عودة حمدوك.. ما بين المرونة والتعنُّت
أصبحت عودة حمدوك على رأس الحكومة المدنية قاسماً مشتركاً للجميع, فهي رغم أنها تمثل رغبة مناصريه ومؤيديه, تمثل أيضاً رغبة عارمة لدى المجتمع الدولي كونها ستعدل ميزان المعادلة السياسية الحالية, ربما ذلك ما يُفسِّر المبادرات العديدة والمتكررة لقوى سياسية داخلية وأخرى من المجتمع الدولي تتدافع جميعها من أجل إيجاد حل الأزمة.. ولأنّ مواقف حمدوك كما يصفها مؤيدوه ومُعارضيه بأنّها مرنة ومتعنتة, بالتالي أن حل الأزمة يدور حول شخصية الرجل, رغم ان بعض الأصوات بدأت في الحديث عن تجاوزه وإعلان بديل عنه كرئيس وزراء مستقل لتحريك جمود العملية السياسية, وحجتهم أنهم لن يكونوا مرهونين للأسماء.. ولكن ولأن حمدوك يتمتع بقبول دولي ومحلي, فإن سقوفات التفاوض معه قد تتجاوز حَدّ المُمكن كما يراه مراقبون, فيما ذهب البعض بأن الطرفين يتعرّضان إلى ضغوط كلا على حدة فيما يتعلق بقبول أو رفض التكليف المقبل.
جمود سياسي
على الرغم من تأكيد سفراء دول الترويكا (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج), ضرورة عودة عبد الله حمدوك إلى منصبه رئيسًا للوزراء, إلا أن رئيس حركة العدل والمساواة جبريل ابراهيم يرى أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قدم مطالب غير واقعية في مفاوضات إنهاء الجمود السياسي وفق قوله, ما عدّه البعض في خانة التعنُّت السياسي, وقال وفقاً لـ(العربية نت) إنه سيتم توسيع المشاركة السياسية وتشكيل حكومة تكنوقراط في السودان, ورأى أن الجيش اضطر للتدخل بعد أن تعرض الأمن القومي السوداني للخطر.
تروس التغيير
وحمّل رئيس نداء الشمال أبو القاسم برطم, رئيس الحكومة المنحلة عبد الله حمدوك ما أسماه مسؤولية دخول البلاد في نفق مظلم جرّاء تعنُّته بعدم حل الحكومة, ودعا في تصريح لـ(الانتباهة) حمدوك لأن يكون ضمن تروس التغيير, وأن لا ينحاز لمجموعة صغيرة على حساب مصلحة الوطن, وذكر ان الدعم الكامل لقرارات قائد الجيش سيجعل حمدوك يراجع حساباته بحسب حديثه.
فيما أكد وزير التجارة المقال علي جدو عن مساع تُجرى مع حمدوك, متوقعاً الوصول إلى توافق يفضي إلى تشكيل حكومة كفاءات, وقال: انا متفائل بالوصول إلى وفاق مع حمدوك والخروج من هذه الأزمة إلى بر الأمان, وشدد الوزير على ضرورة أن تكون الحكومة القادمة من كفاءات وطنية مُستقلة, لجهة أنّ الوثيقة الدستورية نصّت على ذلك, وذكر ان ذلك لا يلغي دور الأحزاب السياسية التي قال إنها يجب أن تذهب إلى المجلس التشريعي لمراقبة أداء الحكومة.
حوارات وتفاهمات
ويقول رئيس حزب الأمة القومي اللواء فضل الله برمة, عضو لجنة الوساطة الوطنية لحل الأزمة السياسية, إنّ الجُهُود السياسية متواصلة لحل الأزمة وبدأت حوارات بين الأطراف للوصول لحل مُرضٍ لجميع الأطراف, وكشف عن تفاهمات كثيرة في القضايا المطروحة, وقال “الأمور تسير إلى الأمام وبصورة مرضية وإن شاء الله الشعب يسمع أخباراً مفرحة في الأيام القادمة”, فيما كشفت قناة العربية عن عودة المفاوضات لتقريب وجهات النظر لإعادة حمدوك لرئاسة مجلس الوزراء, وأشارت إلى تقدم في محادثات البرهان وحمدوك لحل أزمة السودان بعد تعثُّرها في وقت سابق.
وحول لقائه برئيس الوزراء في الحكومة المنحلة د. عبد الله حمدوك, قال برمة إن حمدوك موجود في أمان الله, وابدى مرونة كبيرة ويسعى مع الجميع في حل الأزمة الماثلة, نافيا انعقاد اجتماع في منزله.
بيت القصيد
وتساءل المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر عن العروض التي قدمت لحمدوك حتى يتعنت, وقال لـ(الصيحة) إذا كانت تلك العروض تؤيد حركة (25) أكتوبر لتتحوّل إلى عمل انقلابي متكامل, وإن كانت تضع حمدوك تحت سيطرة الوضع الجديد, وأن يعود ليؤدي القسم من جديد, فبالتالي سيكون له حق في رفض تلك العروض, وإن من حق الشعب أن يحبه, إما أن كانت تلك العروض لرفع سقف المفاهيم الثورية المتفق عليها في الوثيقة الدستورية لتطوير العمل المشترك بين المدنيين والعسكريين في الفترة الانتقالية, فإنّ رفض حمدوك لتلك العروض سيكون رفضاً للتعاون المشترك, وهنا سيكون مُلاماً بالتالي أي العروض التي قُدِّمت لحمدوك التي قبلها أو رفضها هنا يكمن بيت القصيد.
مُعالجات جراحية
ويبدو أنّ عودة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لوضعه السَّابق أمرٌ يحتاج إلى مُعالجات وهو ما يَراه القيادي بحزب البعث التجاني مصطفى, الذي قال أن تقوم المعالجات على توافق واتفاق وطني بين المكونات المختلفة, وقال لـ(الصيحة) إذا لم يحدث ذلك ولم يتم القبول بالإجراءات المتفق عليها فإن مسألة عودة رئيس الوزراء لوضعه الطبيعي تصبح أمراً صعباً، ولفت إلى أهمية أن تكون لدى رئيس الوزراء سلطة مساندة له, قال إنها خارج الفعل السياسي رغم أنها متمسكة بموقفها الوطني بضرورة استمراره بوضعه السابق, غير أنه قال لن يتم ذلك إلا في إطار تراضٍ واتفاق وطني بين جميع الأطراف, وأبان أن الوضع الآن والجهود المبذولة تدفع في اتجاه التراجع عن الإجراءات التي اُتّخذت من قبل وعودة الأوضاع بصورتها الطبيعية في جميع المؤسسات, بالتالي ما يتم الآن يحتاج إلى إرادة مُشتركة وإذا لم تتوفر, فإن الوضع سيمضي في اتجاه أن يتغلب طرف على الآخر.
لغة التصعيد
ورغم لغة التصعيد من قبل مركزية التغيير التي قالت إنها ستحارب الإجراءات الأخيرة التي اتّخذها رئيس المجلس السيادي الفريق أول البرهان بالوسائل السلمية, إلا أن مراقبين يرون أن اللغة تُصب في إطار الضغوط على المكون العسكري للعدول عن خطواته. ولفت مصدر لـ(الصيحة) إلى تعدُّد أشكال تلك الوسائل تُشكِّل ضغوطاً على البرهان, مُشيراً إلى حديث الأمم المتحدة التي وجّهت وكالاتها بالتعامل مع حكومة حمدوك كممثل شرعي وحيدٍ للسودان, وهو ما يدفع بمركزية التغيير لإبداء مواقف صلبة وإظهار تعنتٍ في مواقفها التفاوضية, وذكر المصدر أن إبداء المرونة يتطلّب أن تكون مرناً في بعض المواقف, ولكن هنالك خط استراتيجي يقف عليه البعض عند التفاوض قد يصطدم مع خيارات الأطراف التفاوضية الأخرى, مَا يتسبّب في فشل الجُهود المبذولة لحل الأزمة.
المصدر : الصيحة
