رحمة عبدالمنعم يكتب: .. للحقيقة لسان..(رحيل دينق قوج)..القلب الذي وحدنا
رحمة عبدالمنعم يكتب: .. للحقيقة لسان..(رحيل دينق قوج)..القلب الذي وحدنا
رحل دينق قوج، المثقف والنائب الجنوب سوداني، تاركًا خلفه حزناً عميقاً وذكرى لا تزول في قلوب السودانيين شمالًا وجنوباً، لم تكن حياته عادية، ولم يكن رحيله مجرد خبر يمرّ كغيره، فقد كان دينق قوج أكثر من سياسي، وأكثر من ناشر، كان جسراً بين شعبين، وأيقونة إنسانية تتجاوز الحدود
منذ أن وطأت قدماه مشهد العلاقات السودانية-الجنوب سودانية، حمل دينق راية التفاهم والمحبة، لم يتورط في خطابات الفرقة، ولم ينحز سوى للإنسانية، مؤمنًا أن التنوع قوة، وأن التاريخ المشترك لا ينقطع بقرار سياسي أو جغرافيا مرسومة على الورق
في زمن الحرب الذي طمس ملامح كثيرة من إنسانيتنا، كان دينق قوج شعاعاً من الأمل، عندما فر السودانيون من أتون الحرب إلى جنوب السودان، كان الرجل حاضراً كعادته، لم يتردد في فتح الأبواب وتأمين الطرق وتقديم
يد العون، نشر توجيهاته عبر فيسبوك، ليس من باب التفاخر، بل كدليل للأمان على دروب النزوح الخطرة ،وفي الرنك، حيث الحياة أقرب إلى الصراع من الهدوء، كان دينق يحوّل الألم إلى فرصة للحياة
دينق لم يكن مجرد اسم في السياسة أو النشر، بل كان قلباً نابضاً بمحبة لا تعرف الحدود، كل من عرفه، سواء في جوبا أو الخرطوم، تحدث عن تواضعه وسماحته ،كان يستقبل الناس كأنهم أهله، يسأل عن تفاصيلهم الصغيرة، ويهتم كأنه مسؤول عن سلامهم الشخصي
وفاته كانت صدمة، ليس لأنها جاءت مباغتة وحسب، بل لأنها أفقدتنا رجلاً كان يمثل لنا الأمل في لحظة تفتقر إلى الرموز التي تجمع ولا تفرق ،دينق قوج لم يكن مجرد فرد؛ كان تجسيداً للعلاقات التي تربط شعبين بوجدان مشترك ،كان الرجل الذي استطاع، بلطفه وحنكته، أن يعبر فوق الجراح، وأن يعيد رسم صورة السودان الكبير الذي عرفناه
اليوم، ونحن نودع دينق، نشعر أن الفقد يتجاوز فردًا إلى فقدان نموذج نادر للإنسانية في السياسة، نموذج لم نعد نراه كثيرًا في عالم يعج بالمصالح الضيقة والخطابات الحادة
رحيلك يا دينق جاء في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى حكمتك ونقائك ،لكن، كما كنت في حياتك جسراً بيننا، سيبقى اسمك جسرًا دائمًا لا ينهار، رحلت جسدًا، لكنك ستظل في الذاكرة، رمزًا للسلام والمحبة والوفاء.
لترقد بسلام يا دينق، فالقلوب التي أحببتها تفيض بالدعاء لك.