د. محمد يوسف قباني يكتب: مهارة التواصل في مرحلة الطفولة تحدد نمط شخصيته وقدرته للتفاعل مع محيطه المجتمعي (13)
د. محمد يوسف قباني يكتب: مهارة التواصل في مرحلة الطفولة تحدد نمط شخصيته وقدرته للتفاعل مع محيطه المجتمعي (13)
بناء مهارة التواصل الجيد والتواصل الاجتماعي مع العائلة في مرحلة الطفولة هو الأساس الذي يحدد الأنماط الشخصية لكل طفل وقدرته على التعامل والتفاعل مع
الآخرين في جميع الأوضاع الاجتماعية المتنوعة وبأفضل الطرق الممكنة، تعليم الطفل التواصل الجيد المهذب، وتعليمه آداب التعامل والتواصل مع الآخرين وكيفية مخاطبتهم باحترام والتواصل الجيد معهم سيجعل من
طفلك شخصاً لطيفاً ومحبوباً يكسب إعجاب الجميع به، ويهيئه للانفتاح على الآخر وللنجاح في حياته ومكان عمله في المستقبل. يرتكز الاهتمام في مرحلة الطفولة على عوامل تنمية مهارات الطفل التواصلية والاجتماعية
والتي ستساعده في بناء العلاقات الاجتماعية المتبادلة وتنمي عنده بصورة متوالية مهارات أخرى مثل: مهارات اللغوية ولغة التواصل والتي ستنعكس عليه بشكل إيجابي في المواقف الاجتماعية اليومية المتكررة وفي
مراحل الدراسة المختلفة. وإليكم مشكورين بعض الوقفات التالية لمزيد من الاهتمام بهذه المهارة:
1) الوقفة الأولى – تعزير مهارات ما قبل اللغة: وتتمثل في الأساليب التي يتواصل بها الطفل مع الأهل والمحيط
عن طريق الإشارة والإيماءات وتعابير الوجه وابتسامات الرضى والغضب، والصراخ والمناجاة، واستخدام بعض الأصوات بصورة خاصة ومتكررة، والتقليد والتواصل البصري دون أن يستخدم كلمات ذات معنى مباشر، فهي
كلها مؤشرات تواصل وارسال رسائل لنا. فعلينا الاهتمام به ومبادلته التواصل بنفس اللغة وإدامة الابتسامة وطلاقة الوجه والتواصل البصري لتشجيعة على
الاستمرار. فالاستيعاب اللغوي يعكس مدى قدرة الطفل على استيعاب كلام الأشخاص في محيطه وقدرته على التفسير والفهم. ويظهر هذا بصورة واضحة عندما نبادله الكلام ونلاحظ ردة فعله وتجاوبه معانا ولغة جسده
ووجهه. التعبير بواسطة اللغة يتيح للطفل استخدام اللغة وتسمية الأشياء والقدرة على التعبير عما يريده الطفل بواسطة الكلام وهذا كله من باب التواصل. فهو يعكس (مرآة) كل تعلمه وسمعه من محيطه الاجتماعي لذا يبدأ بالتجريب والتقييم من ردود أفعالنا.
2) الوقفة الثانية – الأداء الاجتماعي: ويتمثل ذلك في قدرة الطفل على التفكير ومعالجة المعلومات والتحكم بالمشاعر والسلوك. وهنا يجب أن ننتبه أن توجيهه ينبغي أن يكون بطريقة جميلة ومناسبة في وسطه الاجتماعي.
ويقوم الطفل عادة بتنمية مهارات التواصل لديه بشكل طبيعي وتلقائي وفطري (القدرات الفطرية innate faculties) عن طريق تفاعله مع العائلة والبيئة المحيطة ورغبته الأكيدة بالتواصل. ففي التفاعل بين العائلة
والطفل؛ يتعرض كل طفل لمواقف يومية مختلفة تتطلب منه ردود فعل تجاهها، تعتبر هذه المواقف بمثابة دوافع خارجية ومحفزات اجتماعية للطفــل، وقد تكون لفظية
أو غير لفظية، وتتطلب من الطفل الاستجابة والتجاوب معها والرد عليها مثل تعلم إلقاء ورد السلام والتحايا والتفاعل معها في ذات الصياغ.
والبعض من الأطفال قد يعاني من الخجل/الحياء في التعامل والتفاعل مع الآخرين، وعدم معرفتهم بطريقة التصرف المناسبة (الفعل والقول والموقف) وهنا يأتي دور الأهل في مساعدة أبنائهم لتجاوز هذه الحواجز بعدة أساليب ممكنة وممكّنة:
1) استخدام الكلمات المختلفة والمتنوعة لتدريب الطفــل على جميع/معظم المواقف.
2) تعليم الطفــل الردود المناسبة والحديث معه بشكل يومي عنها حتى يدركها ويستوعبها ويطبقها.
3) تعليم الطفــل كيفية توصيل احتياجاتهم ورغباتهم ومعتقداتهم وأفكارهم.
4) السماح للطفــل بالتعبير بشكل حر عن مشاعرهم الحقيقية.
تشجيه الطفل للتفاعل مع البيئة المحيطة والاختلاط مع بقية الأطفال:
1) الاختلاط مع الأطفال يسهم بصورة إيجابية في كسر حواجز الخجل والخوف من الأطفال الغرباء عنه.
2) التواصل مع الأطفال يساعد الطفــل في قراءة التعبيرات، ويكتسب مهارة أكبر في التفاعل مع محيطه الاجتماعي.
3) علينا أن نعلمه التواصل معهم (أقرانه الأطفال) بشكل جيد وأن يحترم التنوع ويقبل الآخر. ويمكن صياغة هذه القيم بلغة بسيطة يستطيع فهمها واستيعابها.
لذلك نقول للأم والأب: حاول/حاولي أن تنظمي لقاءات طفلك مع أطفال آخرين بصورة مناسبة، وكذلك الترفيه خارج البيت، التنزه، والذهاب للحدائق، وتسجيله في
النوادي الرياضية، ومنحه كل فرصة للاختلاط بالأطفال، فعند اختلاط الطفــل بأطفال آخرين يطورون مع بعضهم البعض وبصورة جماعية مهارات تواصل وتفاعل تكون أساس لبناء شخصياتهم في المستقبل.
تلعب الأنشطة اليومية التي يقوم بها الطفل دوراً فاعلاً في تنمية مهاراته بصورة عامة. وبصورة خاصة تعتبر المصدر الأول له في تنمية مهاراته التواصلية الاجتماعية وغيرها، والتي سيكون لها الأثر الكبير الطيب على باقي
حياته وعلى تكوين شخصيته. فعلى الآباء والأمهات أن يكونوا حريصين على تعرض أطفالهم لهذه الأنشطة اليومية وأن يقوموا بالتركيز على النشاطات التي يحتاجها الطفل لتنمية مهارة معينة أكثر من غيرها، ومن أهم هذه الأنشطة:
1) اللعب والتفاعل مع الآخرين: معظم الآباء والأمهات قد لا يدركون قيمة اللعب بالنسبة للطفــل، فاللعب ليس كيفية تسلية فقط بل هو من الاساليب الأساسية في تنمية المهارات الجسدية والعقلية والكيفية الأفضل
لتجريب استخدام اللغة وصياغة مفاهيم الاتصال الناجح والتواصل مع الآخرين في محيط تواصلي محفز ومشجع جداً. لذلك على الآباء والأمهات السماح للطفــل باللعب بشكل جيد وتعويضه باللعب معه في حال عدم وجود
أطفال آخرين يلعب معهم، ويمكن استخدام الحركات الرياضية كالجري والتسابق ولعبة الغميضة أو استخدام الدمى واعطائها أسماء وشخصيات وصفات وتأليف
القصص عنها لتعزيز ملكة الخيال لديه، كل ذلك يدعم قدرة الطفل على التفاعل مع الآخرين وفهم أفكارهم بطريقة أكبر.
2) التعايش مع الآخرين: التعايش مع الآخرين مثل الأقارب والجيران يعد مصدر مهم لتنمية مهارات الطفل وتقوية مقدرته على التفاعل الاجتماعي. وخاصة في الموقف الاجتماعية الجماعية كاللقاءات الجماعية
والمناسبات العامة والأعياد والأفراح وغيرها من اللحظات التي يلتقي فيها أفراد العائلة مع بعضهم البعض. لذلك لابد من الحرص على تفاعل طفلكم مع الآخرين وساعدوه في تأسيس الصداقات في المدرسة وخارجها.
3) تعزيز العمل التشاركي بتأليف القصص معاً واللعب معاً: يقوم الآباء والأمهات بتأليف قصة حول حادثة ما أو واقعة معينة، فذلك يساعد طفلك في ترتيب أفكاره بشكل صحيح ويتعلم استخدام هذا الأسلوب في التعبير عن
نفسه وعن أفكاره. فقوموا بتطوير قصص اجتماعية مناسبة تحتوي على قيم إنسانية مفيدة للمساعدة في تعليم الطفل كيفية الاستجابة في مواقف اجتماعية معينة، وأطلبوا منه أن يتنبأ بما سيحدث من أحداث
متسلسلة حتى يشارك فيها بخياله وتجربته الواقعية السابقة. وهناك ألعاب رياضية وحركية يمكن مشاركتها معه تتبادل فيها الأدوار للجميع. وهنا تكمن قيمة مهمة لزم على الآباء والأمهات الانتباه لها: الربح ووتقّبل
الخسارة في حياة أطفالنا. فمن المهم أثناء اللعب مع الطفل تبادل الأدوار معه، فيكون مرة رابح ومرة خاسر، يساعده ذلك على تحفيز الدافع لديه ليربح اللعبة وفي
نفس الوقت له القابلية على تقبل الخسارة بشكل جيد دون أثر سلبي كبير عليه، وأن يفكر ويبدأ من جديد ولكن بذكاءً أفضل. وذلك سينعكس عليه عندما يتنافس ويتبارى من أصدقائه ولربما يخسر مرة أو يربح مرات. لذا يجب تعليمه ذلك وأن الإخفاق نتيجة طبيعية وعليه
تقبلها والاعتراف بحق الآخر بالربح أيضاً، وهكذا.
4) العمل على تعليم الأطفال قراءة العواطف المختلفة: على الآباء والأمهات القيام بتطبيق تمارين للطفل عن التعبير على أشكال العواطف الإنسانية المختلفة كمواقف الفرح، والحزن، الغضب، الرضى، والتعب، النشاط،
والرعب، الشجاعة، الطمانينة، والخوف. ويمكنك القيام بذلك عن طريق رسم الوجوه المختلفة وتعليم الطفل عليها أو يقوم هو/هي بتمثيلها بوجهه، وبتعليمه كيفية قراءة إيماءات الوجه وحركات الجسد والنظر لألعابه أثناء الحديث معها أو النظر إليه خلال روايتك له قصص
الأطفال المتنوعة. وعادة يتم ذلك عن طريق النظر والمراقبة أثناء الحديث حتى يستطيع تمييز التعابير المختلفة لمن يتحدث معه والتي يتخللها الصمت لبرهة حتى يتمكن من استيعاب العواطف الإنسانية وفهمها.