علي سلطان يكتب القطار المَرّا
تعلقت بالقطار.. كان مصدر بهجة وحركة والهام.. وكانت محطة شندي احدى المحطات المهمة للقطارات المغادرة الى الشمال حتى حلفا والى الشرق حتى بورتسودان.. وارتبطت حياة كثير ممن يعيشون في شندي بالمحطة والقطار.. يهرع البعض الى
المحطة مع موعد القطر الذي يصل في موعده تماما.. لاتأخير.. وهناك علاقة ما بين كل قطار وآخر .. فالقطار المسافر الى الشمالية له(ناسه) مستقبلوه ومودعوه وكذلك المغادر الى الشرق.. واشتهرت محطة شندي ببيع (الفراد) و(القنجه) التي كان يصنعها الاقباط في مناسجهم داخل بيوتهم..
كما اشتهرت بالطعمية ذات القرص الكبير وتشبه البيرقر.. مع (الدُقه).. ويمكث القطار في محطة شندي زهاء الساعة يتزود بالماء، حيث تم تملأ ازيار القطار الضخمة بالماء العذب.. واحيانا يلتقي في محطة شندي قطاران او ثلاثة قطارات، احد
القطارات يكون قادما من عطبرة والثاني قادما من الخرطوم وقد يكون الثالث قادما من احدى المدينتين، ويثير ذلك حيوية وحركة جميلة في المحطة حيث تتزايد المبيعات.. كان القطار وسيلتنا الوحيدة الى عطبرة وما بعدها شرقا او شمالا.. ولكن
الى الخرطوم هناك اكثر من وسيلة من بصات ولواري وغيرها.. ولكن القطار يكون مفضلا حين يكون للوالد رحمه الله تسريح او تصريح-لا اذكر- للسفر بالقطار مجانا او بربع القيمة فكنا نستفيد من هذه الميزة .. والميزة الاخرى وهي الاهم فهي الركوب
مجانا على سطح عربات القطار.. وهذا برعنا فيه واجدناه اجادة تامة.. وكنا نركض على سطح عربات القطر وهو يجري بأقصى سرعته ولا نخاف..! وكانت تلك الميزة يستغلها كثير من الناس خاصة ايام الاعياد فيكون من على ظهر القطر او سطحه اكثر من الركاب داخل العربات..
ولكن الحياة التي تجري داخل عربات القطار هي الاكثر متعة حيث يتعارف الركاب ويتبادلون( الزوادة) فيما بينهم خاصة في الرحلات الطويلة.. وكم من قصة حب بدأت داخل القطار واكتملت فصولها بالزواج في عطبرة او بورتسودان او كريمة.. وكم من
شجار بدأ في بداية السفرية وانتهي بعد فترة قصيرة بتعارف وسلام وكلام وكم من صداقات بدأت ثم تواصلت زمنا طويلا بين كثير من الناس.. والحياة داخل القطار تختلف اختلافا كبير بين ركاب الدرجة الاولى والثانية والثالثة والرابعة حسب الوظيفة
لاصحاب التصاريح والفلوس لمن يدفع وهناك حجز مسبق وتدقيق صارم عندما يهل الكمساري بزيه المميز وقاطعة التذاكر بين يديه وهي تشبه الى حدما ما مكنة الحلاقة في ذاك الزمان الجميل.. يبدا الهروب من الكمساري حينما يظهر في العربة او
االقمرة ويظل مستمرا حتى محطة الوصول.. ومازلت اذكر اجمل رحلة بالقطار كانت من شندي الى حلفا.. وكان ابطالها نحن اعضاء جمعية الجغرافيا في شندي الثانوية في مايو1973متجهين الى مصر في زيارة هي الاولى من نوعها لطلبة المدرسة
ومدارس اخرى..! تواصلت الرحلة بالقطار القشاش من اسوان وحتى القاهرة .. وكنا قد ركبنا الباخرة من حلفا الى اسوان.. كانت رحلة جميلة ضمت 22 طالبا ومشرفا.. مازلت اذكرها وكأنها اليوم.. ومازلت اذكر اغنية الفنان الراحل عثمان الشفيع ( القطار المرا) وكان منزله في شندي غير بعيد من شريط السكة الحديد حيث تمر القطارات يوميا.
تنوعت وتعددت القطارات التي اتخذناها وسيلة التنقل والسفر من أقدم القطارات الى أحدثها.. ومع ذلك ظل حب التنقل والسفر بالقطار قائما
.. وما زلت افضله على غيره من وسائل المواصلات الاخرى. ركبنا القطار من بكين الى قوانزو في عام2010، و وصلنا في 28 ساعة كاملة.. وفي العام 2015 ركبنا القطار الحديث (الطلقة) من بكين الى قوانزو، في ثماني ساعات فقط.
في السودان تدهورت السكة الحديد وتقهقرت الى الوراء فلم يعد هناك قطار ينهب الارض كما كان سابقا.. متى تعود السكة الحديد سيرتها الاولى.