رحمة عبدالمنعم يكتب :في حضرة قندول..الصحفيّ النابت من ضمير الناس

رحمة عبدالمنعم يكتب :في حضرة قندول..الصحفيّ النابت من ضمير الناس
في ذات نهارٍ من تلك الأيام التي لا تزال تسكن الذاكرة كالعطر القديم، التقيتُه أول مرة في مؤتمرٍ صحفيّ بقاعة مستشفى الشعب الخرطومي،لم يكن لقاؤنا فاتحةَ حدثٍ عظيم، بل كان عابراً كأقدار البشر، لكنه حمل شيئاً من الطمأنينة، كأنما هو رجلٌ جاءت به الصحافة ليُذكِّرنا أن للمِهن وجهاً نقياً لم يمت بعد.
كان محمد جمال قندول يدخل إلى قاعة المستشفى بخطى واثقة، أنيقاً في ملبسه، صامتاً كمن يُدرك أن القول مسؤولية لا ضوضاء، نظراته لا تطوف عبثاً، بل تمسك بالأشياء كما يمسك الكاتب بخيط الحكاية قبل أن يفلت.
ثم تقاطعت طرقنا أكثر من مرة، بين المؤتمرات والندوات الصحفية، حتى جاءني صوته في جلسات قروب “سمار الميديا”، حيث جمعنا كرم الصديقة أمل أبوالقاسم. فوجدته ليس فقط زميلًا، بل صاحب قلبٍ من تلك القلوب التي تتسع للناس جميعاً حتى أولئك الذين لا يُحسنون الفهم.
لم تكن علاقتنا وليدة لحظة، بل نمت على مهل، كما تنمو شجرة في باطن الأرض؛ حتى إذا ما خرجت، خرجت وارفةَ الظلال، لا تخشى القيظ، ولا يضرّها الجفاف.
ومنذ ثلاث سنوات، اقتربت منه أكثر، فأبصرت فيه ما لا يُرى من ظاهر الرجال، لم يكن سعيه في قضاء حاجات الناس طمعاً في مديح، بل طبعٌ جُبِل عليه،لم يكن يُساند زملاءه في الشدّة والرخاء ليردوا له الجميل، بل لأن الوفاء عنده خُلُق، لا خيار.
ولست أبالغ إن قلت إنه من أولئك الذين، لو اطّلع الناس على صدورهم، لهانت الأحكام وسقطت الأقنعة، كثيرون يجهلون ما يفعله، ولو علموا، لاختاروا الصمت على القول، ولأيقنوا أن النُّبل ليس ضجيجاً، بل فِعلٌ مستتر.
في الصحافة، هو من أولئك الذين يصوغون الخبر كما يصوغ الكاتب شخصياته؛ يمنحها نبضاً، وعمقاً وصدقاً، تقاريره الصحفية محكمة، كأنها خرجت من ورشة صائغٍ دقيق، وأخباره تسري بين الناس كما تسري الحقيقة حين تجد من ينقلها بأمانة.
ورغم أنه ابن جيله، يحمل بين جنبيه محبةً من الزمن القديم، لا تزال تربطه بأستاذه الهندي عزالدين رابطة التلميذ بأوّل معلّم، يذكره دائمًا، لا ينسى أنه كان أول من فتح له باباً نحو الضوء، ولا يتنكّر لمن غرس فيه بذرة الثقة.
محمد جمال قندول ليس مجرّد صحفيّ “فرز أوّل”، بل رجلٌ صنع من المهنة طريقاً لخدمة الناس، ومن الحضور فعلاً أخلاقيّاً، ومن المحبة سلوكاً يومياً.
هو ذلك الوجه المطمئن في المدينة المضطربة، وذلك الصوت الذي لا يعلو، لكنه لا يغيب، رجلٌ يُشبه الخرطوم كما كانت قبل أن تجرحها الحرب: صافية، كريمة، مؤمنة بأهلها ،ولعلّ أجمل ما يُقال فيه: إنه حين يغيب، يُفتقد، وحين يحضر، يُحترم.وتلك منزلة لا تُشترى، بل تُكتسب،
واليوم، إذ تحلّ مناسبة عيد الأضحى المبارك، يزداد هذا التقدير دفئاً،فله، من القلب، أصدق الأمنيات وأطيب الدعوات:كلّ عامٍ وأنت بخير يا صديقي قندول ..عيدك
فرحٌ وطمأنينة، وبركةٌ تسكن أيامك كما تسكن القلوب الكبيرة..أدام الله عليك الصحة، ووسّع في رزقك، وثبّتك على طريق الوفاء والصدق والنُّبل.وجعل ما تفعله في خدمة الناس في ميزان حسناتك،ورزقك محبةً لا تنضب، ورفاقاً يُشبهونك صفاءً وكرماً،
وكتب لك من الأقدار أجملها، ومن المواقف أسعدها.
عيدك محبة يا صديقي