عودة جدل “التطوير أم التراث” في مصر.. مخاوف من إزالة مقبرة طه حسين
اقترح كتاب ومثقفون نقل رفات طه حسين إلى مقبرة جديدة تتم إقامتها أمام جامعة القاهرة، بما لها من رمزية كبيرة حيث كان من أبرز رموزها التاريخيين.
القاهرة- تصريحات جديدة في الساعات الأخيرة لأسرة عميد الأدب العربي الأديب المصري الراحل طه حسين (1889-1973م) أعادت الجدل الذي أثير في مايو/أيار الماضي بشأن إزالة مقبرة الأديب الراحل من أجل إنشاء محور مروري جديد يحمل اسم الكاتب الصحفي الراحل ياسر رزق.
وهو ما أعاد النقاش مرة أخرى بين اتهام نشطاء ومثقفين للحكومة بإزالة مقابر تاريخية وتبديد التراث، وهو ما نفته السلطات المصرية مرارا، مؤكدة عدم المساس بالتراث وإصرارها على استكمال التطوير العمراني بالقاهرة التاريخية، وفق بيانات رسمية.
end of list
وبحسب شهود عيان، فما زالت المقبرة قائمة حتى الآن بمنطقة التونسي بالقرب من مسجد ابن عطاء الله السكندري، ضمن نطاق القاهرة التاريخية القديمة، ولم ينفذ أي قرار بهدمها بعد، وسط اقتراحات من مثقفين بإقامة ضريح للأديب الراحل أمام جامعة القاهرة.
ولحل جدلية التراث والتطوير، اقترح مصدر مسؤول بوزارة السياحة والآثار المصرية -في حديث للجزيرة نت- إنشاء لجنة عليا للآثار والتراث تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة تفك الاشتباك بين تضارب جهات الإشراف الحكومية، مع ابتكار حل معماري عاجل لا يمس مقبرة طه حسين.
شبح الهدم
وأطل شبح الهدم في الساعات الأخيرة بمصر، بعد أن أعلنت حفيدة الأديب الراحل مها عون في تصريحات صحفية أن الأسرة علمت بشكل ودي بإزالة المقبرة تماما، من دون أي تفاصيل عن نقل الرفات.
وبحسب معلومات أسرته، فقد بنيت المقبرة عام 1973 وقت وفاة عميد الأدب العربي، وتضم أيضا بجوار رفاته رفات ابنته أمينة وزوجها الراحل وزير خارجية مصر إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 محمد حسن الزيات.
وأوضحت عون أن محافظة القاهرة أبلغتهم في وقت سابق أنه لا يوجد قرار بالإزالة، ولكن بعد ذلك وُجدت كلمة “إزالة” مكتوبة بالأحمر على المقبرة وقطعت المياه عنها بالكامل.
وكشفت عالمة الآثار المصرية مونيكا حنا -في سلسلة تغريدات على حسابها الرسمي بموقع تويتر- عن وجود قرار بهدم المدفن سيتم تنفيذه خلال الشهر الجاري.
وأعربت حنا عن أسفها لعملية الإزالة المرتقبة وقطع المياه عن المقبرة، وتمنت أن يكون الخبر خاطئا، ولكنها أكدت في تدوينة لاحقة “أنه للأسف تم تأكيد هدم المدفن بقرار صادر لسبتمبر/أيلول 2022”.
رسميا، قام محافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال بجولة تفقدية بالمنطقة الجنوبية في محيط مقبرة طه حسين أمس الخميس، بعد يوم من الجدل، وذلك لمتابعة أعمال التطوير، ومن بينها الأعمال الجارية بمحور ياسر رزق.
ووفق بيان رسمي، أعلن محافظ القاهرة أن هذه الأعمال تأتي ضمن الجهود التى تقوم بها الدولة لربط محاور جنوب القاهرة وشرقها لتحقيق السيولة المرورية بالعاصمة، التي ينتظر أن تحدث بعد انتهائها انفراجة كبيرة للمرور وعمليات تنقل المواطنين بهذه المناطق، في حين لم يعلق على ما أثير بشأن هدم مقبرة طه حسين.
ووصفت المحافظة في منشور رسمي على صفحتها الرسمية محور ياسر رزق المرتقب الذي قد يطيح بالمقبرة بأنه “رئة مرورية لربط ضاحية المقطم الشهيرة بقلب القاهرة”.
ونقلت بوابة الأخبار الحكومية عن مصدر مسؤول في محافظة القاهرة قوله “لم تصدر المحافظة أي قرار بشأن إزالة المقبرة، ولم تخطر حتى الآن بإحداثيات المسار المروري الجديد الذي سيتم إنشاؤه”.
وفي المقابل، تصاعد الغضب بين نشطاء وأكاديميين وأدباء ومثقفين بارزين في مصر، مطالبين بإنقاذ سمعة البلاد وتكريم مثوى الأديب الراحل.
وقال المفكر والأكاديمي البارز عمار علي حسن إنه قابل بالمصادفة وزيرة الثقافة السابقة إيناس عبد الدايم، وقال لها غاضبا “لو هُدمت مقبرة طه حسين سيصبح عارا”.
وأوضح أن الوزيرة تبرأت من ذلك، وأكدت أنها قدمت مذكرة تبين خطورة الأمر، فطالبها حسن بإبلاغ السلطات رفض المثقفين تلك الخطوة.
من جهته، قال الرئيس الأسبق لحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي محمد أبو الغار إنه علم من أسرة الراحل طه حسين أن الحكومة الفرنسية ترحب بعمل مدفن يليق بالراحل، في حال قررت الأسرة نقل رفاته للخارج.
وقائع مماثلة
وإن كان الجدل هذه المرة سبق ما يثار بشأن هدم أو نقل مقبرة طه حسين، فقد “سبق السيف العذل” في حالات أخرى، حيث تم هدم مقابر تاريخية أخرى في مصر مؤخرا.
ففي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت عائلة “ذو الفقار” (التي تنتمي إليها الملكة فريدة زوجة حاكم مصر السابق الملك فاروق” إخطارها رسميا بهدم مدفن العائلة الذي يعود تاريخ إنشائه لأكثر من 120 عاما، بمقابر الإمام الشافعي في العاصمة القاهرة، لبناء محور مروري جديد.
وشهد يوليو/تموز 2021 كذلك جدلا أكبر، إثر انتشار صور ومقاطع فيديو لعمليات هدم بالجرافات لمقابر يعتقد أنها أثرية في منطقة صحراء المماليك (شرقي القاهرة).
ونفت السلطات المصرية ذلك مؤكدة أن التوسعات لم تطل المناطق الأثرية، لكن معنيين أكدوا أن المناطق التي طالها التدمير أثرية.
وفي تحرك برلماني في يوليو/تموز 2020، تقدمت النائبة بمجلس النواب داليا يوسف بأول استجواب للحكومة بشأن هدم المقابر التاريخية والأثرية لإنشاء جسر مروري.
وأعلنت المسؤولة السابقة بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري ورائدة التصميم العمراني سهير زكي حواس إزالة 2760 مقبرة داخل نطاق القاهرة التاريخية المعتمد في منطقة السيدة عائشة الشهيرة، من دون مراجعة القيمة التراثية والمعمارية والرمزية لها.
في المقابل، تؤكد الحكومة المصرية مرارا في بيانات رسمية أنها تعمل على تطوير القاهرة التاريخية وإعادة المنطقة لرونقها الحضاري، وهو ما حدث في منطقة سور مجرى العيون الأثري، وتطوير أحياء القاهرة التاريخية كمنطقة باب زويلة، بالتزامن مع نقل سكان العشوائيات والمقابر إلى مساكن جديدة.
الطريق الثالث
ألا يوجد بديل ثالث؟ هكذا يبحث البعض عن مسار جديد يوقف الجدل المستمر بين الحفاظ على التراث أحيانا أو الشكل الجمالي أحيانا أخرى، وبين التطوير والقضاء على الازدحام والعشوائيات.
في هذا السياق، يوضح مصدر مسؤول بوزارة السياحة والآثار المصرية أن مقبرة طه حسين ليست ضمن نطاق عمل الوزارة، وتخضع لوزارة الثقافة كونها من التراث، ولكنه يحذر من إزالتها أو نقلها لتوابع ذلك على سمعة مصر، ولقيمة عميد الأدب العربي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقترح المصدر (تحفظ على ذكر اسمه) إنشاء لجنة عليا للإشراف على الآثار والتراث تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، لمنع التضارب وفك الاشتباك الحادث بين الجهات الحكومية المشرفة على الآثار المصرية، وهي وزارات: الثقافة والأوقاف والآثار والسياحة، فضلا عن الجهة الإدارية المتمثلة في المحافظة أو الحي.
وأشار إلى أنه من المفارقات أن المساجد الأثرية -على سبيل المثال- حائرة في الإشراف عليها بين وزارتي السياحة والآثار والأوقاف، رغم أنها من الآثار.
وتمنى المصدر أن تنظر وزارة الثقافة ومحافظة القاهرة في أمر المساس بمقبرة طه حسين، وعدم نقلها من موقعها، مشيرا إلى أن قيمة الأثر تكون في بقائه بموقعه ويتبدد بانتقاله.
وأوضح أن هناك أزمة شديدة التعقيد تواجه الجهات المنفذة لتطوير القاهرة التاريخية، لأنها مليئة بالآثار، فتجد نفسها في أزمة بين انتهاء التكليف الحكومي الموجه لها بالتطوير، والحذر من المساس بالأثر وتلقي الهجوم كل مرة.
ولفت إلى أن هذه الإشكالية كان يحسمها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وبرز دوره أثناء وجود رائدة التصميم العمراني سهير زكي حواس، ولكن لكثرة اعتراضاتها لم تستمر في موقعها.
ويدعو المصدر المسؤول إلى اللجوء إلى حل معماري وهندسي عاجل لحل أزمة مقبرة طه حسين، وعدم نقله من مكانه، بل واستغلال المنطقة المحيطة بالمقبرة في الترويج السياحي وإنشاء مكتبة ومجتمع سياحي حول المقبرة، مع النظر بعناية إلى استراحة طه حسين بمنطقة “تونا الجبل” بمحافظة المنيا (جنوبي البلاد)، التي كانت شاهدة على أهم مؤلفاته.
وأضاف أن بلادا كثيرة لا تمتلك ما تمتلكه مصر من آثار وتفعل المستحيل لتحيلها لمزارات، مشيرا إلى أن منطقة صحراء المماليك على سبيل المثال بها كنوز سياحية تستطيع أن تجذب بها قطاع جنوب شرق آسيا، وتحتاج إلى تخطيط.
وبالعودة إلى أزمة مقبرة طه حسين، اقترح كتاب ومثقفون نقل رفات حسين إلى مقبرة جديدة تتم إقامتها أمام جامعة القاهرة، بما لها من رمزية كبيرة، حيث كان حسين أبرز رموزها التاريخيين.
ودعا الصحفي البارز وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني عبد العظيم حماد -في تصريحات صحفية- إلى إطلاق حملة اكتتاب بين المثقفين المصريين للمساهمة في نقل رفات عميد الأدب العربي إلى ضريح جديد يليق بمكانته في جامعة القاهرة.
من جهته، قال الكاتب والروائي يوسف زيدان “إن الأمة التي لا تحترم رجالها الرواد المبدعين لن يحترمها أحدٌ في العالمين”.