مقالات

رحمة عبدالمنعم يكتب: ..للحقيقة لسان..زمن التفاهة

رحمة عبدالمنعم يكتب: ..للحقيقة لسان..زمن التفاهة

 

 

نعيش اليوم في زمن تبدلت فيه القيم والمعايير،زمن صارت فيه التفاهة عملةً رائجة،يُمجّد فيه السطح دون العمق، ويُحتفى فيه بالصورة دون الجوهر،لقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فضاءً واسعاً لكل من أراد أن يُسمع صوته،لكنها في الوقت ذاته، فتحت المجال أمام كثير من التافهين ليصعدوا على أكتاف الجهل،متجاوزين كل قيمة، وكل معنى

في زمنٍ كان يُفترض فيه أن تكون الحرب درساً عميقاً يعيد تشكيل الوعي، نجد أن البعض قد ازدادوا انغماساً في الابتذال، في السودان، حيث تتكسر الأحلام على صخور الواقع، وحيث القلوب مثقلة بالدمار، نجد أن البعض لا يزالون يبحثون عن الشهرة بأي ثمن، إن آية أفرو، التي تحوّلت إلى رمز للسطحية عبر صورها الجريئة في إعلانات التجميل وافتتاحاتها المُلفَّقة للمطاعم، ليست إلا نموذجًا صارخاً لما وصلنا إليه من انحطاط، هؤلاء الذين يتجمهرون حولها، يلتقطون الصور في غُبيرة أو يتباهون بعلاقتهم بها، هم الوجه الآخر لهذا الانحدار الجماعي

وفي الوقت ذاته، يبرز “بدر خلعة”، الذي طاف البلدان في تسويقٍ بلا مضمون، حاملاً التفاهة معه كزاد، والفراغ كرسالة، نراه اليوم في بورتسودان، حيث يقف على أعتاب شخصياتٍ متورطة في الجدل، كتلك التي تتصدر مشهد ما يسمى بتحالف أحزاب وحركات الشرق. وحين نتأمل نموذج “كابوكي الجانخر”، نجد أنفسنا أمام محتوى خاوٍ، لا رسالة فيه سوى عبثٍ لا يليق بمرحلةٍ تطلبت التضحية والتأمل العميق

الإعلام، الذي كان يومًا مهنةً تعلو فوق الابتذال، صار مسرحًا لهؤلاء الدخلاء من الصحفيات اللواتي صُنِعن على عجل وصُرن سيدات رأي وهن لا يملكن من أدوات المعرفة إلا القشور، إلى المذيعات اللواتي يتشبثن بالصورة والمظهر دون أدنى عمق فكري، هؤلاء صرن رموزًا تُحتفى بهن، فيما تغيب الأصوات الحقيقية التي تحمل رسالةً أو تنشد التغيير

ما أشد المأساة حين تصبح الحرب نفسها عاجزة عن تعليم بعض القلوب دروسها،إن المآسي التي عاشها السودان في الأشهر الماضية لم تكن كافية لإيقاظ النفوس التي اختارت طريق التفاهة.،بدلاً من الانكباب على ترميم ما تهدم، غرق البعض في مزيد من الابتذال، وكأنهم وجدوا في الكارثة مسرحًا جديدًا لاستعراض خوائهم

لكن المسؤولية لا تقع على هؤلاء وحدهم، إن المجتمع الذي يُهلل لهم، الذي يستهلك محتواهم ويمنحهم الضوء ليواصلوا طريقهم، هو شريك في هذا الانحدار، إننا بحاجة إلى ثورة قيمية، إلى موقف جماعي يعيد الاعتبار للمعايير الحقيقية، الإعلام يجب أن يُطهّر من الدخلاء، والصحافة يجب أن تستعيد مكانتها كمنبرٍ للحقيقة لا كوسيلةٍ للابتذال

في هذا الزمن الذي تسود فيه التفاهة، يصبح التغيير مهمةً شاقة لكنها ضرورية ،إن لم نتخذ موقفًا جادًا لإعادة بناء القيم، فإننا نخاطر بفقدان ما تبقى من إنسانيتنا ،فلا مستقبل ينتظر أمةً ترضى أن يقودها التافهون، ولا نهضة تأتي من فراغٍ تُزيّنه الصور ولا يحمل داخله سوى الخواء،

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى