رحمة عبدالمنعم يكتب: .. للحقيقة لسان..حكومة الأمل أم سباق الوقت؟

رحمة عبدالمنعم يكتب: .. للحقيقة لسان..حكومة الأمل أم سباق الوقت؟
ألقى رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، أول أمس الخميس، خطاباً مهمًّا إلى الشعب السوداني حول الملامح الرئيسية لـ”حكومة الأمل” التي يعتزم تشكيلها، مستنداً إلى نبرة هادئة، لكن محمّلة بالأثقال، ومشحونةٍ بهمِّ أمةٍ تتآكلها الحروب، وتستنزفها الانقسامات، وتنتظر من أيادٍ نظيفة أن تكتب فصلًا جديداً في كتاب الدولة السودانية،خطابٌ طويل، منظم، لا يتكئ على الشعارات، بل يستعرض برنامجاً، ويقترح رؤية، ويشير إلى الأسباب قبل أن يَعِد بالعلاج.
في ذلك الخطاب، لم يتحدث إدريس عن الماضي بل عن جذوره، ولم يغرق في اجترار الفشل، بل اختصره في مفاتيح خمس: غياب الكفاءة، ضعف القيادة، غياب العدالة، تفشي الفساد، وتعذّر قبول الآخر،كان الرجل يحاول أن يقول للشعب السوداني إن الطريق إلى المستقبل يبدأ من معرفة ما الذي جعلنا نقف طويلًا على هامش الحاضر،لكن من بين ما ورد في الخطاب، يبقى السؤال الملحّ: متى تبدأ الحكومة في أداء عملها؟ ومَن سيشكّلها؟ وكيف ستتشكل؟
إن إعلان حكومة تتكوّن من 22 وزارة أمرٌ إيجابي من حيث التنظيم المؤسسي، لكن ترك باب الانضمام مفتوحاً لكل من يرى في نفسه الجدارة، قد يتحوّل من مبادرة ديمقراطية إلى مزاد جماهيري، يختلط فيه الطموح بالنفوذ، والحماس بالادّعاء،فالدول لا تُبنى بالعاطفة ولا بالمحاصصة الشعبية، بل بالكفاءات، وبالأسماء التي أثبتت جدّيتها في الفعل، لا في السيرة الذاتية وحدها.
على الدكتور إدريس أن لا يتأخر؛ فزمن الدولة لا يشبه زمن المؤتمرات،كلُّ يومٍ تمضي فيه البلاد بلا حكومة فعلية هو فرصةٌ ضائعة، ونافذةٌ مفتوحة على الفوضى، خاصة في سياق ما بعد الحرب، حين تكون الحاجة إلى الحسم أكبر من الميل إلى التريّث.
ليس مطلوباً أن يرضى الجميع، ولا أن يُفتح باب القبول العام وكأن الوزارات وظائف شاغرة في شركة محاصصة،فكلُّ تأخيرٍ في اختيار الوزراء الأكفاء هو تأخيرٌ في إنقاذ الدولة من الغرق في الفراغ، وحكومة “الأمل” لا تحتمل الانتظار الطويل، لأن الأمل نفسه عُملةٌ تذبل إذا لم تُصرَف بالأفعال في وقتها.
الرهان اليوم على إدريس نفسه: على حكمته، وهدوئه، وقدرته على قول “لا” بصرامة، و”نعم” بمسؤولية،لقد اختار أن يحمل عبء المرحلة الأصعب في تاريخ السودان، وهذه مسؤولية لا تكتمل بخطابٍ جميل، بل باختياراتٍ صارمة، وسرعة تنفيذ.
إن السودان، بعد كل ما حدث، لا يحتاج إلى حكومة تتشكّل لتُقال، ولا إلى أسماء تملأ الكراسي وتُفرغ الوزارات، بل يحتاج إلى عقل دولة، لا مزاج سلطة،وهذه اللحظة التي قد تبدو سياسية، هي في حقيقتها لحظة مصيرية: إما أن نبدأ الطريق الآن، أو نظل واقفين على عتبة الأمل، نُحدّق في اللاشيء.