مقالات

د. محمد يوسف قباني يكتب: تربية الطفل على ثقافة الاعتذار عند الخطأ .. سيعلمه معنى الشجاعة الحقيقية (15)

د. محمد يوسف قباني يكتب: تربية الطفل على ثقافة الاعتذار عند الخطأ .. سيعلمه معنى الشجاعة الحقيقية (15)

تعليم الطفل مهارة الاعتذار ووزرع قيم التسامح والعفو في سن مبكرة سيمنحه قدرات عالية على التعافي الشخصي self-healing وأن يمكون لُحمة في نسيج مجتمعه الصغير (البيت) ومن ثم مجتمعه الكبير الذي

يعيش فيه. فتربية وتعليم وتعويد الطفل على ثقافة الاعتذار ومسامحة الآخرين عند ارتكاب الأخطاء سيجعل طفلك كيف يكون مدركاً لمعنى الشجاعة الحقيقية وأن يفكر في كل تصرفاته مع المجتمع ويعي عواقب ذلك.

وإليكم بعض المحاور لتعليم الطفل ثقافة الاعتذار وهدفها السامي هو تعليم الطفل ثقافة الاعتذار وجعله يقول الكلمات الصحيحة والشعور بالمسؤولية تجاه أخطائه. ولذلك يجب أولاً فهم دوافع سلوكه الخاطئ بحسب الموقف.

1) المحور الأول: فهم طبيعة الأطفال: فهم أصلاً متعاطفون بطبعهم، ولكن كثيراً ما نلاحظ انهمار دموع الأطفال ببراءة في موافق مختلفة تحتوي على أحداثاً حزينةً، ويرجع ذلك إلى أن الأطفال تملؤهم مشاعر الحب

والصدق والبراءة والإحساس بالآخرين لكنهم لا يتصرفون مثلنا، ولا يلتزمون بالقواعد الاجتماعية السارية، ولذلك تتمثل مهمتنا كآباء وأمهات في تعليمهم كيفية التصرف الصحيح والمقبول اجتماعياً وعرفياً وتمكينه ذاتياً. ومن

أجل أن يعتذر إلى الآخرين يجب أن يتحمل الطفل مسؤولية أفعاله ويستوعب أولاً ما يشعر به الطرف الآخر تماماً، ولكن دون الاعتماد على الطريقة السائدة التقليدية القديمة، مثل قولنا له “يجب عليك أن تعتذر إلى صديقك

لأنك ضربته”، أو “عليك أن تعتذر لي الآن وألا تتحدث معي بهذه الطريقة مرة أخرى، أنا بانتظارك لتقدم اعتذارك”. ويعتبر التعامل مع الطفل بهذه الطريقة التي لا ترتكز على تفكير منطقي إجبارا له على الاعتذار، وهو أمر

لا يساعده على اكتساب هذه الثقافة، إذ إن الاعتذار تحت التهديد والإكراه ليست له أي فوائد ولا يقوم به الطفل إلا مجبراً، وغير مقتع بما يقوم به.

2) تقديم المثال الحقيقي للطفــل: تعزيز ثقافة الاعتذار لدى جــيل الطفــل يمر حتما عبر مراحل وتنمية ذاتية وتعليم وتعلم مباشر وغير مباشر وعبر تقديم النموذج الفعلي لهم. لذلك يجب على الكبار في كل مرة يرتكبون

فيها خطأ أو يقومون بفعل بشكل سلبي أن يعبروا عن أسفهم عن ذلك. ولا يعتبر الاعتذار ضعفاً بل مظهراً من مظاهر القوة والنضج والوعي الذاتي. كما يعتبر الاعتذار عند الطفل أحد أسباب الشعور بالندم والتفكير فيما بدر،

ليس لأجل الأفعال الخاطئة التي قام بها الطفل فحسب، بل أيضاً لتسببه في جرح مشاعر الطرف الآخر دون قصد. وهنا تأتي الخطوة التالية وهي اقتراح طريقة لإصلاح الوضع. وقد يكون ذلك من خلال قول “أنا آسف لأنني

ضربتك، أعلم أن هذا الأمر آلمك، ولن أقوم به مجدداً، وفي المرة المقبلة عندما أشعر بالغضب سأحاول التحدث إليك عوضاً عن تعنيفك”. فاختيار الكلمات والاسلوب مهم

جداً في مثل هذه المهارة حتى تبني داخل الطفل معاني إيجابية ولا تهدم ما وهبه له الله من قدرات هائلة. واعجبتي عبارة جميلة معبرة تقول: ما بين كسب وكسر القلوب .. إسلوب.

3) تعليم الطفل ومساعدته على تهدئة نفسه: الطفل في أغلب الأحيان يرتكب سلوكاً غير مقبول لأنه شعر بالغضب وفقد السيطرة على أعصابه، وهو ما يستوجب طلب الصفح، وعند إجباره على الاعتذار وهو لا يزال في هذه

الحالة تكون النتائج عكسية، حيث إنه لن يفهم خطأه وهو أصلا متعصب ومنفعل، كما قد تتفاقم حالة الغضب عنده وتزيد، ولن يتعلم شيئا من هذه التجربة. في المقابل، إذا تحلى الوالدان بالهدوء وتنفسا بعمق وأبعدا الطفل عن

المكان الذي وقعت فيه المشكلة فإن بإمكانهما آنذاك إجراء حوار معه، مع ضرورة التحلي بالصبر وحسن الغنصات وعدم إجباره على الاعتذار.

4) تحليل وقراءة الوضح الذي حدث فيه الخطأ: يجب التحدث مع الطفل وتحليل المشكلة والسماح له بالتحدث بكل حرية. وذلك بعد أن يكون الطفل قد هدأ وعاد إلى حالته الطبيعية، ويمكن الاستماع لرواية الطفل بشأن ما

حدث، وفسح المجال له للتعبير عن مشاعره وحسن الاستماع لما يقول، إذ إن المشاعر يكون لها دور مهم في حالات الخلاف والغضب، وهي الدافع الحقيقي وراء التصرفات الخاطئة.

5) تشجيع الطفل على ادراك قيمة التعاطف لتعلم التسامح: لا يمكن مباشرة تعليم الطفل التسامح ما لم يتعلم قيمة التعاطف. بعد أن يفهم الأب والأم والمربيين حقيقة ما حدث والسبب الكامن وراء تصرف الطفل بهذه

الطريقة يحين الوقت آنذاك لجعله يضع نفسه مكان الطرف الآخر من أجل فهم شعوره وفهم أسبابه، وتتمثل الفائدة من هذه الفكرة في فهم الطفل حجم خطئه عندما يتخيل نفسه مكان الشخص الذي أخطأ هو في حقه. وكل هذا بمثابة محفزات

6) إعمال مهارة التفكير الإيجابي عند الطفل فيما حدث: يجب استغلال كل الأحداث في حياة الطفل واستثمارها لصالح تنمية قدراته ومهاراته الحياتية. وهنا، سنفكر مع بعضنا البعض (التفكير الجماعي) فلنتفاكر مع الطفل في

الأمر الذي يجب عليه تغييره: نسأله: إذا أمكن لك العودة بالزمن إلى الوراء ما الذي يمكنك تغييره بشأن ما حدث؟. إعطاءه فرصة لإعادة التفكير تعتبر محفز له لينظر فيما قام به ويتأمل تصرفاته ونتائجها. وبصراحة، هذا التمرين

يدفع ويحث الطفــل للتفكير ملياً والبحث عن طرق أخرى لحل الخلافات. وحتى وأن لم يستطيع الطفل تقديم حل حسب عمره السني ودرجة نضوج عقله، إلا أن ذلك يعتبر مفيداً لكيفية تحكم الطفل في مشاعره وردود أفعاله في المرات القادمة وكل مستقبله.

7) إشراك الطفل في كل الحدث وتبادل الأدوار: بعد ما تم تهيئة الطفل تماماً، وادرك بعقله مآلات وعواقب ما قام به تجاه الطفل الآخر تماماً ووعى نتائج ذلك، لزم علينا نقله إلى خطوة متقدمة. وهي تبادل للأدوار role play وكيف يمكنه (الطفل) أن يجعل الطفل الآخر بحال أفضل؟

وتكمن هنا أهمية تقديم مثال يحتذى به للطفــل الذي يمكنه تعلم الكثير من خلال مشاهدة تصرفات الأكبر سناً. ويمكن إعطاء الطفل الحرية في اختيار طريقة اعتذاره بنفسه وباسلوبه الخاص، مع مراقبة الطريقة التي قدم بها

الاعتذار لتقييمها واكتشاف صياغاته القولية والفعلية عند تقديم الاعتذار. فعالم الأطفال هو الأكثر براءة والأنقي. فغالباً ما تكون طرق تقديم الأكثر جمالاً وصدقاً وتعبيراً

مفعماً الشفافية بعيداً عن التكلف والتصنع والنفاق الاجتماعي. ولكن تظل المهارة المهمة هو تعلم الطفل كيفية تحمل مسؤولية أفعاله عند الخطأ.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى