سطور ملونة ..محمد أحمد مبروك يكتب: جثة الاعلام الحربي
سطور ملونة ..محمد أحمد مبروك يكتب: جثة الاعلام الحربي
يجب أن نعترف أننا هزمنا هزيمة اعلامية كبيرة رغم النصر العسكري الرائع والعمل البطولي الفريد الذي أداه جيشنا وبراعته في القتال التي أدهشت أكبر الجيوش ودهاقنة الحروب في العالم وأدخلت فصلا جديدا في
مدرسة حرب المدن وتكتيكها واخلاقياتها .
منذ اندلعت الحرب كانت كل مكونات أمتنا في أوج قوتها إلا إعلامها لا سيما الاعلام الحربي الرسمي وغيره !!
فبينما حصيلة خبرة أمتنا الاعلامية تصل الى قرن وربع القرن وكنا مدرسة متميزة في الاعلام ولدينا موروث متراكم من الخبرة يكفي لان نقود أنجح اعلام حربي
هزمنا أمام اعلام جيش المتمردين الذي هو شتات من قبائل ومرتزقة لا يجمعهم هدف وطني أو عقيدة قتالية او مرجعية فكرية وكل عمر هذا الجيش لا يتعدى سنوات ثلاث كان قبلها لسنوات قلائل هي كل عمره كان وحدة
مهتزة الهوية محدودة الامكانات محصورة في مهام محددة ونطاق ضيق لا يتعدي اصابع اليد اليسرى للرئيس المخلوع عمر البشير .
الشعب السوداني لم يتلفت أو يتردد حتى منذ لحظة الصدمة الاولى بوقوفه صفا واحدا كالبنيان المرصوص . ولم يهادن في اعلان موقفه منذ اللحظة الاولى .. وركلوا خلافاتهم ومراراتهم القديمة من قبلية وسياسية ..
واصطفوا ككيانات قبلية ومكونات فكرية وطنية وحددوا انهم مع جيشهم دون هوادة في مواجهة مع الطرف الاخر الذي يمثله جيش المتمردين والمرتزقة ومعهم عملاؤهم والأحزاب التي استبانت خيانتها الوطنية كقحط كلها
وحزب الأمة وسيدتهم وأحزاب ذيول السفارات .
ولكن جيشنا الباسل امتص بسهولة الصدمة الأولى ولم يتجمجم ببراعة وشجاعة ونجاعة في الاداء العسكري . وتحمل الكثير وهو ينفذ تكتيكا بدد شمل أعداء الوطن
وكسر شوكتهم وامسك بخناقهم ليحولهم إلى عصابات بعد ان كان جيشا خطط أعداء السودان ليحتل بلدا في قوة السودان .
ونجح جيشنا في الحفاظ على ارواح المواطنين وسكان المناطق التي احتل الخونة بيوتهم الى حد يتجاوز المعدل المتوقع .
لكن بالمقابل يمطر إعلام الخونة هؤلاء ٱذان الناس بسيل متدفق من الأكاذيب:
نسيطر علي القيادة العامة .. تم احتلال قاعدة كرري العسكرية … طردنا الجيش من المنطقة الفلانية … قتلنا مائتي جندي واستلمنا اربعين دبابة .. ويصاحب ذلك
فيديوهات لصبية المرتزقة يتصايحون ويرفعون علامات النصر بفنايلهم وسفنجاتهم وشالات النيجر وتشاد ..
في المقابل تصدر التنويرات والبيانات من أعلام الجيش فاترة بينما كان ينبغي أن تصدر مفرداتها قوية من افواه
الراجمات وأزيز المدافع وهدير ابراج الدبابات . كلام فاتر لا يشحذ همة ولا يثير حماسا ولايعلى روحا معنوية ..
بطء شديد وكأن هذا الإعلام على ظهر سلحفاة بينما كان ينبغى ان يكون سريعا خاطفا كالسوخوي المروعة والميج المرعبة .
سمعت اكثر من مرة مراسلو قنوات فضائية ينقلون تصريحات اعلام وقادة المتمردين الخونة ويعتذرون بأنهم لم يفلحوا في التواصل مع إعلام الجيش او الناطق الرسمي باسمه (وأننا ما زلنا نحاول التواصل معهم) !!!
المتمردون يوثقون عملياتهم مهما كانت ضئيلة وينشرونها لحظة بلحظة بينما غاب المراسل الحربي المصاحب للجيش الذي ينبغي أن ينقل الوقائع ويوثق العمليات
ويمد المواطن ووسائل إعلام العالم بالحقائق على صعيد انتصارات الجيش اوجرائم وانتهاكات المرتزقة والمتمردين الخونة .
وتفوق الاعلام الشعبي بما وثقه بكاميرات الهواتف والتي لو لاها لخلت للجنجويد الساحة .
وانظر الى تلفزيون الدولة الرسمى .. اخبار فاترة متباعدة الزمن .. اناشيد وشعارات مكرورة تعاد هي نفسها حتى
حفظها الناس ثم ملوا سماعها . برنامج تفاعلي مكرور : نحن نؤيد الجيش .. جيش واحد شعب واحد نفس الحديث يعيده مواطنون من مناطق مختلفة يستغرق الساعات بينما يغيب راى العلماء والخبراء وقادة العمل العسكري .
واضح أن حدود الخبرة للأسف هي كل هذا وكان ينبغي الإستعانة في هذا الظرف بالخبراء والمختصين ويكون هذا نجاحا لأصحاب وظائف الاعلام وليس خصما عليهم أو تهديدا لوظائفهم . وقد نشر بعضهم أنهم حاولوا التطوع بخبرتهم ولكن انسد الباب أمامهم .
لا نشك في صدق ووطنية القائمين على أمر الاعلام لكننا لا نعفيهم من نقص الخبرة التي نتج عنها ضعف الأداء .
يستحق هذا المواطن تنويرا يجلي له الحقائق يبصره بالانتصارات في حينها ويشرح ملابسات الخسائر ويجليها
ويرد مباشرة على الاكاذيب دون أن يترك المواطن نهبا للشائعات واكاذيب وافتراءات الخونة والإعلام المغرض المتحامل الذي يملؤه بالإحباط والقنوط ويحط روحه المعنوية التي يجاهد في الحفاظ عليها وهو يعاني من عدم الأمان وشظف العيش ولوعة شتات الاسر .
ما زال الأمل معقودا على قادة كيانات الاعلام أن يصححوا هم انفسهم المسار ويرتقوا بالأداء بما يناسب المرحلة .