صديق البادي يكتب : دكتور جبريل إبراهيم ووزارة المالية

صديق البادي يكتب : دكتور جبريل إبراهيم ووزارة المالية
منذ بداية عهد الحكم الثنائي كان الحاكم العام البريطاني يرأس المجلس التنفيذي الذي يضم السكرتير الإداري والسكرتير المالي والسكرتير القضائي… الخ وعند إقامة الجمعية التشريعية في عام 1948 تم تعيين أربعة سودانيين وزراء هم الاميرلاي عبد الله بك خليل الذي عين وزيراً للزراعة والأستاذ عبد الرحمن علي طه الذي عين وزيراً للمعارف والدكتور علي بدري الذي عين وزيراً
للصحة والسيد محمد احمد أبو سن الذي عين وزيراً للدولة بلا أعباء وزارية وأصبح أربعتهم أعضاء في المجلس التنفيذي الذي يرأسه الحاكم العام ويضم المجلس بجانبهم السكرتير الإداري والسكرتير المالي…الخ . وفي أواخر عام 1953 أجريت الانتخابات العامة للبرلمان الأول الذي تم افتتاحه في أوائل عام 1954 وانتخب السيد إسماعيل الأزهري رئيساً للوزراء وكون
حكومته وعين السيد حماد توفيق وزيراً للمالية وهو أول سوداني يشغل هذا الموقع وكان يعمل رئيساً لحسابات مصلحة الزراعة قبل أن يترشح ويفوز ويصبح عضواً في البرلمان الأول . وفي الحكومة التي كان يرأسها السيد عبد الله بك خليل شغل السيد إبراهيم احمد منصب وزير المالية وكان في وقت مضى رئيساً لقسم الهندسة بكلية غردون التذكارية. وفي العهد النوفمبري كانت الخدمة المدنية قوية راسخة منضبطة ولذلك اعتمدوا عليها في
تسيير أمور البلاد والعباد وعين السيد عبد الماجد احمد الموظف القيادي بوزارة المالية وزيراً لوزارة المالية ليعمل بذات الانضباط المعروف آنئذ في الخدمة المدنية وعند بلوغه سن المعاش أحيل للتقاعد وأٌعفي من منصبه الوزاري في عام 1963 وحل محله السيد مامون بحيري الذي شغل منصب وزير المالية لمدة.. عام واحد قبل قيام ثوره أكتوبر عام 1964 وشغل أيضاً موقع وزير المالية في عهد مايو لفترة قصيرة. وعندما سودنت الوظائف
قبيل إعلان الاستقلال وخروج وجلاء المستعمر تنافس ثلاثة من الشباب العاملين بوزارة المالية لشغل منصب الوكيل وثلاثتهم من خريجي الجامعات وهم أنداد في العمر وكان عدد الجامعيين وقتئذ ضئيلاً والثلاثة هم السيد حمزة ميرغني والسيد عبد الله عبد الوهاب والسيد مامون بحيري وعين إثنان منهما وكيلين احدهما لوزارة المالية والآخر لوزارة التجارة وعين السيد مامون بحيري
محافظاً لبنك السودان وكان آنئذ في الخامسة والثلاثين من عمره وهو الذي وقع بإسمه في ذلك الوقت على العملة الورقية.. ووزارة المالية أخذت مسميات عديدة في مختلف العهود ولكن الثابت اسم وزارة المالية وظل العاملون فيها من قمة الهرم الوظيفي بالخدمة المدنية من وكيل أول الوزارة وحتى قاعدة الهرم هم عمودها الفقري وقاعدتها الصلبة الصلدة في كافة الإدارات والأقسام في تكامل وتناغم وهم الذين يلمون بالتفاصيل وتفاصيل
التفاصيل وتعيين الوزير يكون تعييناً سياسياً وهو الأول في الوزارة وله اذرع تساعده على المستوى التشريعي( لجنة الشؤون المالية والاقتصادية… الخ) إذا وجد برلمان ويقوم بالعمل الروتيني اليومي بكل تفاصيله العاملون في الوزارة ولا يمكن أن ينسب كل شيء لفرد واحد هو الوزير (الخيل تجقلب والشكر لحماد ) وقد شغل منصب وزير
