د. محمد يوسف قباني يكتب: العلاقة الإيجابية بين الطفل ووالديه تؤسس وتنمي الاستقلالية ومهارات صناعة القرار وتقدير الذات لديه(17)
د. محمد يوسف قباني يكتب: العلاقة الإيجابية بين الطفل ووالديه تؤسس وتنمي الاستقلالية ومهارات صناعة القرار وتقدير الذات لديه(17)
نتطرق في هذه المقالة إلى وقفات بالغة الأهمية مع التفكير الإيجابي عند الأطفال، إذ يتعين على الآباء والأمهات التفاكر فيها وإمعان النظر في دورها في حياة
أطفالهم فلذات الأكباد ومستقبل أيامهم الجميلة القادمة..
الوفقة الأولى – حق الأطفال في التعبير عن مشاعرهم وإعطاءهم الفرصة لتقديم حلول للتحديات التي تواجههم في الحياة أو ليشاركوا في وضع الحلول مع البيت: على
الآباء والأمهات والأهل أن يجعلوا من البيت وبيئته مكاناً ومهداً محفزاً لتشجع الأطفال ليتعلموا أن يعبروا عن مشاعرهم وأحساسيهم وعواطفهم وتصوراتهم وآرائهم بحرية مطلقة لا قيد فيها ولا تعنت. وتعتبر هذه واحدة
من أهم الأساليب لمؤازَرَة أطفالك على اكتساب مهارة الإيجابية في الحياة. وهي من خلال السماح بالتعرف على عواطفهم وميولهم، سواء كان ذلك حزناً أو سعادةً أو خوفاً أو خجلاً أو قلقاً أو أي مشاعر أخرى. ويتحتم أن
يختبروا ذلك بأنفسهم ويتعايشوا معه وفيه، وأنه من الطبيعي أن يكون الطفل سعيداً أو حزيناً، تارة فتارة. وبمجرد أن يتعلم الأطفال قبول هذه المشاعر ويتفهمها، لن يكون هناك مجال للسلبية. إذا كان طفلكم غير سعيد أو غاضب، تواصلوا معه وتحققوا من سبب غضبه،
واسألوه بكل بساطة عن مشكلته أو عن التحدي الذي يواجهه. وبمجرد أن يتيح لكم معرفة تحدياته ومشاعره، ساعدوه ليفهم أن هذه الأحداث السلبية شَيْء طبيعي، وأنها سترحل دون أدنى شك. وأن المشاعر السلبية وغير السارة ستكون عابرة ولن تدوم وإنما علينا أن نحسن
التعامل معها. الطفل إنسان صغير ولكن ذو عقل يستهين به الكبار فهو يحمل عقلا يستوعب كل ما يدور حوله. صحيح أنه بحاجة إلى المشاعر الإيجابية لكي ينمو ويزدهر بفعالية، لكنه أيضاً بحاجة إلى المشاعر السلبية،
حتى وإن كان هو ونحن لا نرغب فيها ونرفضها ولا نرغب في تجربتها. ولكنها في حقيقة الأمر تشعرنا بقيمة المشاعر الإيجابية في الحياة. سيتعلم طفلك قريباً النظر إلى الأشياء بشكل إيجابي. فطفللكم مثلكم تماماً وليد
لواقعكم وتجاربكم، فنحن جميعاً وبكل صراحة نميل فطرياً إلى التأثر بالأحداث السلبية أكثر من الأحداث الإيجابية. وهذا ما يسمى “التحيز السلبي” negativity bias الذي يؤثر في الطريقة التي نشعر ونفكر ونتصرف
بها وهذا التحيز السلبي يحرمنا ويحرم أطفالنا من النظر إلى الجوانب الإيجابية من كل المواقف الحياتية التي نمر به. لذا ساعدوه ليحاول البحث عن حلول بدلاً من الخوف والقلق بشأن التحدي أو المشكلة وأن لا يعيش دور
الضحية حبيس المشاعر السلبية منغلق الأفق وضعيف القدرات وأن يتعلم كيف يبني منظوراً إيجابياً لكل الحياة. وبهذه الطريقة سوف يفهم أن كل تحدي ومشكلة لها حل إن نظر لها بصورة إيجابية شريطة أن يكون يقظته الذهنية وإعماله لمهارات التفكير عند المرور بالموافق الحياتية!
الوقفة الثانية – الطفل يبحث عن قدورة/مثال يقتدي به ويقلده – كونوا لهم قدوة تمنحه دون شروط: يتعلم الأطفال بطبيعتهم الفطرية الكثير من آبائهم وأمهاتهم والأهل والمجتمع المحيط وحتى الشارع العام. إذا كان
الآباء والأمهات وكل البيت إيجابيين في حياتهم، فسيقوم الأطفال بتطوير نفس المواقف الإيجابية وترجمتها إلى قاعدة تعلم وسلوك في حياتهم وبصورة سريعة. فالأطفال
ممتصين ومتشربين لما يدور أمام أعينهم المتطلعة الواعدة. قد لا يكون كل الآباء والأمهات على علم بذلك، لكن أطفالكم يلاحظون كل تصرفاتك ومشاعرك وعواطفك، وحتى إن مسحت دموع الفرح أو الألم
بالمنديل خلف صفحات كتاب. وهم بذكاء فطري يتابعون ويلاحظون ما تظنه أو تصدقه وتفعله. في الوقت نفسه سنندم لاحقاً على عدم وعينا بمستوى فهمه واستيعابه.
مواقف كثيرة مرت علينا لتؤكد لنا أن الطفل أذكى مما نتوقع. لذ لا بد أن تُظهر لهم أن العيش إيجابياً في مواجهة الشدائد وكل ما يلي أمور الدنيا وشؤونها المتقلبة
ممكن ويمكن أن يكون جيداً لهم. بل أكثر من ذلك، بأن نتعلم دروساً حياتية جديدة مستفادة تجعلنا أكثر نضجاً ووعياً بسبب هذه المشقة والشدائد. علمهم أن الفرق شاسع بين دروس وامتحانات الحياة وامتحانات
المدرسة. ففي المدرسة نأخذ الدرس أولاً وبعده نواجه الامتحان، أما الحياة فالعكس صحيح فنحن نواجه الامتحان أولاً وبعده نتعلم الدروس والعبر. هذا سوف
يساعدهم على تطوير مواقف إيجابية لهم ولكل الحياة ويكونوا أكثر اقتدراً لتنمية الاستقلالية ومهارات صناعة القرار وتقدير الذات والتعامل مع المواقف الصعبة والصدمات.
الوقفة الثالثة – آثار التشجيع والتحفيز المستمر للأطفال: إذا كان أطفالك يشعرون بالاكتئاب أو التثبيط أو النظرة التشاؤمية شجعهم على النظر إلى الأشياء بإيجابية في كل ما يقومون به وكل الحياة. استحسن وقدر لهم ذلك
عندما يقومون أو ينجحون في أي عمل. ولا توبخهم إذا ارتكبوا أخطاء. إذا كان طفلك يسيء التصرف، لا تؤنبه أو تلومه في أي تصرف وتغافل عن بعض التصرفات الجانبية. الحكمة المفقودة من الكثير من الآباء والأمهات
هي التغافل الذكي وغض الطرف عن كل أفعاله، لذا تغافل بعض الشيء لأنك عندما تظن أن ما قام به هو سوء تصرف حسب وجهة نظرك، هو (الطفل) يقوم به من باب التجربة وأن يعيش وقته ولحظته دون قيود. اشرح له
بحياء ولطف وذوق ودون كلمات قاسية ومهينة وجارحة أن هذا النوع من السلوك غير مقبول وعلّمه كيف يصحح خطأه. عندما تشرح للأطفال كيفية تصحيح أخطائهم باسلوب لطيف محبب وابتسامة تعلو ثغرك، فإنك تغرس الإيجابية فيهم وفي كل حياتهم.