صلاح الدين عووضة يكتب : سماوي !
صلاح الدين عووضة يكتب : سماوي !
أو كحلي..
أو ربما رمادي..
فأي لون من الألوان هذه يصلح عنواناً لكمتنا اليوم..
فضلاً عن كلمة كراسي..
فهي تصلح – أيضاً – ليكون العنوان : كراسي ؛ أو الكراسي..
أو سماوي…وكراسي..
وقبل أن ندخل في موضوع كلمتنا نبدأ بالتمهيد التشبيهي هذا..
أو فلنقل : التمهيد النفسي..
فقد كان ببلدتنا – في زمن مضى – حسناء تمنى القرب منها كثيرون..
سواء القرب بزواجٍ…أو حبٍ…أو حتى نظرة..
ولسان حالهم يردد مع وردي : لو بنظرة حتى عابرة قول أحبك..
سيما حين تعبر إلى مدرستها صباحاً..
فيعبر معها البعض ؛ ويزفها إلى غاية باب المدرسة..
يعبرون بجوارها…ومن أمامها…ومن خلفها…ومن بين يديها..
ولكن نظراتها لا تعبر حدود حيائها أبداً..
ولا حدود طريق مدرستها…الثانوية العامة آنذاك..
ثم سمحت – أخيراً – بأن يقترب منها أحدهم…ويتقرب إليها..
وكان خارج دائرة المتحلقين حولها..
فنفثوا فيه سمومهم…وصوبوا نحوه سهام مقتهم…وجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم..
ثم تعزوا ببصيص أمل..
أمل أن لا يتم الزواج ؛ ورأوه كضوء يلوح لهم في نهاية نفقٍ كنفق حمدوك..
نفق أحزانهم…وآلامهم…وغيرتهم..
قالوا – أولاً – أنها سترفضه..
فهي ذات جمال ؛ وهو غير ذي وسامة تناسب ملاحتها..
فلما لم تفعل قالوا إن عمها – والذي يريدها لابنه الوحيد – سيغضب..
فلما لم يفعل قالوا لنبيننَّ لها سوءاته..
وبعثوا لها خطاباً إثر آخر – يحوي قبيح خصاله – مذيلاً بعبارة فاعل خير..
فلما لم تُجد نفعاً – الخطابات هذه – ترقبوا..
فقد يحدث شيء – أي شيء – في آخر لحظة فيُفسد هذا الزواج..
ولكن لم يحدث شيء…أي شيء..
وجاءت الليلة المنتظرة ؛ وجلس أصحابنا على الكراسي ينتظرون..
أو الأرائك ينظرون..
ثم وجدوا ضالتهم في شيء..
كان شيئاً صغيراً…ورأوه كبيراً…فمثل لهم بعض عزاء في فقدهم الجلل..
كان يرتدي جلباباً سماوياً عوضاً عن الأبيض..
واللون السماوي كان موضة للجلاليب – والعراريق – في ذياك الزمان..
ولكن ليس جلابية العرس..
وإلى أن رُزق بمولوده الأول ما زالوا يطرقون على وتر الشيء هذا..
فيسخرون…ويضحكون…ويشمتون..
ويقابل هؤلاء – في أيامنا هذه – القطيع…والفسافيس…وذوو الاهتمام بالصغائر..
وصغيرة قصتهم هذه التي نرويها بعد مقدمة طويلة..
صغيرة صغر ردود أفعال عشاق حسناء بلدتنا أولئك بعد ضياعها منهم..
فهم راهنوا على عدم تقبل البرهان خارجياً..
وذلك بعد ضاعت من بين أيديهم سلطة كانوا هم السبب في ضياعها هذا..
وفرطوا في كراسٍ كانت من تحتهم..
حتى وإن بدت فارغة جراء فراغ عقولهم…وسياساتهم…وأفكارهم..
فلما انتوى المشاركة في تشييع إليزابيث قالوا لن يذهب..
فلما ذهب قالوا لن يستقبلوه..
فلما استقبلوه ترقبوا شيئاً – أي شيء – ينتقص من الزيارة هذه لبريطانيا..
فوجدوا ضالتهم في لون بدلته..
فضحكوا…وسخروا…وشمتوا ؛ وقالوا إن لونها سماوي وليس أسودَ..
والسواد هو لون الحداد ؛ عالمياً..
وربما قالوا إنه كحلي – أو رمادي – لا أذكر…كما لم أتابع مراسم التشييع..
ولو أنني فعلت للحقت بالملكة الراحلة..
فهي طويلة…ورتيبة…ومملة…لدرجة أن أحد حاملي النعش أُغمي عليه..
وكأني بالجثمان نفسه تمنى أن لو يُدفن سريعاً ليرتاح..
ثم زعموا أن البرهان لن يذهب إلى نيويورك ليخطب في الأمم المتحدة..
فلما ذهب قالوا لن يرحبوا به..
فلما رحبوا ترقبوا – كعشاق فتاة بلدنا تلك – شيئاً…أي شيء يسعدهم..
فوجدوه في الكراسي…الكراسي الفارغة..
أو هكذا قالوا وهم يسخرون…ويضحكون…ويشمتون…ويفرحون..
ولا أدري كيف تصفق الكراسي الفارغة؟..
ومشاركة مني في فرحهم هذا أقترح عليهم إقامة حفلٍ صاخب..
ثم الجلوس على كراسٍ لن تكون فارغة..
لن تكون فارغة فراغ كراسيهم التي كانوا يجلسون عليها..
ثم لا يفعلون شيئاً سوى التشبث بها..
ثم زيادة جرعة فرحهم هذا بالاستماع إلى مغنٍ يردد ما يطربهم..
ومن بين ما يردده أغنية لإبراهيم حسين..
أغنية يقول أحد مقاطعها : حليلك وانت جنبي..
بالزي السماوي !.
المصدر : الصيحة