مقالات

رحمة عبدالمنعم يكتب:. للحقيقة لسان..غياب الناقل الوطني… هل فقدنا سيادتنا البحرية؟

رحمة عبدالمنعم يكتب:. للحقيقة لسان..غياب الناقل الوطني… هل فقدنا سيادتنا البحرية؟

 

 

في عالمٍ تتسابق فيه الدول لحماية معابرها البحرية، وتحصين سواحلها بأساطيل تجارية ووطنية، يظل السودان استثناءً محزناً، يترك شواطئه مكشوفة، ويُسلم مفاتيح سيادته البحرية طواعيةً لشركات أجنبية، كأنما البحر لا يعنيه، ولا أمن ممراته شأناً من شؤونه.

هذا البلد الذي كان يمتلك حتى أواخر الثمانينيات أحد أكبر الأساطيل البحرية في القارة، أصبح اليوم بلا ذراع بحرية وطنية، يتفرج على سفن الغير تنقل خيراته، وتتولى مهام التصدير والاستيراد نيابة عنه، بينما تتعرض شركاته الخاصة، المؤهلة والمقتدرة، للإقصاء المتعمد والتجاهل الممنهج.

ولعلّ الأخطر من كل ذلك، أن ما يجري لا يُختزل في أرباحٍ تُهدر أو فرصٍ تُفوت، بل يمس جوهر السيادة الوطنية،إذ حين تُسلَّم شحنات الجيش، واحتياجات المؤسسات السيادية، وحتى قوافل الحجاج، إلى ناقلين أجانب لا تُعرف ولاءاتهم، فنحن لا نتخلى عن أعمال تجارية فحسب، بل نفتح ثغرة في جدار الأمن القومي.

لسنا ضد الانفتاح، ولا نناهض مبدأ التعاقد مع الخارج حين تقتضي الضرورة، لكننا ضد أن يُقصى السوداني من أرضه وبحره لصالح من لا تاريخ له معنا ولا التزام.،الواقع يشهد على وجود شركات سودانية خاصة أثبتت كفاءتها، وامتلكت نواقل بحرية مؤهلة، وأطقم تشغيل محترفة، لكن لا يُمنح لها حقها الطبيعي في إدارة عمليات التصدير والاستيراد، حتى في المواسم والمناسبات الكبرى.

شركة “تاركو” مثلًا، كمثال حي، تمتلك إمكانيات تجعلها في مقدمة الناقلين الوطنيين، لكنها وجدت نفسها خارج دائرة الاختيار في ملفات ذات صبغة سيادية ودينية، بينما مُنحت التعاقدات لشركات أجنبية بلا مبرر منطقي.

الأمر لا يتعلق بالكفاءة، فالكفاءة الوطنية موجودة، بل بغياب إرادة التعاقد معها. والمؤسف أن القرار السوداني في هذا المجال يبدو متواطئًا مع الغياب، إن لم يكن مساهمًا فيه.،وما يحتاجه السودان اليوم ليس تنظيراً اقتصادياً، بل قراراً واضحًاً بإعادة الاعتبار للناقل الوطني الخاص، وتكليفه بملف الصادر والوارد، خاصة في ما يخص البضائع الاستراتيجية والجهات السيادية.

لقد آن الأوان لأن يتوقف هذا التهاون مع السيادة البحرية، ولتُستعاد المفاتيح من أيدي الغير. فكما لا تُستأمن الحدود البرية لغير الوطنيين، لا يجوز أن تُترك سواحل البلاد لمن لا ولاء له لها.

السودان لا ينقصه الرجال، ولا تعوزه الشركات المؤهلة، وإنما يحتاج فقط إلى إيمان فعلي بأن البحر جزءٌ من ترابه، والسيادة تبدأ من مياهه ،فالسيادة لا تُستعير سفينة، ولا تستورد ناقلًا…والبحر، كما الوطن، لا يُصان إلا بأيدي أهله.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى