مقالات

رحمة عبدالمنعم يكتب: ..للحقيقة لسان..السودان..على أبواب الغد

رحمة عبدالمنعم يكتب: ..للحقيقة لسان..السودان..على أبواب الغد

 

 

في الأمم المتحدة، حيث تتجاور أصوات الدول الصغيرة والكبيرة، ارتفع أمس الاحد الصوت السوداني امام آلية الخبراء الخاصة بالحق في التنمية، مطالباً العالم بدعم إعادة البناء وتخفيف أعباء الديون،كان الصوت هادئاً لكنه واضح، متسائلاً بلسان أمة أنهكتها الحرب: كيف يمكن لشعب أن ينهض إذا كانت أنقاض الأمس تعترض طريق الغد؟

لقد مرّ السودان بمحن كثيرة، لكنه لم يعرف منذ استقلاله حرباً بهذا الحجم من الدمار، المدن أصابها الخراب، البنية التحتية تهاوت، والاقتصاد تكبد خسائر تقدر بمليارات الدولارات، والمواطن البسيط الذي خرج من بيته صباح الحرب،عاد ليجد داره خراباً، أو ليقف على أطلال منزله وقد صار ركاماً.

في هذا المشهد، تذكّرنا دعوة السودان بما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن أمام القارة المدمّرة سوى “خطة مارشال” التي وضعت أسس إعادة البناء، لا بفضل المال وحده، بل بفضل القناعة أن استقرار أوروبا مصلحة للعالم أجمع، والسودان اليوم لا يطلب خطة مارشال جديدة فحسب، بل يطلب أن يُنظر إليه بعين العدالة، وأن تُرفع عنه القيود التي كبّلته لعقود.

البيان السوداني الذي قُدمه الوفد برئاسة وكيل وزراة العدل هويدا علي عوض الكريم ،أمام آلية الحق في التنمية لم يكن مجرد استجداء، بل كان رؤية متكاملة: تمويل للإعمار، تخفيف للديون، دعم للعدالة المناخية، إشراك للشباب والنساء، ورفع للتدابير القسرية التي تعيق التنمية، بكلمات أخرى، كان السودان يقول للمجتمع الدولي إن الحرب ليست نهاية المطاف، بل يمكن أن تكون بداية لنهضة إذا وُجد الدعم الصادق.

التقارير الرسمية ترسم صورة قاتمة: سبعون في المئة من المرافق الصحية خارج الخدمة، ملايين الأطفال بلا مدارس، تسعون في المئة من القطاع الصناعي مدمَّر، وخسائر اقتصادية تتراوح بين 127 و140 مليار دولار، إنها أرقام ثقيلة، لكن خلفها بشر يحتاجون إلى دواء وكتاب ورغيف.

لقد أشار رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قبل أشهر، إلى أن إعادة بناء الدولة ليست مهمة داخلية فقط، بل تحتاج إلى شراكة دولية واسعة، والواقع أن هذا صحيح، فالتجارب من لبنان إلى البوسنة إلى رواندا تقول إن إعادة البناء بعد الحروب ليست مسؤولية بلد بمفرده، وإنما هي مسؤولية جماعية، لأن آثار الحروب تتعدى الحدود.

السودان بلد واسع، غني بموارده الطبيعية والبشرية، يملك أرضاً خصبة ومياهاً غزيرة وشعباً شاباً، غير أن هذه المقومات لا تتحول إلى قوة اقتصادية إلا إذا أُزيلت عنها الركام، وإذا أعيدت الثقة بين الدولة والمواطن، وإذا وجد البلد دعماً يعينه على سداد جزء من ديونه الثقيلة التي تكاد تخنق حركته.

اليوم، والمجتمع الدولي يراقب من بعيد، فإن الاستجابة لنداء السودان ليست إحساناً ولا منّة، بل استثمار في الاستقرار الإقليمي والعالمي،فبلد بحجم السودان، يقع في قلب إفريقيا، إذا ظل أسير الحرب والخراب، فسوف يصدّر أزماته إلى جواره، أما إذا أعيد بناؤه، فسوف يكون رافعة تنموية للمنطقة كلها.

إن ما قاله الوفد السوداني في الأمم المتحدة يصلح ليكون وثيقة طريق: بناء جديد لا يقوم على الإسمنت والحديد وحدهما، بل على العدالة والمساواة، وعلى إيمان المجتمع الدولي أن مستقبل السودان جزء من مستقبل العالم.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى