مقالات

علي سلطان يكتب ما علق على جدار الذاكرة

علي سلطان يكتب ما علق على جدار الذاكرة

 

هناك اشياء بسيطة سريعة عابرة تعلق وتبقى في الذاكرة او على جدارها حاضرة في لحظات كثيرة، ليس لها اثر كبير ظاهر ولكن لها اثرها الخفي الذي يؤثر بهدوء في سائر الايام.

مماعلق في الذاكرة وتذكرته فجاة قبل قليل مشهد قصير كأنه مقطع فيديو قصير جدا.. في مدرسة بنات شندي الاولية العريقة في حي اهلنا القرداب في شندي فوق.. تذكرت خطابا القاه الراحل المقيم الحكم الدولي النعيم سليمان رحمه الله

في مناسبة مسائية في تلك المدرسة، وكان خطابه الذي ادهشني وقتها وانا ابن تسع سنوات ربما، قد كان مخصصا للنساء الحاضرات دون الرجال.. فكان الخطاب جاذبا بنون النسوة.. اللواتي.. امهاتكن.. مدرساتكن.. طالباتكن.. ثيابكن.. الخ كان خطابا غارقا في التانيث ما بين تاء ونون..!

ولم يشفع وجود بضع رجال في تغيير التوجه نحو النساء الحاضرات فهذا حفلهن وحفل بناتهن..!!
وقتها أدركت انك هناك مخاطبة للنساء تختلف عن مخاطبة الرجال والذكور عموما.وهذا ما علق بذاكراتي حتى اليوم َتمييز تلك الفروق اللغوية بين المذكر والمؤنث.

قبل عقود وكنت مذيعا جديدا مستجدا في إذاعة ام درمان وكان يتاح لنا وقتها قراءة نشرة اخبار الثامنة وموجز الاخبار الاخير قبل نهاية الإرسال الاذاعي.. قابلني شاب من اصحابنا في شندي صدفة في شارع الجمهورية والسوق الافرنجي.. فسلم

عليّ بحرارة وشوق. ثم قال لي اسمعك هذه الأيام في الاذاعة.. ولكن ارجوك ان تصحح قولك.. قُبول.. والصحيح هو قَبول.. بفتح حرف القاق وليس بضمه..!! لم انس ذلك مطلقا.. ولم انس كذلك الاخ جعفر الذي صححني!!

ذات نهار كنت اقف في الطريق الرئيس الموصل الى راس الخيمة عند مدخل ام القيوين.. توقفت سيارة خاصة قرب قدمي على حافة الشارع، ثم طلب مني شخص ان اركب ان كنت متجها الى الشارقة، كان مواطنا اماراتيا

من راس الخيمة، بعد السلام والحديث عن السودانيين وعلاقاتهم الطيبة مع مواطني الامارات.
وعندما عرف انني اعمل مذيعا في اذاعة ام القيوين.. قال لي ضاحكا:هل انت المذيع صاحب امسِ او امسى.. قلت نعم.. فضحك وقال لي انت الوحيد بين المذيعين في إذاعات الدولة الذي يقول امسي ولا تقول امس.؟!

قلت له فعلا، لان الصحيح هو قول:امسي .
ثم تحدثنا في موضوعات شتى حتى انزلني في الشارقة حيث اريد.

عندما عدت للاذاعة في اليوم التالي وفي الأيام التالية كنت كلما اقول:امسي اتذكر وجه ذلك الرجل الطيب من راس الخيمة.
وكلما اكلت عصيدة دخن بملاح تقلية في ليلة شاتية، اتذكر تلك المرأة وابنتها الصغيرة في محطة( ما) توقفنا عندها قبل

عقدين من الزمان ونحن في طريقنا الى زريبة الشيخ البرعي بعربة خاصة.. وكان البرد شديدا وكذلك الجوع.. فوجدنا في عصيدة تلك المراة والشاي الساخن مائدة عامرة اسكتت الجوع والبرد.. وفي الطريق العودة عندنا اليها مجددا، وكلنا لهفة

وشوق الى عصيدتها وشايها حيث تغدينا هناك ومازال الطعم والمذاق والنكهة عالقين على جدار الذاكرة المرهقة.
.. وكلما اكلت عصيدة دخن تذكرت تلك المرأة الفاضلة وابنتها الصغيرة.. و ددت ان كتب الله رحلة مماثلة ان نعود الي ذلك

المكان.. وان نقف على اطلال ذكريات مضت.. وهناك بعض ذكريات عالقة تذكرني بالزير الندي الذي ينضح منه الماء وقد علق على سطحه الخارجي تلك الطحالب الخضراء وكأنها تشبيه لما علق بذاكرة صدئة ارجو ان لا يدركها زهايمر قريب إن شاء الله تعالى

إشتياق الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى