ضابط سجون سابق يكشف المثير حول بيئة السجون بالسودان (١-٢)
الخرطوم:العهد أونلاين
د. أسامة سعيد الحسن لصحيفة العهد الالكترونية:
- نؤكد أن مدير سجن كوبر لن يتورط في إدخال موبايلات لنزلاء العهد البائد لانه يعلم أن في ذلك مخالفة للأنظمة.
- الحكم على بناء سجن جديد بسوبا أنه خطوة غير ضرورية سطحي وفطير
دمج قوات الشرطة أصاب إدارة السجون بضرر كبير وأثر في مهنيتها - رجال السجون يقومون بجهد إصلاحي كبير رغم ضعف الميزانية
- سجوننا متهالكة تفتقر لتصنف النزلاء حسب درجات إجرامهم رغم المحاولات
- الضباط كانوا يتخرجون على أعلى مستوى لكنهم يفتقرون للتدريب المستمر لمواكبة الأنظمة الحديثة في إدارة السجون
نقوم بتوجيه النزلاء بحقهم في الاستئناف أو الاسترحام وما هو متوقع منها - هنالك مساعي لانشاء معهد سجون ببحري لسد فجوة إلغاء كلية السجون
- سجن النساء احتياجاته أكبر من سجن الرجال والحرص عليهن أكبر
- الإصلاحيات كانت تابعة لإدارة السجون وتحتاج أيضا لميزانيات أكبر لتقوم بدورها
** ضيفنا في هذا الحوار هو شخص شديد الدراية بأحوال السجون لانه خريج كلية السجون الدفعة ١٣، عمل بعدد من سجون السودان ويعرف كل شيءٍ عن بيئة السجون، كان الغرض من الحوار معه هو تحليل خبر اكتشاف وجود أجهزة موبايل مع المخلوع البشير ورفاقه، بالإضافة لسؤال آخر حول ضرورة بناء سجن جديد بسوبا، لكن الحوار تمدد بحديثه الشيق والثر حول السجون فكان لنا معه الحوار التالي:
حاوره: مصطفى نصر - سؤالنا الأول عن نبأ تسرب أجهزة هواتف سيارة بيد المخلوع ورفاقه بسجن كوبر هل هي مسؤولية مدير السجن؟
- اؤكد أن مدير السجن والضباط لن يكون لهم أي صلة بهذا الموضوع، وقد تكون كل المسألة من تدبير بعض ضعاف النفوس من الجنود والصف، وأركز هنا على كلمة (بعض) لأن ٩٥٪ أو اكثر من ذلك، ممن كان لي شرف العمل معهم من ضباط الصف والجنود لا تنطبق عليهم صفة ضعفاء النفوس، بصراحة لا أعتقد أن مدير السجن له دراية بذلك لأن المسألة فيها مخالفة للقوانين والأنظمة.
- أنباء افتتاح سجن جديد بسوبا كان محل استهجان رواد مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار ان أول إنجاز لحكومة الثورة كان من المفترض أن يكون. لجامعة او مستشفى وليس سجنا؟
هذا. بصراحة رأي سطحي وفطير، إذ أن من حق نزلاء السجون وهم جزء من النسيج الاجتماعي للمجتمع أن يتم الاهتمام بهم ويعاد تأهيلهم ليعودا للمجتمع كمواطنين صالحين، وهنا يبرز سؤال هام حول أهمية الإنسانية وتعاليم الإسلام التي تحض على تكريم بني آدم، وتوفير مقر لائق به حتى وهو مقيد الحرية، والا أين ستذهب بهم؟ فاليعلم الجميع أن مبنى السجون ليس أقل أهمية من أي مرفق حكومي آخر. - هل العاملون بالسجون مؤهلون لتأهيل السجناء وإصلاحهم فعلا؟
- هذا سؤال يحتاج لوقفة تاريخية، إذ أن في أول خطوة مع إنشاء السجون انتدب الاستعمار لها موظفين من جهات حكومية كانوا يديرون السجون بحسب خبراتهم في العمل الوظيفي، لكن نشأت حاجة لتأهيل هولاء العاملين أثناء الخدمة بإضافة خبرات خاصة بالسجون وقوانينها ولوائحها وتعاملها مع المؤسسات العدلية الأخرى، والنواحي الأمنية المتعلقة بحمايتها، فاستقر الرأي على إنشاء مدرسة متخصصة للسجون في بورتسودان لمدة سنتين، لدراسة العلوم العسكرية والقانونية المتعلقة بإدارة السجون وقوانينها ولوائحها، وفيما بعد تحولت هذه المدرسة إلى كلية متخصصة في إدارة السجون لم تقف الدراسة فيها عند حدود العلوم العسكرية والإدارية وحسب، بل وامتدت للدراسات النفسية والاجتماعية والاقتصادية لأن السجن مؤسسة إصلاحية من جهة، وأيضا مؤسسة إنتاجية كانت سابقا قبل بيع معرضها وورشها من نظام الانقاذ، تمد ميزانية الدولة بموارد مالية معتبرة، وبذا يحتاج ضابط السجن لخبرات في إدارة الموارد البشرية والشؤون المالية والإدارية، وشيء من علم النفس وعلم الاجتماع، بالإضافة طبعا للدراسات القانونية وتنفيذ أحكام القضاء، وعلاقه السجون بالقضاء والنيابة وغيرها من المؤسسات العدلية، واستمرت كلية السجون بالمقرن، وخرجت ١٤ دفعة في الجوانب العسكرية والإدارية، وتوقفت بعد ذلك في دفعة رقم ١٤، حين جعلت الإنقاذ الشرطة موحدة، فألغت الكلية، وباعت المؤسسات الإنتاجية لإدارة السجون، وهنالك بشريات سارة بأن جهودا تجري الآن لإعادة إنشاء معهد للسجون ببحري لسد الفجوة التي حدثت من إلغاء الكلية.
- هل أثر دمج الشرطة سلبيا على إدارة السجون؟
- بدون شك الدمج أثرٍ على التخصصية والمهنية والتركيز بصورة كبيرة، إذ كان من أكبر خسائرنا الفادحة ان فقدنا أميز كلية لضباط السجون لا أبالغ ان قلت في الوطن العربي وأفريقيا قاطبة، لأنها كانت تستقبل زملاء من الخليج والوطن العربي عموما، وافريقيا، كما فقد إخوتنا في الدفاع المدني أيضا اميز كلية متخصصة في مجالها، وأصبح كل ضباط الشرطة يتخرجون من كلية واحدة، وهي كلية عامة مختلفة من حيث الثقافة والتربية والأهداف، فمهمة ودور وأداء ضابط السجون مختلف عن مهمة الشرطة العامة، إذ يبدأ دورهم من حيث ينتهي دور الشرطة العامة في الضبط والإحضار والتحريات والتحقيقات والكشف عن الجريمة ووصول القضية إلى النيابة والقضاء وصدور الحكم من القضاء، فالدمج حرم السجون والدفاع المدني وشرطة الحياة البرية وشرطة الجمارك من تخصصيتها التي توائم طابعها الخاص من حيث الدور والوظيفة، هذا هو تقييمي العلمي الموضوعي لآثار الدمج التي قزمت قوة السجون من قوة تابعة إلى وزير الداخلية مباشرة إلى إدارة صغيرة.
- لماذا يجهل المواطن العادي بل حتى المسؤولين في مواقع صنع القرار بهذا الدور المتعاظم لقوات السجون أين الجانب الإعلامي والتثقيفي؟
- هذا أيضا من الآثار السلبية لقرار دمج الشرطة، إذ أن قوة السجون قبل الدمج كان لديها إدارة متخصصة للإعلام والعلاقات العامة تقوم بدور كبير في هذه المساحة الهامة، فقدت دورها الآن مع ضعف الامكانيات الذي جعلها في درجة متأخرة في سلم الأولويات.
