارات وليس الصافرات؛ طبقا لقاعدة بياناتها فهناك 45 قرارا تقنيا تشمل الأهداف والركنيات والتسللات ورميات التماس إلخ، والـ200 الباقية هي قرارات تتعلق بالالتحامات والاحتكاك والقرارات النظامية. من هؤلاء الـ200 هناك 35 صافرة، و165 قرارا باستمرار اللعب، فحتى استمرار اللعب يتطلب قرارا تسبقه عملية ذهنية ومراجعة للقانون. (11)
ما علاقة كل ذلك بفضيحة برشلونة؟ تخيل حكما يرتكب خمسة أخطاء واضحة في مباراة واحدة، واضحة لدرجة أن لجنة الحكام ذاتها تعترف بها. هذه الأخطاء الخمسة تمنحه نسبة 98% بدقة القرارات. هذه هي المشكلة؛ 5 قرارات خاطئة قد تغير وجه مباراة بالكامل، ولكنها بالنسبة للحكم، واللجنة التي غالبا ما تدعمه، لا تُمثِّل أكثر من 2%. في أي وظيفة في العالم، هذه نسبة ممتازة للخطأ. (11)
ثقة؟
طبعا التحكيم ليس كأي وظيفة في العالم، ولكن النسبة ذاتها تنطبق على حكام الراية مثلا؛ يتخذون نحو 50 قرارا في المباراة الواحدة، منها 45 قرارا تتعلق بحالات تسلل، وفي المتوسط، لا تُرفع الراية إلا في 4 حالات، ومرة أخرى، نسبة الخطأ لا تتجاوز 2%. (11)
هذا يعني قرارا واحدا من أصل 50، وبما أننا نتحدث عن حالات التسلل، فهذا القرار الخاطئ إما أن يلغي هدفا صحيحا أو يحتسب آخر غير صحيح في عدد لا بأس به من الحالات، ومرة أخرى لا نملك إلا أن نضرب رؤوسنا بالحائط لأنه لا يوجد بشر يمكنه التفوق على 98%.
لست مقتنعا؟ دعنا نمنحك سببا إضافيا؛ رئيس اللجنة التي أنتجت هذه الإحصائيات، أي “PGMOL” الإنجليزية، هو “مايك رايلي”، الرجل الذي ارتبط اسمه بفضيحة “معركة البوفيه” (Battle of The Buffet)، التي تُعرف في بعض وسائل الإعلام باسم “بيتزاغيت” (Pizzagate)، في إشارة إلى واقعة إلقاء فابريغاس لشريحة بيتزا على رأس فيرغسون خلال المعركة المفتوحة التي جرت في النفق عقب الصافرة. (12) (13) (14)
لا نعتقد أن رايلي أخضع أداءه في تلك المباراة للتقييم لأن نسبة الخطأ كانت لتتجاوز 2% قطعا. في الواقع، سيكون من الأسهل عد قراراته الصحيحة في تلك الليلة لأنها لم تكن كثيرة. هذه هي المشكلة؛ أن المرجعية غائبة، وكلما لجأت إلى جهة ما وجدتها غارقة في مشكلاتها الخاصة، تعاني مع اتهامات وشكوك من النوع ذاته، وهذه الشكوك كثيرا ما تؤدي إلى نتائج عكسية.
في 2005 مثلا اضطر الحكم السويسري الشهير أندريس فريسك لإعلان اعتزاله فورا بعد تلقيه تهديدات بالقتل من بعض مشجعي تشيلسي. السبب؟ مورينيو، مدرب تشيلسي آنذاك، لمَّح بذكاء إلى احتمالية تلقيه رشوة أو تعرضه للضغط من فرانك ريكارد، مدرب برشلونة، بين شوطي مباراة الفريقين في دوري الأبطال. لماذا؟ لأن المدرب البرتغالي كان يرى أن دروغبا لا يستحق الطرد بعد إنذارين، حتى لو كان أحدهما نتيجة لتدخل من الخلف لم يلمس خلاله الكرة، والآخر بعد دهس كتف وركبة فيكتور فالديز بأسفل القدم في لعبة مشتركة. هناك حكم فقد وظيفته لأن مورينيو كان يلعب ألعابه النفسية المعتادة. (15)
هل هناك إجابة؟ هل هناك آلية ما لمراجعة عمل الحكام وتقويمهم ومراقبتهم دون تهديدات بالقتل أو إجبار على الاعتزال؟ غالبا لا. في إنجلترا مثلا يتملكك الشعور ذاته كل أسبوع؛ أن كل ما أضافه حكم الفيديو إلى العملية هو خطوة إضافية قبل ارتكاب الخطأ ذاته، وكأن الهدف هو الإمعان في استفزاز الجماهير.
طبعا هذا ليس صحيحا لأن حكم الفيديو المساعد تمكن من تجنب أخطاء أكثر سذاجة كانت معتادة في الماضي، ولكن بعض الأخطاء الحالية مستفزة فعلا، ولا يمكن التخيل بأنها قد تفوت على حكم الساحة وحكم الفيديو معا، وآخرها كان واقعة نسيان لي ميسون رسم خط التسلل في هدف تعادل برنتفورد مع أرسنال منذ أيام.
هذه الجزئية لا علاقة لها بفضيحة برشلونة طبعا؛ لا يوجد كمٌّ من الأخطاء أو الوقائع قد يفسر أو يبرر لجوء نادي لشركة مملوكة لحكم ناشط بلجنة الحكام. القضية ستمضي في مسارها الطبيعي وبطبيعة الحال سيتعرض برشلونة لعقوبة ما، وبطبيعة الحال لن نندهش إذا تم تخفيضها، أو أخذت القضية وقتا أطول من اللازم، أو نسي الجميع الأمر خلال أسبوع أو اثنين لأن تسريبا جديدا قد ظهر، أو خرجت للنور فضيحة أخرى لريال مدريد هذه المرة، بما أن الكثيرين يؤمنون أن الأندية الداعمة للسوبرليغ “تُستهدف” واحدا تلو الآخر، خاصة بعد مطالبة تيباس للابورتا بالتنحي عن رئاسة برشلونة، ما استدعى الصراع الطويل بين الثنائي على فكرة إقامة البطولة. (16)
هل يعني ذلك أن بإمكانك الثقة بكرة القدم ونتائجها؟ بالطبع لا. ظننا هذا بديهيا. إن لم تلاحظ، فالتساؤل في العنوان كان استنكاريا لا استفهاميا، ولكننا سنثق في كرة القدم رغم ذلك لأننا لا نملك خيارا آخر ببساطة، وعلى رأسنا مشجعو الأندية المتضررة من هذه الفضيحة. هذا هو ما سيحدث غالبا، وهذا هو الواقع؛ نيغريرا وأندوخار وإيتورالدي و”PGMOL” وفريسك ورايلي. أما الحقيقة، فليست إلا وهما مُتفقا عليه كما يقولون.
————————————————————————————————–
المصادر:
1- برشلونة دفع 1.2 مليون جنيه إسترليني لمسؤول لجنة الحكام بين 2016-2018 – The Athletic
3- داخل يوم برشلونة الفوضوي بعد الإعلان عن فضيحة جديدة – The Athletic
5- برشلونة والحكام؛ فضيحة و5 ألغاز غامضة – AS
7- Schadenfreude – Encyclopedia Britannica
8- حكم سابق: “90% من حكام الليغا يشجعون ريال مدريد” – ESPN
9- حكم سابق: “90% من حكام الليغا يشجعون ريال مدريد” – Football Espana
11- دحض الخرافات التحكيمية: كم عدد القرارات التي يصيب فيها الحكم؟ – Sky Sports
12- مانشستر يونايتد 2-0 أرسنال؛ إعادة زيارة البيتزاغيت بعد 10 سنوات – BBC
14- فابريغاس يكشف الحقيقة حول واقعة البيتزا الشهيرة – All Football
15- أسوأ 10 فضائح تحكيمية في تاريخ كرة القدم – Football Daily