صفقة “مشبوهة ” تحدّت القوانين
فول سوداني فاسد.. يغزو أسواق الخرطوم
السلطات قضت بإبادته وتجار يبيعونه لجهات تعمل في صناعة “الدكوة”
حماية المستهلك: بطون السودانيين أضحت مكب نفايات الرأسمالية المتوحشة
قانوني: مثل هذه الصفقات تندرج تحت طائلة الشروع في القتل
غرفة الزراعة والإنتاج الحيواني تتهرب والمواصفات تتأخر في الرد
الخرطوم: إنتصار فضل الله
صفقة “مشبوهة ” بكل المقاييس، ضربت بالأخلاق عرض الحائط وتحدت كل القوانين التي تمنع استيراد وتصدير واستخدام اي سلعة “تالفة”، هذه الصفقة تم بمقتضاها بيع أطنان من الفول السوداني “المتعفن والتالف” في أسواق بولاية الخرطوم قبل أسابيع من قبل مجموعة تجارية لجهات متخصصة في طحنه وتصنيع “الدكوة” وتوزيعها على المحلات التجارية . فمن المسؤول؟ ومن المستفيد؟ وما هي الأضرار وغيرها من الاستفهامات يجيب عليها هذا التحقيق :
تعود خلفية القضية إلى خبر تداولته الاسافير الاسبوع الماضي احتوى معلومات خطيرة صرح بها عضو من غرفة المحاصيل فضل حجب اسمه لصحيفة محلية ، كاشفا عن بيع اطنان من الفول السوداني “التالف ” من قبل مجموعة تجارية بغرض بيعه بالاسواق ، والفول لا يصلح للاستخدام الأدمي بعد أن نفدت صلاحيته بفعل التخزين السيئ من قبل كبار التجار المتعاملين في أسواق المحاصيل، وأوصت الجهات الرقابية بإبادته أو الاستفادة منه في إنتاج العلف الحيواني ” أمباز “، غير أن مصدر الخبر قال إنه تفاجأ بأحد أفراد المجموعة يعرض الفول لجهات تمكنت من طحنه وتعبئته كـ”دكوة” وتوزيعه في المحلات التجارية والدكاكين في محيط السوق.
شكاوى
في المقابل اشتكى عدد من المواطنين لـ (الصيحة) من تضررهم من تناول دكوة الفول السوداني، وقال أحدهم انه أصيب بتسمم وكل أفراد أسرته بعد أن استخدم دكوة اشتراها من دكان في منطقتهم وأضاف قائلاً إنه لاحظ اللون المتغير للدكوة وطعمها الغريب وظن في البداية أنها مخزنة لفترة طويلة..
كما اشتكى آخرون من تغير لون الدكوة المعروضة في بعض الأسواق الطرفية وأشاروا إلى أنها دكوة غير صالحة..
صحة المعلومة
أكد صحة المعلومة لـ”الصيحة ” منذر محمد حمد النيل عضو اتحاد غرف الزراعة والإنتاج الحيواني، وأفاد أنهم عقدوا اجتماعاً مطولًا بخصوص القضية واقترح أن يرسل لي كل تفاصيل القضية مكتوبة في “الواتساب “، غير انه لم يف بوعده فظللت ألاحقه لتمليك القارئ المعلومة الصحيحة من الجهة الصحيحة وتزويده بأدق التفاصيل حول منطقة انتشار الفول الفاسد ليتجنب الشراء ويحافظ على صحته ، نظرًا لأنن المستهلك لا يعلم أنه يتناول سماً يسري في جسده لكن مصدري لم يرد على هاتفه “مكالمات ورسائل”.
أسواق تعمل في تصنيع السلعة في الخرطوم
لمعرفة تفاصيل أكثر عن قضية الفول التالف قمت بجولة بسوق بحري وعند استفساري عن الفول التالف أقر أصحاب (مفارم) تلك التي تحول الفول السوداني الى دكوة بوجود فول سوداني تالف لكنهم ذكروا لي بأنهم يعرفون الفول الصالح ولا يتورطون في شرائه وسوق بحري يعج بدكاكين الفول السوداني ..
قمت بجولة أخرى في السوق المركزي الخرطوم كشفت عن انتشار مئات المنشآت و”الحماصات” الصغيرة التي تعمل في طحن الفول وتحويله إلى “دكوة” في الولاية ، وهي توجد في سوق طرفي بالقرب من “السلخانة “بأمدرمان، وأخرى داخل السوق القديم ببحري المعونة، اتخذت”الصيحة ” السوق المركزي نموذجًا حيث توجد بداخله منشآت يفوق عددها الـ40 منشأة تحتل مساحة كبيرة في آخر المركزي تقع بالقرب من سوق السمك، يقف العاملون فيها على تحميص الفول وإدخاله الفرامات لطحنه، حسب إفادة بعض العمال أن (90%) من المنشآت بكل الولاية لا تخضع للرقابة المستمرة .
أقر صاحب “حماصة” فضل حجب اسم ، بتسرب كميات من الفول السوداني منتهي الصلاحية بسبب سوء التخزين الى الأسواق وبيعه لأصحاب المصانع الصغيرة بأقل الأسعار، وقال: يتخلص كبار التجار في الخرطوم والولايات الأخرى من السلعة الفاسدة بهذه الطريقة لتعويض جزء من الخسائر، وإنه كصاحب حماصة يتبع الضوابط والأسس لكن هناك آخرون يعملون بعيداً عن الضوابط بعلم ودراية السلطات الرقابية، ويشير إلى ن الفول محل القضية تم بيعه لأصحاب مصانع يقولون إن الفول التالف بعد عصره في درجة حرارة مرتفعة تسهم في قتل “الفطريات والبكتريا “.
مخاطر سوء التخزين
القضية خطيرة جداً وصفها متحدثون في التحقيق بأنها وضعية “كارثية ” وفضيحة على مستوى البلاد، وتكشف الغطاء عن تراخي وتهاون الرقابة في ظل أوضاع صعبة واقتصاد هالك، مؤكدين أن غياب الرقابة واحدة من المشكلات التي أسهمت في استشراء الفساد الأخلاقي ودفعت التجار للاستثمار في حياة المستهلك، وأشاروا أن الفول السوداني يعاني الإهمال الذي يتسبب في ارتفاع نسبة الفطريات السامة جراء التخزين السيئ .
دعا بدر الدين عثمان موسى خبير في المحاصيل الزراعية، السلطات الرقابية لتنفيذ حملة على الاسواق الطرفية وأخذ عينات من “الدكوة ” وإخضاعها للفحص في معمل “إستاك ” للتأكد من سلامتها، موضحًا ان الفول يتلف بسبب التآكل بواسطة “الحشرات ” جراء سوء التخزين مما يؤدي لوجود بدرة بداخل”حبة الفولة ” فإذا تم عصره أو طحنه مباشرة يتغير اللون ويكون الطعم مصحوبًا بـ”مرارة” ، بالتالي يتم تخزينه حتى حصاد الموسم الجديد ليتم خلطه بإضافة نسبة كبيرة من الفول الجديد.
قال موسى لـ”الصيحة”: دخل الفول “التالف ” من كل أسواق المحاصيل الى المطاحن والحماصات فمن الممكن أن يكون الفول محل القضية مخزن في الخرطوم، فأغلب تجار الخرطوم يشترونه من أسواق الغرب ويقومون بتخزينه في مخازن ولايتهم لعرضه في الاسواق عندما يرتفع السعر، حيث تراوح السعر في الموسم بين (150 ـ 220) مليون جنيه للطن واليوم قفز الى (500) مليون جنيه للطن بالتالي أغرى هذا الفرق التجار للشراء والتخزين .
بهذا الفهم يعني أن “الدكوة ” الجاهزة في كل الأسواق بالإضافة لـ”دكوة” المصانع المعلبة يمكن أن تكون غير صالحة للبنى آدم وربما زيت الفول أيضاً.
غياب الرقابة وراء تفشي الفساد الأخلاقي
قال د. ياسر ميرغني الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك، مؤسف جداً ان لا يكون للسودان لجنة دائمة للإبادة حتى الآن رغم مرور أكثر من عامين على الانتفاضة ، وذكر لـ”الصيحة ” من أعظم القرارات التي صدرت وشاركت فيها حماية المستهلك قرار منع تصدير الفول السوداني في الصيف، وتم تحديد ذلك من قبل وزير التجارة السابق مدني عباس مدني في الفترة من مطلع أبريل حتى مطلع أكتوبر وذلك لأن نسبة تعرض الفول للفطر كبيرة جدًا في الصيف ونسبة إرجاع صادر الفول لإصابته بالفطر كبيرة جداً، وتساءل لمصلحة من عدم متابعة القرارات ولمصلحة من تصدر مثل هذه القرارات؟ وأشار لرجوع عشرات البواخر من الفول بسبب “الافلاتوكسين خلال العامين الماضيين، واردف “لم نسمع بأي إبادة ولم نسمع بأي خبر عن أين تحرك هذا الفو ، والأن “بطن ” المستهلك السوداني مكب نفايات الراسمالية المتوحشة لكل السلع غير المطابقة للمواصفات والفول السوداني الفاسد”.
ونادى بممارسة التجارة بأخلاق .
يقول د. نصر الدين شلقامي رئيس مجلس إدارة الجهاز القومي لحماية المستهلك: حال ثبت ذلك تعتبر مخالفة كبيرة خاصة إذا كان الفول مصاب بتلوث فطري، ودعا وزارة الصحة اتخاذ الإجراءات اللازمة وتعيين مفتش من ادارة الرقابة الغذائية بأخذ عينات من “الدكوة ” للفحص والتأكد من عدم صلاحيتها مع اتخاذ الإجراءات القانونية بنيابة حماية المستهلك.
كيفية نمو فطر ” الافلاتوكسين ” في الفول
فطر “الافلاتوكسين ” ذو سمية حادة تفرزها سلالات فطرية تغزو الفول وتسبب أمراضاً قاتلة، وتوجد نسبة كبيرة منه في زبدة الفول السوداني المطحون “الدكوة “التي تعتبر وجبة مفضلة ومحبذة للأطفال والكبار إذ يتناولها نسبة (98%) من السودانيين وفقًا لإفادة دكتورة نوال الريح خبيرة التغذية لـ”الصيحة ” ، موضحة: ينمو الفطر داخل النتوءات بين فصي الفولة أو في رأسها، بالتالي يجب التأكد من نظافته من كل الشوائب وأنه خام وأن لا يكون مخزناً في درجة حرارة رطبة قبل استعماله .
تضيف د. الريح: الطريقة البلدية التي تصنع بها الدكوة فيها مخاطر صحية تشمل عرضها في ظروف بيئية قاسية وغير معلومة المصدر حيث أن الفول يصنع بالطريقة البلدية وهو مصاب بالفطر، وهذا يساعد في إفراز المادة السامة، وبالتالي انتقالها للمستهلك وبعد فترة من الزمن تحدث تراكمات في أعضاء الإنسان المختلفة فيظهر السرطان وأمراض الكلى ،وقد يحدث تلوث آخر للدكوة نفسها من قبل الباعة حيث أن طريقة التحضير والملامسة والعرض والنقل وطريقة التداول، وتحذر من استخدام الأعلاف المصنعة من بذرة الفول السوداني التالف لاحتوائه على كميات كبيرة من الفطر الذي يتسبب في أمراض الكبد السرطانية وأمراض الرئة ونقصان المناعة وأنواع مختلفة من السرطانات .
الأثر الاقتصادي لمثل هذه الصفقات
علق دكتور عادل عبد المنعم الخبير الاقتصادي، بأن الاستثمار في الفول الملوث عملية مرفوضة تمامًا من ناحية إنسانية واقتصادية، وقال لـ”الصيحة”: مثل هذه الممارسات متعددة بوجود المصانع العشوائية والمنتجات التالفة التي يعاد تعبئتها حيث أصبحت تجارة رائجة وتحقق أرباحا كبيرة وهنا تقع المسؤولية على الجهات المختصة .
دعا عبد المنعم لأهمية تكوين غرفة موحدة والتنسيق بين الشرطة والمحليات والهيئة العامة للمواصفات والسلطات الصحية بالولاية ووزارة التجارة والتموين وإدارات رسوم الإنتاج في الجمارك لمحاربة الممارسات التي غزت مختلف السلع، مع فرض عقوبات رادعة من خلال السجن لفترات طويلة ومصادرة المنشأة المخالفة ومحاكمة كل من يساعد في هذا الأمر.
المسؤولية الجزائية والقانونية
تحدث دكتور عبد العظيم بكري أحمد محمد المحامي والمستشار وموثق العقود لـ”الصيحة ،” عن المسؤولية الجزائية والقانونية في هذا الصدد قائلاً: مثل هذه الصفقات تندرج تحت طائلة القانون وهو الشروع في القتل، حيث إن الفول الفاسد يدخل ضمن السموم والتي أحيانًا يؤدي تناوله إلى الوفاة أو الأذى الجسيم، الذي يؤدي إلى إتلاف المعدة وهناك شق طبي يخضع فيه المصاب بالتسمم إلى التقرير الطبي الذي يحدد درجة الأذى، فمرات كثيرة إذا الفول فاسد ومشبع بالبكتريا يؤدي الى شلل إذا نجا المصاب الذي تناوله من الموت، أما في حالة الموت يصبح المتهم الذي باع الفول قد ارتكب جريمة القتل العمد بأنه باع فولاً وهو يعلم أنه فاسد وهو يعلم أنه غير صالح للاستعمال الأدمي، بالتالي ارتكب جريمة مع سبق الإصرار والترصد.
يقول بكري: يجب أن لا تعطى مثل هذه الأطعمة الفاسدة حتى للحيوانات سواء كانت مخلوطة بالعلف أو خلافه لأنها أيضا تؤدي إلى مرض الحيوان لذلك تتم إبادة كل الأطعمة منتهية الصلاحية أو المحاصيل الفاسدة، وهذا متبع في جميع أنحاء العالم فحتى إذا تضرر منها الحيوان بطريق غير مباشر تقع على الفاعل تعويضات وسجن فما بالك الإنسان الذي كرمه الله، يجب أن يعلم الجميع أن من أخطر جرائم القتل هو القتل بالسم سواء كان معداً ومصنعاً أو بمواد فاسدة وهو من الأنواع عندما تقع فيه الجريمة لا ينفع الندم والقانون يتشدد في مثل تلك الجرائم حتى لا تتكرر لأن المستهلك لا يعلم بصلاحية المنتج والأضرار المسببة.
المواصفات لم ترد
المواصفات والمقاييس الجهة الرقابية التي يقع عليها دور كبير، حملتها مصادر التحقيق المسؤولية كاملة، تواصلت مع إدارة الإعلام وبعثت بثمانية أسئلة عبر الواتساب حسب طلبهم فلم يتم الرد حتى لحظة نشر المادة، في ظل ذلك تزداد مخاوف المواطنين من بروز مثل هذه الممارسات وغيرها خاصة التي تتم في الخفاء ويحيطها تكتم الجهات المعنية .
نتائج العرض
خلص هذا التحقيق إلى غياب الرقابة وعدم وجود آلية فعلية للمواصفات في الأسواق أو المصانع ثم عدم متابعة المنتجات المحلية من دكوة وزيوت وانعدام الآلية التي يمكن من خلالها مراقبة الأسواق فضلاً عن أن تجارة الدكوة غير مقننة بوصفة علمية وتعتبر تجارة تمارس بصورة عشوائية في أطراف الشوارع والأسواق كما أن الأكياس التي تعبأ فيها غير مطابقة صحيًا.
واتضح أن مشكلة الفول السوداني الملوث” بالافلاتوكسين “مشكلة قومية يجب أن تتضافر فيها الجهود، بفتح تحقيق عاجل بهذا الخصوص واتخاذ قرارات صارمة بشأن التجارة غير المقننة ومعاقبة كافة المتورطين في القضية لأنها مسألة حياة أو موت وتمس صحة المواطن السوداني، وطالب الخبراء السلطات الرقابية بزيارة الأسواق وتنفيذ حملة على الفول وغيره من المنتجات للتأكد من السلامة الغذائية .
الصيحة