- ما هي المشاكل التي تواجه السجون؟
- مشكلتنا أولا أن الميزانية التي ترصد للسجون ضعيفة لا تتناسب مع مسؤوليات إصلاح النزيل وتدريبه وتأهيله، أضف الى ذلك أن أكثر السجون متهالكة، لأن أكثرها بنيت في عهد الاستعمار الإنجليزي ولم تتم فيها مراعاة الجوانب الأمنية والفنية والصحية وجوانب تصنيف النزلاء حسب درجاتهم من نزلاء لأول مرة وعائدين ومترددين، مما يخلط الحابل بالنابل، سوى أن هنالك جهود الآن لتصنيفهم، رغم ان تصميم السجون نفسها قد يكون عائقا للتصنيف، أضف إلى ذلك أن الضباط بعد التخرج يجب أن يتواصل تدريبهم بالداخل والخارج للإلمام بأحدث النظم في إدارة السجون والالمام بالأنظمة الالكترونية الحديثة التي استجدت، كما ان هنالك هوة ساحقة بين تدريب الضباط وتدريب ضباط الصف والجنود، فهم نسبة لضعف الموازنة لا يجدون حظهم من التدريب في كل المجالات اللازمة في السجون نفسيا واجتماعيا وفي النواحي المالية والإدارية، مما يضطر إدارة السجون للاستعانة بانتداب متخصصين من جهات أخرى مثل الباحثين الاجتماعيين والاخصائيين النفسيين وموظفين إداريين ومحاسبين.
- وماذا ينقصكم في مجال التدريب؟
السجون يجب أن تكون مراكز بحث علمي متخصصة ذات صلة بالجامعات السودانية، لتأهيل القوة وعمل دراسات ميدانية تطبيقية لطلاب البكالوريوس والدراسات العليا في مجال السجون لطلاب القانون وعلم النفس وعلم الاجتماع، فالسجن بيئة جيدة للدراسات في كل هذه المجالات، وهو بئية غنية بمختلف فئات الشعب السوداني. أضف إلى ذلك ضرورة إعادة معارض السجون وعودة الورش التدريبية لادارة السجون، لأن الدور الأهم للسجون هو إعادة تأهيل النزيل وإعداده للاندماج في المجتمع بصنعة تضمن له حياة كريمة ومهنة شريفة. - حدثتنا عن ان الموازنة ضعيفة ألا تعطى السجون موازنة كافية؟
ضعف الموازنة سببه قصور فكري إذ يرى كثير من الناس من بينهم مسؤولين كبار أن الصرف على السجون ليس من الأولويات وهدر للموارد، في ظل دولة لها متطلبات يرونها أهم، إذًا فان الميزانية أقل من الطموح، فالسجون متهالكة وليست ذات بيئة جيدة من ناحية تهوية ولا من ناحية امكانيات تساعد على الاصلاح، كما انها لا تصنف السجناء بحسب درجتهم في ارتكاب الجريمة بين من جاء لأول مرة ومن هو عائد للسجن بعد المرة الاولى، وفئة ثالثة وهي مترددي السجون وهذه البيئة لا تساعد على التأهيل لأن المخالطة بين المجرمين بدون تصنيف، ووجود المجرم الكبير مع المبتديء قد ينقل لهم خبرات أكبر في الجريمة، فبدلا من أن يتخرج وقد تم تأهيله لعدم العودة للجريمة يتخرج وقد اكتسب خبرات إجرامية أعلى.
لماذا تحتاجون لميزانية اكبر؟
اىلتكانت - يقال أن السجون درجات، فسجن الملاحات بورتسودان وشالا هي الأقسى من بقية السجون؟
أنا شخصيا لا أتفق مع هذه التصنيفات، فكبت الحرية قاسي أيًا كان السجن الذي تحبس فيه، فهو في النهاية سجن وتقييد للحرية. وستمر عليك الأيام بطيئة وقاسية حتى لو حبست في فندق خمس نجوم.
يقال أن سجون النساء أسهل إدارة من سجون الرجال؟
أنا ايضا لا اتفق مع مثل هذه التصنيفات، بالعكس أنا أرى أن سجون النساء تحتاج إلى متطلبات أكبر لطبيعة النساء المختلفة عن الرجال والحرص عليهن أكبر وتوفير متطلباتهن لان بعض النزيلات يرافقهن أطفالهن - هل تقومون بتقديم المشورة القانونية للنزلاء حول حقهم في الاستئناف؟
نعم نساعد من يرى أنه مظلوم بحقه في الاستئناف ونبصره بأن الاستئناف قد يؤدي للبراءة وقد يؤدي أيضا لزيادة مدة السجن وقد يؤدي اليه لإعادة القضية لمحكمة الموضوع، أمًا المقتنع بالعقوبة فتبصره بإمكانية تقديم استرحام يخفف العقوبة بسرد أسباب انسانية بكونك العائل الوحيد للأسرة الخ..
*