
علماء التربية يحذرون: حان الوقت للتوقف عن التحليق فوق طفلك كطائرة “هليكوبتر”
يحلق معظم الأمهات والآباء فوق أطفالهم كطائرة “هليكوبتر” طوال الوقت بحجة حمايتهم.
في تقرير نشره موقع “ذي أتلانتيك” (The Atlantic) الأميركي، قال الأستاذ في جامعة هارفارد آرثر بروكس، “سواء أكنت أبا أو أُما، فإن خوفك من أن يحدث شيء لأطفالك سيكون هو الأكبر في حياتك”؛ مستندا إلى استطلاع نشرته صحيفة “ذا نيويورك تايمز” (The New York Times) الأميركية أُجري عام 2018 كشف أن “الآباء يقضون نحو 37 ساعة أسبوعيا في القلق على سلامة أطفالهم”.
ويمكن رصد آثار هذا القلق في سلوك الأبوة والأمومة الحديث، من خلال تقرير صدر في عام 2015 وذكر أن الآباء الأميركيين يعتقدون أن “الأطفال يجب أن يكونوا بعمر 10 سنوات، ليُسمح لهم باللعب في الفناء الأمامي من دون إشراف؛ و12 عاما للبقاء في المنزل بمفردهم لمدة ساعة؛ و14 عاما ليكونوا في حديقة عامة من دون إشراف”.
كما أشار مقال بحثي حول ما يُعلّمه الآباء لأطفالهم عن العالم، نُشر في عام 2021؛ إلى أن “53% من المشاركين يُفضلون ترسيخ الاعتقاد بأن العالم خطير في أذهان أطفالهم”؛ من منطلق أن هذه الطريقة تجعلهم أكثر يقظة وحذرا، ولكن “من دون أن يدركوا أن فكرة التخويف تضر بصحة أبنائهم وسعادتهم ونجاحهم”، بحسب بروكس.

شكل من أشكال العنف
تشير أدلة المقال البحثي السابق إلى أنه “بقدر ما نتوقع أن إقناع أطفالنا بأن العالم خطير قد يساعدهم، فإن ما يحدث هو العكس تماما؛ فيجعلهم أقل صحة من أقرانهم، وغالبا ما يكونون حزينين، وأكثر عرضة للاكتئاب، وأقل رضى عن حياتهم؛ كما أنهم يميلون أيضا إلى كره وظائفهم، ويأتي أداؤهم بشكل أسوأ من نظرائهم الأكثر إيجابية”.
كما أظهرت دراسة أجريت في عام 2018 أن “تعليم أطفالك أن العالم خطير يمكن أن يجعلهم أقل تسامحا مع الآخرين، وفي حالة توجّس دائم من المخاطر، وحرص مستمر على تجنبها”.
وهو ما ذكره الكاتبان غريغ لوكيانوف وجوناثان هايدت، في كتابهما الصادر في عام 2018، إذ “عندما يتعلم الشباب من الأسرة أو الأساتذة أن المعاملات والتفاعلات الإنسانية العادية خطيرة؛ فهذا يُعد شكلاً من أشكال العنف، يُعيق نموّهم الفكري والعاطفي، ويجعلهم أكثر قلقا في مواجهة الضغوط البسيطة”.
لذلك، تقول الدكتورة بيثاني كوك، المتخصصة في علم النفس العيادي، إنه “من الحكمة ألا يحوم الآباء فوق أطفالهم لمنع أي ضرر بدني أو عاطفي محتمل؛ لأن الأذى ببساطة جزء من الحياة”. وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون الهدف تعليم طفلك كيفية التعامل مع الخطر، ومنعه بشكل مستقل، قدر الإمكان”.

3 قواعد لكسر نمط الحماية المُفرطة
ولأن “غرس الأفكار القائمة على الخوف قد يؤذي الأبناء ويجعلهم أقل سعادة وأقل صحة، وأكثر تعصبا تجاه الآخرين”، بحسب بروكس، يجب على الآباء -وأي شخص يتفاعل مع الأطفال- كسر هذا النمط، والعمل بدلاً من ذلك على تنمية الشعور بالأمان؛ من خلال القواعد الثلاث التالية:
تخلص من قلقك أولاً
تُظهر البحوث أن “معظم الآباء ينقلون قلقهم إلى أطفالهم”، فيلقنونهم أفكارًا سلبية، ويُملون عليهم آراءهم الخاصة، التي تكوّنت بتأثير من قصف الأخبار والمعلومات”. وهو ما ربطته الدراسات بالضيق والقلق والاكتئاب، الذي يُصبح ملازمًا للآباء، “حتى عندما لا تكون الأخبار سلبية“.
ولتهدئة مخاوفك، بدلاً من نقلها لأطفالك؛ يمكنك ببساطة الاعتماد على الحقائق، لمواجهة تركيز وسائل الإعلام المستمر على الخوف والخطر.
ركّز على خطر محدد
إذا اقتضت الضرورة تحذير الطفل لجعله أكثر استعدادًا، فليكن التركيز على خطر واحد محدد، ليكون الطفل أكثر مرونة. فوفقًا للبحث، “يعتقد الأبوان أن التخويف الشامل يمكن أن يساعد في تعليم الأبناء الحفاظ على سلامتهم في وجه التهديدات”، لكنه في الواقع يجعلهم أقل قدرة على القيام بذلك. فمثلاً، بدلاً من قول: “سيحاول الجميع استغلالك”، نجعلها: “تجنب من يحاول استغلالك”.
تصدَّ لرسائل الخارج السلبية
في كل مساء تقريبًا يقص الأبناء على العشاء ما يتلقونه من رسائل سلبية خارج البيت؛ عن المخاوف والأشرار والمستقبل الكئيب وقوى الطبيعة الخطرة. هنا، عليكَ التصدي لمثل هذه الروايات المخيفة وتلطيف التهديدات التي تثيرها.

المخاوف الأكثر شيوعًا
استشار موقع “بيبي سنتر” (Baby Center) الدكتور ألفريد ساكيتي، طبيب الطوارئ في نيو جيرسي الأميركية، ومجموعة من الخبراء؛ لمعرفة أهم المخاوف الشائعة، وما يمكن القيام به للتغلب عليها. فجاء الخوف من تأخر تعلم الطفل في المقدمة؛ بتأثير من المسوّقين الذين يزعمون أن الألعاب والمنتجات التعليمية سوف تعلم الطفل بسرعة.
لكن الخبراء يقولون إن “أفضل ما يمكن فعله للطفل هو اقتناء أشياء أقل؛ وليس ملء اليوم بالنشاطات، وشراء كل لعبة تعليمية”، فقد اتضح أن “القليل من الألعاب يجعل الأطفال أكثر إبداعًا، ويُطوّر خيالهم”.
يأتي بعد ذلك الخوف من أن يؤذي أحدٌ طفلك أو يهاجمه. وأفضل طريقة للحفاظ على سلامة الطفل، وجعله أكثر أمانا، وفقا للخبراء؛ هي “مساعدته على تطوير الأدوات التي يحتاجها لحماية نفسه، وتثقيفه حول جسده بطريقة مناسبة لسنّه، وتشجيعه على طلب المساعدة إذا شعر بالخطر”.
ثم الخوف على الطفل من السمنة أو فقدان الشهية، ويمكن التغلب عليها “بمساعدته للحفاظ على نظام غذائي صحي، ونمط حياة نشط”.
كذلك الخوف من تعرّضه للتنمّر، ويمكن تجنبه “من خلال النقاش حول كيفية تعامل الطفل مع التنمّر إذا تعرّض له، وتطوير المرونة والمهارات التي يحتاجها لحماية نفسه”.
أما الخوف على الطفل من الحوادث والإصابات، فيمكن تفاديه “بالتزام قواعد السلامة المتعلقة بمقاعد السيارة وأحزمة الأمان وخوذات الدراجات؛ واحتياطات الأمان في أماكن الرياضة. فقد اتضح أن 40% من الأطفال الذين لقوا حتفهم في حوادث السيارات في الولايات المتحدة عام 2008 كانوا غير مقيّدين بمقعد السيارة أو حزام الأمان”.