سد النهضة.. حرب المياه القادمة
القاهرة :خالد الصادق
أحدثت أثيوبيا المفاجأة بقيام سد النهضة وشرعت في بنائه في العام 2011 دون الرجوع إلى شركائها في النيل الأزرق، دولتي السودان ومصر واختارت أنسب الظروف لبدء تشغيله وملء البحيرة متخطية كل المواثيق والاتفاقيات والعقود التي تنظم حقوق المياه بين الشركاء، وهي مخالفة صريحه للقواعد والقوانين الواجبة التطبيق، والملزمه لحقوق الشركاء، ولم تراع أثيوبيا مصالح وحقوق البلدين المائيه. في وقت أبدت الدولتان مخاوفهما من بناء السد حرصاً على أمنهما المائي والذي يشكل في ذات الوقت تهديداً للامن القومي بالبلدين، فيما بررت أثيوبيا خطوتها باحراز تقدم اقتصادي من خلال المشروعات التنموية التي يؤمنها السد كتوفير الكهرباء والحماية من الفيضانات وتقليل العكارة والطمي، وإنه من أكبر مشاريعها التنموية.
وتزعم بأنها ستمد الخرطوم بكهرباء رخيصه ومنتظمه ولكن مايتضح جلياً بأن الهدف الرئيسي من بناء السد هو التحكم في مصادر المياه والطاقه وتوليد الكهرباء، وأنها تريد أن تجعل منه مصدراً للقوى وليست للطاقة بل مهدداً دائما للسودان ومصر، كما إنها لم تقدم دراسه أمان للسد، وبالتالي فان النزاع لا يتعلق بتلك الاهداف التنموية وانما بتعريض الشعوب للموت بالاغراق و العطش من خلال التغيرات في نمط ونظام تدفق المياه باتجاه دولتي المصب، ومن ثم تأتي(الكارثه).
عند الملء الأول تسبب ذلك في حالة جفاف حاده أعقبها فيضان دمر كثيراً من المدن والقرى والمزارع السودانية التي لا زالت آثارها باقية. أعقب ذلك كميات كبيرة من الطمي تسبب في زياده (عكارة) مياه الشرب وتعطيل توربينات محطات توليد الكهرباء، وظلت دولتا المصب تبحثان مع أثيوبيا الحلول المنصفة التي تجنب شعوبها الضرر، وتفاوضها زهاء العشر سنوات خاصة من الجانب المصري وفي كل مرة تخرج بنتائج (صفرية) واعيتها المفاوضات العبثية التي تدور في دوائر مفرغة، وعندها طرقت أبواب المنظمات الدوليه والاقليمية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن وبعض الوساطات الافريقيه متمثلة في بعض دول الجوار، وكانت أثيوبيا ترفض تدويل القضية، ولا تبدي إلا التعنت والمماطلة والتسويف في كل مراحل التفاوض.
لم يتبق لدول المصب مسلكاً إلا محكمة العدل الدولية، وحتى محكمه العدل لن يسعفها الوقت لمعالجه قضية السد، لأن أثيوبيا تكون قد شرعت في مسألة الملء الثاني للسد، مع تصريحات مستفزة للرئاسة على شاكلة: سنبني مائة سد بخلاف سد النهضة في العام المالي القادم، وجاء علي لسان وزير الخارجية الأثيوبي بأن بلاده تعتزم إستكمال ملء السد حتي ولو لم تتوصل الدول الثلاث لإتفاق حول ملء وتشغيل السد.
كما صرح احد قادة النظام الأثيوبي بأنه لا توجد قوه يمكنها تغيير موقفنا من ملء السد، ويقول بونا ديبلي وهو أحد جنرالات الجيش الأثيوبي بأنهم مستعدون للمواجهة العسكريه، ويهدد باغراق السودان وتعطيش مصر بالمياه التي يحتجزونها.
كما قالت أثيوبيا في بيان لها عقب انعقاد جلسه لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة، بأن على جامعة الدول العربية أن تلتفت إلى قضايا شعوبها العربية، وأن النيل أفريقي وليس عربي، وأن الجامعه العربيه اتتها الفرصه لمعالجة المسأله ولم تستثمرها، وأن السد مسألة تتعلق بالسيادة الاثيوبية.
استطاعت القياده الاثيوبية أن تشغل الرأي العام العالمي بقضية سد النهضة وملئه في هذا التوقيت بالذات حتى تخفي مايجري في اقليم التجراي من تطهير عرقي وحرب طاحنة مابين النظام القائم وسكان أقليم التجراي، وإن اثيوبيا تعيش أسوأ مجاعه عرفتها منذ اربعه عقود وتعاني البلاد من ويلات حرب وفقر واقتصاد متهالك، كما أنها تفتعل التوترات الحدودية مع السودان لاستعمالها ورقة ضغط تمارسها بمقابل صرف النظر عن السد.
ولمصر تحركات دبلوماسية ناعمة رغم امتلكها للقوة التي نسال الله الا تضطر لاستخدامها، حال ما لم تتوصل مع اثيوبيا لحل، امتد ذلك التواصل مع الحلفاء بافريقيا ودول حوض النيل وكتلة شرق افريقيا، بينما السودان وحكومته الانتقالية لا تجعل لهذا الملف اهتماماً وتضعه على هامش دفاترها، في ظل صراعات تضرب كل مكوناتها العسكرية والمدنية. ويمكننا القول بأن الحكومه الإنتقالية ورثت ثقل قضية السد من النظام البائد الذي كان لا ينظر إلا تحت قدميه، ولم يعر قضية السد اهتماماً ولا بالاً، وربما قبض ثمن صمته عن إقامة السد من الجهات الممولة والمانحة والمستفيده من بناء السد.
وتظل وزيرة الخارجية المنصوره مريم المهدي تقاتل وحدها في سياق دبلوماسي، لا تبشر مجرياته بنجاح مع تعنت اثيوبي، وأن أثيوبيا نجحت في كسب الوقت لملء السد في يوليو وأغسطس المقبلين، وهو ما يمكن أن يحل بالسودان كارثة مائيه مدمره
لازالت الدولتان تتمسكان بالحل السلمي والمسار التفاوضي لأزمة سد النهضة رغم كل العقبات التي تثيرها أثيوبيا ضاربة بعرض الحائط كل الجهود الدولية والاقليمية والأفريقية لإيجاد الحلول المناسبة لكل الأطراف.
كما أن هنالك ورقه ضغط يمكن أن يمارسها المجتمع الدولي وصندوقه بالعزلة الإقتصادية التى ربما تثنيها عن عزمها في المضي بانفرادها بالرأي الآحادي وسياسة فرض الواقع.
إن الخيار العسكري سيزيد من التوتر في المنطقه برمتها وضرب السد وتدميره سيؤدي إلى تدفق ملايين الأمتار المكعبه من المياه عبر النيل الأزرق وسيؤدي ذلك لتدمير خزان الرصيرص وإحداث أكبر دمار مائي شامل وسيصبح السودان مدينه ( بندقية) أخرى. وتأمل دولتي السودان ومصر في حل القضيه قبل أن تسير في طريق لاتجاه واحد لا يمكن العوده منه، وإن الدولتين تمارسان سياسة ضبط النفس، وإنهما قادرتان على الدفاع عن حقوقهما الشرعية. ولقد اختبرت أثيوبيا صبر مصر والسودان بما فيه الكفاية.
وأخيراً : أليس من الحق أن أقول إنه سد (الخراب) الإثيوبي.