الأخبارالإقتصادية

طفرة الوباء.. الشركات الناشئة تستمر في النمو بقوة

طفرة الوباء.. الشركات الناشئة تستمر في النمو بقوة

“أعتقد أن الوباء أجبرنا على ذلك إلى حد ما، لقد أعطانا دفعة حيث كنت أرغب دائما في القيام بشيء ما، لكنني كنت خائفا جدا لأنني لم أكن أريد أن أفقد استقرار وظيفتي”

يبدو أن جائحة فيروس كورونا قد أطلقت العنان لموجة عارمة من أنشطة ريادة الأعمال، مما كسر ركود الشركات الناشئة في الولايات المتحدة والذي دام عقودا ولو مؤقتا على الأقل.

فلقد قدم الأميركيون أوراقا لبدء 4.3 ملايين شركة خلال العام الماضي وفقا لبيانات مكتب الإحصاء، وهي زيادة قدرها 24% عن العام الذي يسبقه، وتعتبر أكبر زيادة منذ أن بدأت الحكومة في التسجيل قبل عقد ونصف العقد.

ويبدو أن الطلبات في العام الجاري في طريقها لتكون أعلى من هذه الزيادة.

إن هذا الارتفاع يعد تحولا مذهلا وغير متوقع بعد انخفاض استمر 40 عاما في ريادة الأعمال في الولايات المتحدة، ففي عام 1980 كان 12% من أرباب العمل من الشركات الجديدة، وبحلول عام 2018 -وهو آخر عام تتوفر فيه البيانات- انخفضت هذه الحصة إلى 8%.

لقد أثار ذلك التراجع الطويل قلق الاقتصاديين، لأن الشركات الناشئة تعد مصدرا رئيسيا لنمو فرص العمل والابتكار والمرونة الاقتصادية، ولو عُكس هذا التراجع فمن الممكن أن يساهم في تكوين اقتصاد أكثر ديناميكية وإنتاجية يمكنه أن يتعافى بسهولة من حالات ركود مستقبلية.

وقال جون ليتيري الرئيس والمدير والتنفيذي لمجموعة الابتكار الاقتصادي (Economic Innovation Group) -وهي منظمة بحثية مقرها واشنطن العاصمة- “لقد فرض الوباء إعادة تنظيم كبيرة لم نكن لنشهدها في أي وقت آخر”.

وأضاف “آمل أن تكون هذه هي اللحظة الحاسمة التي ينكسر فيها التحجر”.

هذا ومن السابق لأوانه الإعلان عن انتهاء مرحلة الركود، إذ يسجل مكتب الإحصاء أوراق تقديم الشركات كل أسبوع، ولكن لا تتحول جميع الطلبات تلك إلى شركات حقيقية أو تؤدي إلى توظيف، ولن تكون البيانات المتعلقة بتأسيس الشركات الفعلية متاحة لعدة سنوات، وحتى إذا ثبت أن الانتعاش حقيقي فقد يختفي بسرعة مع إعادة فتح الاقتصاد وعودة الأشخاص الذين بدؤوا شركاتهم أثناء الوباء إلى أشكال التوظيف الأكثر تقليدية.

ومع ذلك، فحتى الآن أثبتت الطفرة في ريادة الأعمال أنها أوسع وأكثر ديمومة من توقعات المتشككين في أول الأمر، حيث تحققت العديد من أكبر النجاحات في الصناعات التي تأثرت بشدة بالوباء، مثل تجارة التجزئة، والخدمات الغذائية وخدمات التوريد.

لكن كانت هناك أيضا مكاسب كبيرة في قطاعات التصنيع والتمويل والبناء وغيرها، ولا يبدو -حتى الآن على الأقل- أن إعادة فتح الاقتصاد ستسحب الناس بعيدا عن ريادة الأعمال، فقد بلغت نسبة الموظفين الذين قالوا إنهم يعملون لحسابهم الخاص أعلى مستوى لها في 8 سنوات في يوليو/تموز الماضي.

وقال جون هالتيوانغر الاقتصادي في جامعة ميريلاند والذي كان من بين أول من وثقوا عملية التراجع في ريادة الأعمال إن “هناك أدلة على أن هذا ليس مجرد أمر عابر وحسب”.

وحتى العام الماضي، كان أمية عطوت وإلين هودجز يعيشان حياة تقليدية كالعديد من الموسيقيين الطموحين في مدينة نيويورك، حيث لديهما وظيفتان وأحلام، فكانت هودجز (27 عاما)- تعمل في مقهى بمانهاتن، أما عطوت (32 عاما) فقد كان يعمل مهندسا مدنيا في شركة أمتراك (Amtrak).

وقام الاثنان -اللذان تزوجا لاحقا- ببعض الحفلات في جميع أنحاء المدينة، حيث يعزف كلاهما على الغيتار والقليل من البيانو، وتقوم هودجز بالغناء، مع آمال في الانطلاق عالميا، لكن بلا توقع حقيقي لفعل ذلك.

لكن عندما انتشر الوباء أرسل المقهى العمال لمنازلهم، وتم تخفيض راتب عطوت، وبينما هما في المنزل طوال اليوم مع عدم تأكدهما من الدخل بدأ الزوج في التعاطي مع احتمالية الحصول على مهنة في الموسيقى بجدية أكبر، فأسسا شركة سونغلوريوس (Songlorious) وموقعا إلكترونيا، حيث يكتبان الأغاني المخصصة لحفلات الزفاف وأعياد الميلاد والمناسبات المماثلة.

وفي غضون أسابيع كانت لديهما أعمال أكثر مما يمكنهما إدارته، فبدآ في التعاقد مع موسيقيين آخرين للمساعدة.

وفي الخريف الماضي، ترك عطوت وظيفته في “أمتراك” للسكك الحديدية للتفرغ والعمل في مشروعه بدوام كامل.

وقال عطوت “أعتقد أن الوباء أجبرنا على ذلك إلى حد ما”. وأضاف “لقد أعطانا دفعة حيث كنت أرغب دائما في القيام بشيء ما، لكنني كنت خائفا جدا لأنني لم أكن أريد أن أفقد استقرار وظيفتي”.

ومن نواح كثيرة، تعتبر “سونغلوريوس” شركة نموذجية للشركات الناشئة في عصر كورونا، فهي تعمل عبر الإنترنت فقط في مجال الفنون، وهو المجال الذي ارتبك بشدة بسبب الوباء.

كما بدأ مؤسسا الشركة العمل جزئيا على الأقل بسبب الاحتياج المالي، وعلى الرغم من أنها بدأت في نيويورك فإنهما يبنيان الشركة في مدينة متوسطة الحجم هي تشاتانوغا بولاية تينيسي، حيث انتقلا إلى هناك في ديسمبر/كانون الأول الماضي بحثا عن تكلفة معيشية أقل.

وتشير الأدلة المبكرة إلى أن الزيادة في الشركات الناشئة كانت الأقوى خارج قلب المدن الكبيرة التي تضررت بشدة من نزوح الموظفين العاملين في المكاتب، ولربما كانت هذه الزيادة مدفوعة إلى حد ما بحالات تسريح العمال التي تركت ملايين الأشخاص عاطلين عن العمل في وقت مبكر من الوباء.

ووجد الباحثون في مؤسسة كوفمان (Kauffman Foundation) أن حوالي 30% من رواد الأعمال الجدد في العام الماضي كانوا عاطلين عن العمل عندما بدؤوا شركاتهم، وهي نسبة تعادل تقريبا ضعف معدل فترة ما قبل الوباء.

كذلك أدى الركود السابق قبل أكثر من عقد من الزمان إلى فقدان ملايين الوظائف، لكن ريادة الأعمال -من خلال مجموعة متنوعة من الإجراءات- تراجعت بشكل حاد ولم تنتعش الا ببطء، وقد صاحب ذلك في حينها أزمة مالية وانهيار في قيمة المساكن، مما جعل من الصعوبة بمكان الحصول على رأس مال لتأسيس الشركات.

ربما كانت هذه المرة مختلفة جزئيا لأن رواد الأعمال المحتملين كانوا أكثر ميلا لامتلاك الموارد الكافية لمتابعة أحلامهم، وقد ساعدت الإجراءات السريعة التي اتخذها الاحتياطي الفدرالي على منع حدوث أزمة مالية، وازدهرت أسعار المنازل.

كما وزعت الحكومة مئات مليارات الدولارات على شكل إعانات بطالة وشيكات مباشرة للأسر ومساعدات أخرى.

وقال عطوت إن شيكات التحفيز الفدرالية ساعدته مع هودجز على تغطية نفقاتهما أثناء إدارة مشروعهما.

ويصف العديد من رواد الأعمال أيضا عاملا يصعب قياسه بشكل كمي، إذ دفع الوباء واضطراباته العديد من الأشخاص إلى إعادة تقييم حياتهم والنظر في مسارات مختلفة.

ولا يزال بعض الاقتصاديين متشككين في الأهمية طويلة المدى لازدهار الشركات الناشئة، حيث إن جزءا كبيرا من الشركات الجديدة هي عبارة عن ملكية فردية، والعديد منها في مجال التجزئة، وهو ما قد لا يعني شيئا أكثر من بيع المنتجات اليدوية عبر الإنترنت.

كما أن شركات أخرى ببساطة تحل محل بعض تلك التي فشلت خلال الوباء، مثل المطاعم الجديدة التي تستحوذ على مواقع تلك التي أغلقت، وهذا أفضل من مناطق وسط المدن المليئة بلافتات “للإيجار”، لكن هذا ما لا يعكس موجة من الابتكار.

قال جون ديري رئيس مركز ريادة الأعمال الأميركي -وهو منظمة ناشطة في المجال- إن “السؤال الكبير هو: كم عدد هذه الشركات ستسبب ضجة بالشكل الذي يؤثر فعليا في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل؟”.

وأضاف “لا أعتقد أن هذا يمثل عكسا جوهريا لذلك الاتجاه المستمر لعدة عقود” من تراجع ريادة الأعمال.

لكن آخرين يجادلون بأن الوباء قد تسبب في تغييرات دائمة في الاقتصاد بشكل شبه مؤكد، مثل تسريع التحول إلى البيع عبر الإنترنت، وفتح المجال للمزيد من العمل عن بعد، فعلى الأقل يستجيب بعض رواد الأعمال في فترة الوباء هذه لتلك التحولات وسوف يساعدون في تشكيلها.

© مؤسسة نيويورك تايمز 2021

نقلتها للعربية صفحة ريادة الجزيرة

المصدر : نيويورك تايمز

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى