علي سلطان يكتب نساء يصنعن المستقبل بهدوء
شمال جامع الميناء البري بالخرطوم يتجمع الباعة في صف طويل ممتد ما بين الشارع الرئيس وشرقا حتى نهاية سور الجامع، يبيعون اشياء متنوعة ما بين ملابس واحذية و منتجات غذائية.. والشباب على الدرداقات يبيعون كل شئ من تفاح
وفول سوداني وتسالي وتمر وصمغ ونعناع.. وباعة الاطعمة والساندوتشات.. طعمية وسلطة واقاشي.. الخ.
وبين هؤلاء عدد غير قليل من ستات الشاي.. وكراسيهن تمتد على طول الشارع.
مابين جميع الباعة هنا وفيما بدا لي، علاقات ألفة، وتعاون ولطف.
لفت انتباهي الطفل ادم ذو الثلاث السنوات يزرع كل صباحا جيئة وذهابا هذه المنطقة الممتدة ما بين الشارع وشرق الجامع.
يلعب كما يحلو له وبمزاجه لا يمنعه احد، وتتابعه عيون حذرة من بعيد، تراقبه وتتدخل في الوقت المناسب إن استدعى الامر.
الطفل ادم الذي يحظى برعاية الجميع تتركه امه منذ الصباح في هذا المكان وتَواصل هي تحركها في تلك المنطقة تبيع
العطور المستوردة متجولة على قدميها.. تاركة ابنها بين ستات الشاي والباعة.. وهو محل اهتمامهم جميعا.
كنت قد جلست مع الاخ العزيز الاعلامي صلاح محمد الحسن منذ وقت مبكر في هذا المكان، وكان الطقس شتويا والمكان
مناسبا مع كراسي بلاستيك متينة لستات الشاي على عكس البنابر التي لم تعد مناسبة لنا في هذا العمر.
ما بين شاي وقهوة وحلبة طالت جلستنا وأحاديثنا في موضوعات شتى لا يربطها رابط.
تحاذبنا اطراف حديث متقطع مع ست شاي فاضلة وبحوارها ابنها ذي الاربعة عشر عاما.. وكانت تشكو عدم مواصلته الدراسة لكي يقوم بمعاونتها في مصروفات البيت بعد ان رقد زوجها مريضا طريح الفراش..وقالت إنه يتقاضي 15الف جنيه شهريا في
مصنع كرتون.. قلت لها:إنها لا تكفي مواصلات وفطور.. قالت: إن المصنع بجوار البيت وان مرتبه يساعد في حل بعض المشاكل.. وقلت لها: يمكن ان يواصل دراسته وهو يعمل.. قالت إن صاحب المصنع.. طلب منه مواصلة الدراسة وانه سيتكفل بدفع مرتبه شهريا مساعدة له.. ولكن رفض..!
عرفت منها ان لديها اربعة من البنين وخمسا من البنات.. منهن ثلاث متزوجات وهن خريجات جامعيات.. ولديها ابنة على وشك التخرج طبيبة وتدرس في احدى الجامعات في السعودية.. وهي تخطط لارسال احد ابنائها للعمل في السعودية.. اما ولدها
هذا الذي رفض مواصلة تعليمه فهي ستستخرج له جواز سفر قريبا ولديها خطة له لم تفصح عنها.
قالت: إنها تعمل في هذا المكان دون انقطاع 22عاما متواصلة وكانت هنا قبل ان يبنى الميناء البري في وضعه الحالي.. وكان والدها حارسا هنا.
ضحكت وقالت: إنها من عائلة مشهورة نساؤها بولادة التوائم فهي تؤام من ثلاث، بنتين و ولد.. وان اختها التوام ولدت ايضا ثلاثة توائم.. ومنحتها الحكومة في ولايتها بيتا حكوميا.. وان احدى بناتها ولدت ثلاثة توائم..وانها هي الرابعة بين نساء زوجها
الذي تزوج من بنات اعمامه وخالته.. وانهن يعشن مع بعضهن في تآلف ومحبه وليس بينهن عداوة..!وكلهن يعملن الا الزوجة الاولى فهي مريضة توقفت عن العمل.. وان غاية مرادها ان تتحصل هلى قطعة ارض كي تعيش فيها مع اسرتها.
انضمت اليها زميلتها في العمل، وانتقل الحديث الى الزواج والتعدد.. وقالت زميلتها في لهجة حادة: انها لن تسمح لزوجها مطلقا بالزواج مرة ثانية.. ولن ترضى ان تكون لها ضرة مطلقا..!!
تاملت حال الناس هنا رجالا ونساء والكل يعمل ويكسب رزقه حلالا طيبا بجهده وعرقه.. واسعدني ان هؤلاء النساء المكافحات القويات لديهن أهدافهن وخططهن للمستقبل في هدوء وصبر جميل.. والاهم ان لديهن احلامهن التي تجعل الحياة محتملة
وجميلة.. لهن التحية والتقدير.. ولكل إمراة تعمل وتشقى وتكسب مالا حلالا طيبا.