مقالات

سعاد سلامة تكتب:..همس البوادي..حماية الطفولة مسؤولية مجتمعية

سعاد سلامة تكتب:..همس البوادي..حماية الطفولة مسؤولية مجتمعية

 

لم يعد التحرش بالأطفال مجرد حالات فردية تُطوى صفحاتها بالصمت أو التبرير الاجتماعي بل أصبح جريمة مكتملة الأركان تمس أمن المجتمع واستقراره الأخلاقي والإنساني الطفل لا يعيش في فراغ بل في محيط اجتماعي واسع ما يجعل حمايته مسؤولية جماعية تتجاوز حدود الأسرة والمؤسسات التعليمية لتشمل المجتمع بأسره.
الاعتداء على الأطفال بجميع صوره لا يترك أثرًا نفسيًا فحسب بل يشكل انتهاكًا صريحًا للحقوق الأساسية التي كفلتها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية حق الطفل في الأمان الجسدي والنفسي ليس منحة من المجتمع بل حق أصيل تلتزم الدولة والمجتمع بحمايته وصيانته وعندما يُنتهك هذا الحق فإننا لا نكون أمام خلل أخلاقي فقط بل أمام جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم الأخلاقي أو الاجتماعي.

تبدأ الحماية من داخل الأسرة حيث يُعد وعي الوالدين بحقوق الطفل وواجباتهم القانونية تجاهه حجر الأساس في الوقاية القانون لا يعفي الأسرة من مسؤوليتها في الرعاية والحماية كما لا يبرر الصمت أو التستر على الجناة إن تمكين الأطفال من البوح والاستجابة الجادة لشكواهم هو التزام أخلاقي وقانوني في آن واحد.

يمتد الالتزام القانوني ليشمل المجتمع بأكمله كل من يعلم بوقوع جريمة تحرش أو يشتبه بها ويتقاعس عن التبليغ يتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية خاصة حين يكون الضحية طفلًا ثقافة الصمت التي تحيط بهذه الجرائم تمثل خرقًا لمبدأ العدالة وتمنح المعتدي حصانة غير معلنة تتعارض مع روح القانون ومقاصده في حماية الضعفاء.
تقع على عاتق الدولة مسؤولية مضاعفة في تفعيل القوانين الرادعة وتطبيقها بحزم دون انتقائية أو مجاملة مع ضمان توفير آليات آمنة وسرية للتبليغ تحمي الطفل وأسرته من الوصم أو الضغوط الاجتماعية القانون حين لا يُفعل يفقد هيبته وحين لا يُطبق بعدالة يتحول إلى نصوص جامدة لا تحمي أحدًا.

كما أن للإعلام دورًا قانونيًا وأخلاقيًا لا يقل أهمية يتمثل في نشر الوعي بالحقوق والواجبات وتوضيح أن التحرش بالأطفال جريمة يعاقب عليها القانون لا قضية أخلاقية قابلة للأخذ والرد التناول المسؤول لهذه القضايا يسهم في بناء وعي عام يرفض الجريمة ويدعم الضحايا بدل محاصرتهم بالخوف والعار.
ولا يمكن إغفال دور المؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة احترام القانون وترسيخ خطاب واضح يجرم التحرش ويؤكد أن حماية الطفل واجب ديني وإنساني وقانوني متكامل لا يتعارض مع القيم المجتمعية بل يحميها.

إن حماية الأطفال من التحرش تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى احترامنا للقانون ولحقوق الإنسان إما أن نكون مجتمعًا يُعلي من قيمة العدالة ويحمي أضعف أفراده أو نترك الطفولة فريسة للخوف والصمت وبين هذين الخيارين يقف القانون شاهدًا علينا إما مُفعلًا يحمي أو مُعطّلًا يُدين الجميع.

فاصلة
في رأيي أخطر ما يواجه مجتمعاتنا اليوم ليس جريمة التحرش ذاتها بقدر ما يواجهها التعايش معها تحت مسميات الصمت والخوف والستر القانون مهما بلغ من صرامة يظل عاجزًا إن لم يسنده وعي مجتمعي شجاع يرفض الجريمة ويواجهها بلا تردد إن حماية الطفل ليست ترفًا أخلاقيًا ولا شعارًا موسميًا بل موقف يومي واختبار حقيقي لضمير المجتمع وحين نختار أن نحمي الطفل فإننا لا ننقذ فردًا واحدًا فحسب بل نؤسس لمستقبل أكثر أمانًا وعدلًا ونعلن بوضوح أن الطفولة خط أحمر لا يُساوَم عليه ولا يُترك فريسة للخوف أو الصمت.
اللهم أمنا في أوطاننا

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى