سباق محموم على سوق بعشرات المليارات.. هذه أسرار صفقات ومميزات رافال الفرنسية وإف-35 الأميركية
باريس: الجزيرة : العهد اونلاين
بإعلان باريس توقيع شركة “داسو” (Dassault) للصناعات العسكرية الفرنسية عقدا بقيمة 17 مليار دولار مع دولة الإمارات لشراء 80 طائرة من طائرات “رافال” (Rafale) المقاتلة، في الجولة الخليجية الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عاد الحديث بقوة عن الطائرة ومميزاتها مقارنة مع منافساتها خاصة “إف-35” (F-35) الأميركية.
وشهدت السنوات الأخيرة زيادة في الطلب على الطائرة الفرنسية، فقد وقّعت مصر عام 2015 صفقة للتزوّد بـ24 طائرة قبل أن تضيف طلبا جديدا بـ30 طائرة عام 2021، ثم توالت الطلبات والعقود مع كثير من البلدان لا سيما الهند وقطر اللتين وقعتا عقدين للتزود بـ36 مقاتلة لكل منهما، واليونان طلبت 24 مقاتلة، وكرواتيا 12 طائرة مستعملة وفي طور الخدمة.
سباق التطوير
وحالما أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية في عام 2019 فلورانس بارلي إطلاق المرحلة الجديدة من تطوير طائرة “رافال”، متمثلة في النسخة “إف-4” (F-4)، نقلت عنها تقارير إعلامية محلية حينئذ قولها إن النسخة الجديدة من المقاتلة الفرنسية ستشكل “قفزة تكنولوجية وصناعية وإستراتيجية لشركة داسو”، خاصة مع المبلغ الضخم الذي أعلن لتطوير هذه المقاتلة، وبلغ 1.9 مليار يورو (2.150 مليار دولار).
قدرات تنافسية
تعدّ “عاصفة الرياح” -المعنى الحرفي لرافال- اسما على مسمّى، وحسب موقع شركة “داسو” على الإنترنت، تبلغ سرعة الطائرة 1.8 ماخ (سرعة الصوت)، أي 1912 كم/الساعة.
ويبلغ مداها 3700 كم، وتتكون من نحو 300 ألف قطعة، وذات محرك فرنسي مزدوج، وتتوفر الطائرة في نسخة أرضية ذات مقعد واحد، ونسخة بحرية ذات مقعدين.
ورافال مقاتلة متعددة المهام صمّمتها وصنعتها شركة داسو للطيران، كما أنها مصممة لأداء التفوق الجوي، والضربات العميقة، والضربات المضادة للسفن، ومهام الردع النووي.
وفي المقابل، تبلغ سرعة الطائرة الأميركية “إف-35” 1975 كم/الساعة، ومثلما يشير موقع الشركة المصنعة على الإنترنت، تعدّ الطائرة أول مقاتلة شبح أسرع من الصوت وثاني مقاتلة من الجيل الخامس تدخل الخدمة في القوات المسلحة الأميركية.
وتتكون المقاتلة الأميركية “إف-35″، مثل منافستها الفرنسية، من 300 ألف قطعة، ولها محرك واحد ومقعد واحد للطيار.
وتنحدر الطائرة من مشروع شركة “لوكهيد مارتن” (Lockheed Martin) الذي تموّل تطويره بشكل أساسي الولايات المتحدة، فضلا عن تمويل إضافي من البلدان الشريكة في البرنامج من حلف شمال الأطلسي وحلفاء الولايات المتحدة المقربين.
ويمتاز الجيل الأخير من طائرة “إف-35” بمدى رادار واسع يسمح لها بالكشف عن الطائرات المعادية مبكرا، وتمتلك قدرات إضافية للتشويش على الرادارات المعادية من مسافات بعيدة.
رافال بديلة السوق الأميركية
من جانبه، يرى الخبير العسكري والكاتب المتخصص في قضايا الدفاع والعلاقات الدولية رومان ميلكيرك أن نجاح طائرة “رافال” لم يكن مفاجئا، وأن الحماسة لها ليست شيئا جديدا، فبين عامي 2000 و2010 عُدّت رافال طائرة عالية الجودة.
وأضاف قائلا للجزيرة نت “لقد أدّت عوامل عدة دورا في التعاقدات الأخيرة، أعتقد أن أحد أهم الأمور هو رغبة العملاء في تقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة، فقد أظهر الرئيس دونالد ترامب كيف يمكن أن تكون خيارات هذا البلد غير متوقعة”، كما قال.
ولفت إلى أن وصول جو بايدن لم يغير شيئا، فقد قال منذ بضعة أشهر إنه يريد تقليص الصادرات إلى السعودية والإمارات، و”هو ما يجعل فرنسا أحد أفضل البدائل للسوق الأميركية”.
مقاتلتان من أجيال مختلفة
وبخصوص إمكانية أن يضاهي النموذج الجديد من “رافال إف-4” (F4 -afale)، الذي هو قيد التطوير، قدرات طائرة “إف-35” الأميركية أو أن يتفوق عليها، أكّد ميلكيرك أن من الصعب مقارنة المقاتلتين الفرنسية والأميركية “لأنهما طائرتين من أجيال مختلفة”.
وتابع “في حين دخلت الأولى الخدمة عام 2015، كانت بداية رافال منذ عام 2002 وحلّقت أول مرة في عام 1986، في حين حلّقت طائرة إف 35 في عام 2008”.
وعن المفاضلة بين الطائرتين في سوق السلاح العالمية، أشار الكاتب المتخصص في قضايا الدفاع والعلاقات الدولية إلى أنه خيار سياسي إستراتيجي بالأساس.
صفقات حذرة
وإذا كانت قيمة الجيل الأخير من طائرة “إف-35” حسب موقع الشركة المصنعة لوكهيد مارتن على الإنترنت تراوح بين 94 و101 مليون دولار، فإن الخبير العسكري ميلكيرك يرى أنه يصعب تحديد القيمة المالية للطائرتين، لأن هاتين المقاتلتين ليستا منتجات عامة، ويختلف كل نموذج مصنّع عن غيره باختلاف مجموعة من الظروف.
ويتابع أن تكلفة الرافال الفرنسية تختلف عن الرافال الهندية أو الإماراتية، فلا تكلف طائرة رافال للقوات الفرنسية تكلفة رافال للقوات الهندية، والشيء نفسه في طائرات “إف 35”.
ويوضح أن تكلفة نموذج “إف-35” في سلاح الجو البريطاني تختلف عن مثيلتها في سلاح الجو الإسرائيلي أو في الجيش الأميركي.
وتابع قائلا في السياق نفسه “في عقود التصدير، تظل الدول حذرة بشأن التفاصيل، بغية تجنب إعاقة المفاوضات مع العملاء المحتملين الآخرين بإعطاء فكرة محددة للغاية عما تم قبوله في مكان آخر”.
ويقول الخبير الفرنسي أيضا “بشكل عام لدينا مبلغ عالمي، فنحن نتحدث عن 17 مليار دولار لـ80 طائرة رافال في العقد الإماراتي، ويضم العقد إلى جانب الطائرات، الذخيرة وقطع الغيار وربما تطوير البنية التحتية وتدريب الطيارين والميكانيكيين والضباط”.
وأضاف “أحد عناصر المفاوضات مع الإمارات، على سبيل المثال، كان يتعلق باستعادة فرنسا لطائرات الميراج القديمة في بعض العقود، وهناك أيضا تعويضات كما هو الحال في العقد مع الهند مع جزء من الإنتاج مباشرة في البلد المشتري، لكن العقد مع الإمارات لم تكن فيه إشارة إلى هذه النقطة، وهو ما يعني أن كل الإنتاج سيكون في فرنسا”.
وخلص ميلكيرك إلى أن كل هذه التفاصيل تجعل تكلفة الطائرة المقاتلة تختلف من عقد إلى آخر ومن بلد إلى آخر، وإذا قمنا بحسابات سريعة فإن ذلك يجعل قيمة رافال الإماراتية تبلغ نحو 238 مليون دولار، أما قيمة رافال الهندية فتبلغ 108 ملايين دولار، وبذلك نلاحظ هذا الاختلاف العميق في تكلفة الطائرة نفسها باختلاف العقود.
خوذة الطيار
وبالدخول في تفاصيل صناعة مثل هذه الطائرات والمقاتلات الجوية المتطورة، وتكلفة بعض أجزائها المهمة، أكدت تقارير نشرت عن الطائرتين أن تكلفة خوذة الطيار الواحدة لطائرة “إف-35″، على سبيل المثال، تبلغ نحو 400 ألف دولار، وتمكن الخوذة الطيار من رؤية الأرض بوضوح في الليل والنهار وكل أجهزة الطائرة الحيوية.
بالمقابل، فإن خوذة طيار الجيل الجديد من المقاتلة الفرنسية، حسب الخبير العسكري رومان ميلكيرك، لا تزال قيد التطوير والتقدم.
وتتميز تقنيات وتكنولوجيا خوذ الطيارين الحالية من الجيل الأخير لرافال بمميزات خوذ الطيارين نفسها في طائرات “إف-35” الأميركية.
وتعدّ هذه المعايير التكنولوجية المتطورة ركنا أساسيا في عمل وتفوق الجيوش الحديثة، وتبقى التكلفة النهائية لخوذ طياري الرافال الجديدة غير معلومة، ولم يكشف عنها بعد.
التخفي عن الرادار
وإجابة عن سؤال بشأن مدى تفوق طائرة “إف-35” على طائرة رافال في ما يخص آليات التخفي عن الرادار التي يوفرها نظامها التكنولوجي المتطور الذي تتمتع به المقاتلات الحديثة، يبرر الكاتب المتخصص في قضايا الدفاع هذا التفوق بأن التخفي عن الردار في جيل الرافال الأقدم كان أقل أهمية من طائرات اليوم.
وزاد أن خاصية التخفي تشهد حديثا ونقاشا متزايدًا في المدة الأخيرة، وأن القائمين على مشروع تحديث هذه المقاتلة يفكرون بجدية في تطوير هذه النقطة.