مقالات

رحمة عبد المنعم يكتب:.. للحقيقة لسان..خالد سلك..(في خشمو جرادة ولا بعضّي)

رحمة عبد المنعم يكتب:.. للحقيقة لسان..خالد سلك..(في خشمو جرادة ولا بعضّي)

 

 

في زمن الحرب التي أعادت تشكيل الوعي السوداني ورفعت سقف المحاسبة الأخلاقية قبل السياسية، برزت مواقف بعض النخبة السياسية باعتبارها اختباراً حقيقياً لصدق الشعارات التي رفعتها سنوات طويلة، ومن بين هذه المواقف، تبدو حالة خالد عمر يوسف (سلك)، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في تحالف “صمود”، واحدة من أكثر النماذج دلالة على التناقض بين الخطاب الذي يتزين بالديمقراطية والحقوق، وبين السلوك العملي الذي يتحاشى مواجهة الحقيقة ويغضّ الطرف عن المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع أمام أعين السودانيين.

فعلى الرغم من أنّ سلك لا يفوّت فرصة في المنابر الإعلامية للتحدث عن الحرية والعدالة وإصلاح الدولة، إلا أنه يتجنّب ــ بشكل يكاد يكون مقصوداً ــ توجيه أي نقد صريح لمليشيا الدعم السريع التي قتلت وشردت واغتصبت آلاف السودانيين، وهي ذات المليشيا التي اعتدت على أهله في فداسي بولاية الجزيرة قبل أن تحررها القوات المسلحة، هذا التناقض يكشف بوضوح حجم الفجوة بين شعارات يرفعها الرجل وواقع يرفض الاعتراف به، ويقدّم صورة لسياسي يحسب خطواته على نحو لا يخدم الحقيقة، بل يخدم تحالفاً ظل يعمل في الخفاء والعلن لصالح “بندقية حميدتي”.
وتجلّى هذا الارتباك بصورة أوضح في مقطع الفيديو الذي انتشر مؤخراً من مقابلة سلك مع قناة “سكاي نيوز عربية”، فقد ظهر واثقاً وهو يهاجم وزير المالية جبريل إبراهيم،

ويتهمه بأنه متكسب من الحرب، لكنه عندما سُئل عن محمد حمدان دقلو، قائد المليشيا المتمردة، انقطع لسانه وتكسّرت عباراته وتحوّلت كلماته إلى طلاسم، لم تكن تلك زلّة لسان، بل كانت لحظة انكشاف سياسي؛ إذ ينهار الخطاب الموارب عندما يُختبر صاحبه أمام الحقيقة التي يحاول دائماً تجنبها……..

ولم تكن هذه الحادثة الأولى، فقد تكرر المشهد مع المذيع أحمد طه بقناة الجزيرة عندما سأله في إحدى اللقاءات ـ من الأكثر إجراماً في السودان: الحركة الإسلامية أم الدعم السريع؟ فأجاب بلا تردد: الحركة الإسلامية، وتجنب حتى الإشارة إلى الجرائم الموثقة التي ارتكبتها المليشيا في الخرطوم ودارفور والجزيرة، وهي جرائم أدانتها تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية، بدا الأمر وكأنه تبرئة مجانية لجهة لا تخفى على أحد مسؤوليتها المباشرة عن المأساة السودانية……

ولعلّ المثل السوداني العميق: “دبيب في خشمو جراداية ولا بعضّي” يختصر هذه الحالة، فالرجل، في مواقفه من الحرب، يبدو وكأنه يمسك بجرادة سياسية لا يريد أن يعضّها خشية أن يفقد ما وُضع في فمه من مكاسب أو وعود،هذا السلوك يعكس عجزاً سياسياً وأزمة أخلاقية؛ فالصمت هنا ليس حياداً بل تواطؤ، والتردد ليس حكمة بل خوفاً من خسارة حلفائه الجنجويد.

وتعزّز هذا التحليل روايات ما قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، حين اجتمعت بعض القوى السياسية مع حميدتي في منزله، ظنّاً منها أنه في طريقه إلى السيطرة على الحكم بضربة خاطفة، كانت البيانات جاهزة، والتحالفات مرتبة، لولا أن صمود القوات المسلحة قلب الحسابات وأفشل المخطط، تاركاً أولئك الحالمين بالتغيير السريع يتنقلون بين العواصم باحثين عن مخرج يعيد الدعم السريع إلى المشهد السياسي بأي صيغة ممكنة.

إن أزمة خالد عمر يوسف ليست أزمة شخص، بل أزمة نموذج لطبقة سياسية انقطعت عن واقع السودانيين.،فبدلاً من أن تصطف مع الملايين الذين شُردوا وقُتلوا واغتُصبوا، اختارت الاصطفاف مع مليشيا اعتقدت أنها الطريق الأقصر إلى السلطة، لقد كشفت الحرب المعادن الحقيقية؛ فمن السياسيين من ثبت على مواقفه، ومنهم من انكشف أمام أبسط الأسئلة، ومنهم من اختار منطقة رمادية لا تشبه المبادئ التي يدّعيها.

وفي النهاية، السياسة بلا عمود فقري أخلاقي تتحول إلى مناورة، والموقف بلا وضوح يتحول إلى شكل من أشكال التواطؤ، وما يفعله خالد عمر ليس سوى إعادة إنتاج لهذا التواطؤ في قالب خطاب ناعم يحاول تغليف حقيقة الاصطفاف مع الجنجويد، وفي زمن الحرب، لا يحتاج الناس لمن يجيد المراوغة، بل لمن يقول بوضوح: هل أنت مع السودانيين أم مع من اعتدى عليهم؟

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى