رحمة عبدالمنعم يكتب: «بيجو وتسابيح».. في خدمة الكذب المدفوع

رحمة عبدالمنعم يكتب: «بيجو وتسابيح».. في خدمة الكذب المدفوع
في لحظات الانفلات الوطني، حين تترنح القيم وتعلو فوقها ضوضاء الشعارات، يطفو على السطح طفيليون وجدوا في الغبار المتصاعد فرصة للظهور، هكذا خرج
الناشط عبد المنعم بيجو من الظل إلى الضوء المُزيف، لا كمن يحمل مشروعاً أو فكرة، بل كمن أتقن الدور في مسرح لا يعرف غير الخداع.
ظهر بيجو أيام ما سُمي بالثورة ضد نظام الإنقاذ، تلك الحقبة التي لم تقدم لنا إلا أسوأ ما في هذا الوطن من نماذج بشرية: بيجو، دسيس مان، حمدوك، وخالد سلك،
وجوه صُنعت على عجل، ثم أوكلت إليها مهام كبرى بلا تاريخ ولا مؤهلات، فكانت النتيجة فوضى في الوعي وانحدار في القيم.
عبد المنعم بيجو، الذي كان يتسكع عند أرصفة الصحف حاملاً حقيبة الحاج وراق، مُدّعياً أنه صحفي،وممنوعاً من دخول صالات التحرير لأنه اعتاد سرقة فئران الكمبيوتر،
أصبح فجأة رجل علاقات عامة يعمل مع قوات الدعم السريع قبل تمردها، وتحديداً خلال فترة سعيها المحموم
لتحسين صورتها أمام الداخل والخارج. وفّرت له قيادة الدعم حينها شقة فاخرة في “البيت الأبيض” المطل على امتداد شارع النيل، وأمّنت له حراسة دائمة، وكُلّف بمهمات
واضحة: ترتيب مقابلات إعلامية لحميدتي، التنسيق مع بعض الصحفيين المحليين والأجانب، فبركة تقارير دعائية، وإنشاء واجهات إعلامية زائفة تخدم أجندة تلك القوات.
ولم يكن ذلك بدافع وطني، ولا انطلاقًا من أي التزام مهني، فالرجل لم يكن في يومٍ صاحب قضية، ولا صاحب جمهور أصلاً، كل ما فعله أنه تقمّص دور “الخبير الإعلامي” ليجمع
المال من أبواب متعددة، دون ولاء حقيقي لأحد،قبض من الميليشيا، وتلاعب بها، ومضى يروّج لها بما يليق ببضاعة مستهلكة لا تجد من يشتريها إلا في أسواق المرتزقة.
لذلك لم أُفاجأ حين رأيت بيجو في بودكاست إماراتي يمتدح المجرم حميدتي، ويصفه بالقارئ للقرآن والمصلّي للفجر حاضراً، كأن من أشعل الحرائق في الخرطوم
والجزيرة ودارفور صار داعية للتقوى، ومن تلطخت أصابعه بدماء النساء والأطفال صار “ولياً صالحاً”، أي انحدار في الوعي هذا؟ وأي استخفاف بعقول الناس؟
وإذا كان بيجو قد باع ضميره مقابل المال، فإن تسابيح مبارك خاطر باعت مهنيتها مقابل الرضا السياسي والإملاء الإماراتي، إعلامية انطلقت بسرعة صاروخية من بلاط
رجال النفوذ، كانت لها علاقة وثيقة بمدير مكاتب الرئيس المخلوع، الفريق طه عثمان الحسين، الذي فتح لها أبواب
العمل في قناتي “العربية والحدث”، فانتقلت بعدها إلى “سكاي نيوز”، وهناك وجدت ضالتها: منبر يبث الأكاذيب باسم المهنية، ويطعن الجيش السوداني باسم الحياد.
منشورات تسابيح في “فيسبوك” ومداخلاتها الإعلامية مليئة بالتشكيك، بالتحريض، بالكذب المقنن،لم تترك مناسبة إلا وانتهزتها للطعن في المؤسسة العسكرية، ولا
خبراً إلا وأدارته في اتجاه يخدم ميليشيا الدعم السريع وأسيادها في أبوظبي، حتى صفحتها الشخصية تحولت إلى منصة لتلميع القتلة، وتبرير المجازر، وتلفيق الاتهامات لرجال الجيش الوطنيين .
والمفارقة أن من تبث الأكاذيب بلا حياء، لا تتردد أيضًا في نشر صورها “الخاصة” — بكل ما تحمله الكلمة من حرج — مع أصدقائها الإماراتيين، وكأنها لا تمثل إعلاماً، ولا رسالة، ولا وطناً.
لكن الوطن لا يُخدع طويلاً، فالصوت الذي يعلو ضد أهله، يعود إليه صداه يوماً ما كصفعة، والحقائق، وإن حوصرت بالأموال والفضائيات، لا تموت، سيسقط بيجو، وتسقط تسابيح، ويسقط كل من خان الجيش واصطف إلى جانب
القتلة، لقد قال أحد الأدباء ذات يوم: “الشر لا يلبس ثوباً واحداً، بل يتنكر بألف وجه، لكن النهايات دائماً تكشف الحقيقة.”… وهذه النهايات تقترب.