المالية بمسمياتها العديدة عدد من الوزراء وخلفياتهم المهنية عديدة اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أن ثلاثة وزراء مالية كانوا من المحامين وهم السيد مبارك زروق المحامي والسيد إبراهيم المفتي المحامي والسيد بدر الدين سليمان المحامي وشغل منصب وزير الخزانة الأستاذ موسى المبارك الحسن وهو أستاذ في مادة التاريخ وله مؤلف قيم هو (تاريخ دارفور السياسي)
وشغل دكتور عوض الجاز منصب وزير المالية وهو خريج كليه الآداب ونال مرتبة الشرف في الجغرافيا التي تخصص فيها ونال دراساته العليا في الإدارة. وتولى وزارة المالية دكتور عمر نور الدائم وهو مهندس زراعي . وشغل منصب وزير المالية السيد عبد الله حسن احمد وهو مهندس جيولوجي نال وظائف قيادية في المجال المصرفي. ومن أشهر وزراء المالية الشريف الحسين
يوسف الهندي خريج كلية فيكتوريا الثانوية ولم يذهب للندن لنيل دراسة جامعية مع بعض أنداده من أولاد العز و عمل بالتجارة وكان وسيطاً في تجارة السلاح لعدد من حركات التحرر الوطني وكان يتسم بحده الذكاء وكان سياسياً شهيراً جريئاً يتخذ اخطر القرارات دون أن يرمش له طرف ومن تلك القرارات تنفيذه لمشروع بند محاربة العطالة..الخ ومن وزراء المالية المشهورين السيد إبراهيم منعم منصور( ود الناظر) الذي درس في إحدى كليات
التجارة بمصر وابتدأ خدمته بالعمل سكرتيراً لوزير التجارة وتدرج في الوظائف وعمل بعد ذلك مديراً لمصنع النسيج الذي كان يملكه دكتور( طبيب بيطري) خليل عثمان… وعمل السيد حمزة ميرغني الخبير بصندوق النقد الدولي وزيراً للمالية لمده تسعة أشهر في حكومة السيد الصادق المهدي في ستينيات القرن الماضي. وعمل بعض الخبراء وغيرهم وزراء دولة بوزارة المالية. وهذه شذرات وغيض من فيض.
وفي العهد الانتقالي الذي أعقب انطواء صفحة النظام السابق وسقوطه تعاقب على تولي وزارة المالية ثلاثة وزراء هم دكتور البدوي الذي اتخذ في أخريات أيامه قراراً كارثياً برفع الأجور والمرتبات بنسبه 550% مما أدى لتضخم رهيب وهبوط قيمة العملات المحلية لقاع سحيق ومن الأشياء المسيئة للكرامة والسيادة والعزة الوطنية أن مكتب رئيس الوزراء السابق كان يتم الصرف على العاملين فيه بالعملات الحرة من أموال يدفعها الاتحاد
الأوروبي بالإضافة لمشروع فاشل اسمه ثمرات تم إجهاضه في مهده ولم يجد اهتماما من الشعب السوداني. وعينت بعد ذلك الوزيرة دكتورة هدى وتم بعدها تعيين دكتور جبريل إبراهيم وزيراً للمالية بموجب ما تم الاتفاق عليه بعد التوقيع على اتفاقيات جوبا التي حددت عدد الوزارات ولم تحدد وتسمي وزارات بعينها ولم يعترض احد على تعيين دكتور جبريل في منصب وزير المالية
وفي هذه الوقفة القصيرة لا أتحدث عن شخصه ولا عن أدائه ولكن أورد بعض الملاحظات ومنها أن كل وزارة لها إدارة للإعلام والعلاقات العامة. تورد اخباره وتنظم اللقاءات عند الضرورة مع أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة ولكن يبدو جلياً أن الدكتور يولي اهتماماً خاصاً بإعلام يقوم بتجميل صورة أدائه والدفاع عنه ومهاجمة مناوئيه أحيانا( والمعروف أن البلاد ظلت
ولأكثر من ستة أعوام بلا مجلس تشريعي معين أو منتخب وتبعاً لذلك لا توجد متابعة ومراجعة ومحاسبة لأداء الجهاز التنفيذي) وأعلن دكتور جبريل فور تعيينه أن من أهم أولوياته في الوزارة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لدفع أموال طائلة لدارفور ولكن ثبت إن ما تم الاتفاق عليه ظل حبراً على ورق وحبالاً بلا بقر( وبندق في بحر) ودارفور الكبرى نحملها جميعاً على الكتف والرأس وقد ظلمت في عهد الاستعمار وفي عهود عديدة بعده ظلماً
بيناً وأول مدرسة أهلية وسطى في دارفور أقيمت بالتبرعات والعون الذاتي في عام 1945 وأول مدرسة حكومية وسطى أقيمت في دارفور في عام 1950 بقرار من السيد عبد الرحمن علي طه وزير المعارف و في ربع القرن الأخير فان الأرقام تثبت أن ما دفع لدارفور بولاياتها الخمس وحكومتها الإقليمية من صندوق دعم الولايات ومن الخزينة العامة للدولة يأتي على رأس القائمة ويفوق ما دفع للولايات الأخرى أما في قسمة
السلطة فان دارفور نالت اكبر قدر من المناصب الدستورية وغيرها من المواقع ونالت عدد من المواقع السيادية وعدداً كبيراً من المواقع في الحكومة الاتحادية في كافة التشكيلات الوزارية وفي الجهاز التشريعي على المستوى الاتحادي( المجلس الوطني ومجلس الولايات) وتتميز دارفور عن كافة أقاليم السودان بان لها حكومة إقليمية وبرلمان إقليمي مع وجود خمس حكومات ولائية وخمسة مجالس تشريعية ولائية وخمسة وثمانين
معتمدية على رأس كل منها معتمد ومجلس تشريعي للمعتمدية مع شغل أربعة من أبناء دارفور لمنصب الوالي في أربع ولايات هي ( الولاية الشمالية وولاية نهر النيل وولاية كسلا وولاية النيل الأبيض) مع عدد من أبناء دارفور الذين عملوا محافظين ( معتمدين) ووزراء ولائيين بولايات السودان الأخرى .وخلاصه القول أن دارفور الكبرى نالت عن جدارة وإستحقاق في ربع القرن الأخير بالسلم والسياسة والكياسة ما لم تحققه بالتمرد
وحمل السلاح والبندقية لم تقدم لدارفور غير إزهاق الأرواح والتخريب والتدمير وتشريد المواطنين.
وعندما أذاع الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة بيانه في شهر أكتوبر عام 2021 حل الحكومة وأعفى رئيس الوزراء وكل الوزراء واستثنى ضمن من استثنى وزير المالية دكتور جبريل والمعروف في كل الدنيا أن إعفاء رئيس الوزراء يتبعه تلقائياً إعفاء كل الوزراء وكان من
المفترض أن يعفى وزير المالية كالآخرين ويعاد تعيينه وأوردت كل ذلك أملاً في أن يكون دكتور جبريل القدوة والمثال بعدم إثارة أي معركة جانبية إذا اقتضت المرحلة القادمة المرتقبة تغيير موقعه لموقع دستوري آخر( عضو مجلس سيادة أو نائب رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة أو وزير النقل والمواصلات وقد عمل في هذا المجال من قبل مديراً لشركة عزة للنقل) وإذا اقتضت
الضرورة أن يستمر في منصبه الحالي فلن يعترض احد وليست هناك وزارة حكراً لأحد ومسجلة باسمه…. وعلى ذكر وزارات ما بعد توقيع اتفاقيات جوبا فأن السيد محمد بشير أبو نمو وزير المعادن يؤكد عدد من العاملين في هذه الوزارة انه إنسان جاد يعمل في هدوء وصمت بلا ضجة وضوضاء والمعروف انه كان مفاوضاً بارعاً صلباً في مفاوضات جده الأخيرة.
والمرحلة القادمة هي مرحلة التحديات الكبرى التي تتطلب وجود مسئولين عمالقة بمستوى تلك التحديات وهي مرحلة تقتضي أن يسود فيها التصافي والتعافي الوطني والمجتمعي والوحدة الوطنية. والمقال القادم بعنوان الوطن ومرحلة التحديات الكبرى.