صلاح الدين عووضة يكتب : زي!
صلاح الدين عووضة يكتب : زي!
وغنى النعام:
وين يا ناس سمح الزيْ… البارى أمه دابه جِدّيْ
وكلمة ناس هنا أحللناها محل اسم الجلالة؛ فلا يصح أن نسأل الله عن سمح الزي..
فمن معاني مفردة زي – إذن – الهندام..
أو هو أحد معنيين معروفين؛ والثاني بمعنى التماثل… أو التشابه… أو التطابق..
ولكن هنالك معنى ثالثاً يتفرّع من الثاني هذا..
ويعني كأنه هو بيد أنه ليس هو؛ بمعنى أنه ما من جزم… ولا توكيد… ولا يقين..
وهو معنى حديث؛ وجرت به الألسن كموضة..
كموضة كلامية؛ مثل تساؤل (فهمت عليّ؟) – بمعنى فهمتني؟ – المنتشرة الآن..
وصار موضة شعرية كذلك..
كأن يقول الشاعر عزمي أحمد خليل (شاعر رغم حبي أني زي الما حبيبك)..
ونسي أن الوضع هنا لا يحتمل حالة (اللا أدرية)..
فإما أنك حبيبها… أو لست حبيبها؛ ولا معنى لشعورك بالشك في حقيقة شعورك..
كما باتت موضة للشاعرين كذلك..
ولا نعني الشعراء؛ وإنما الذين يشعرون بأن ثمة شعوراً ما – أياً كان -يتملكهم..
ولكنهم – وفي غرابة شديدة – ليسوا على يقين منه..
فيعبرون عن الشك الشعوري هذه بـ(زي)؛ هرباً من تحديد شعورهم بالضبط..
فيقول لك أحدهم – مثلاً – (شاعر زي اللي أني جعان)..
أو ربما شبعان… أو عطشان… أو بردان… أو سجمان… أو أي شيء غير ذي جزم..
تماماً كمفردة (هناي) العجيبة..
فهي مثل (زي) – عند الشعراء… والشاعرين… والمتشاعرين – لا معنى لها..
وتدل – أيضاً – على حالة توهان ذهني؛ أو مشاعري..
وصاحبها يفترض فيك أن تملأ مساحةً خالية من كلامه؛ عجز هو عن ملئها..
أو أن تضع نقاطاً على أحرفٍ؛ نسي هو وضعها..
أو أن تكون حاوياً فتعلم ما في جوفه من حقائق (هنايات)؛ لم ينطق بها لسانه..
أو أن (تفهم عليه)؛ رغم أن كلامه غير مفهومٍ أصلاً..
وليس أسوأ من الأداة (زي) – والمفردة (هناي) – إلا عبارة (فهمت عليّ؟) هذه..
وليس أسخف من ذلكم كله إلا تعطيش الجيم..
فمن موضات هذا الزمان الكلامية – أيضاً – استلاف اللسان اللبناني؛ استلاباً..
مع أن صحيح لغة الضاد ليس فيها تعطيشٌ لحرف الجيم..
ولا يعطشها أيٌّ من شعوب العرب – شرقاً وغرباً – إلا أهل شارع الحمراء هؤلاء..
وبعضنا – بغباء شديد – يقتدي بهم الآن..
وربما يظنون بذلك أنهم (زي اللي صاروا يشعرون بأنهم تشبهوا بنسل قحطان)..
والبارحة لامني أحدهم بمظنة أنني تغيّرت..
ويعني تغيراً سياسياً بالطبع؛ في حين أنني (لا غيرتني ظروف لا هزتني محنة)..
فالمبادئ هي نفسها؛ والقناعات… والأفكار..
ورأيت أن أبدو (زي اللي ما فهمت عليه)؛ بما أن سؤاله لا يستحق رهق الإجابة..
فقلت له: صحيح أنني تغيّرت اليوم..
وأشرت إلى جلابية بيت – أنيقة – أتتني هدية من الخارج؛ وارتديتها لأول مرة..
كما أشرت إلى قدمي أيضاً؛ حيث زوج نعالٍ جديد..
و(شعرت زي) كأني أنافس – من حيث الأناقة – التي قال فيها النعام (سمح الزي)..
ومضيت قائلاً لسائلي هذا: تغير مني شيئان؛ نعلٌ..
وزي!.
المصدر : الصيحة