د. محمد خير حسن محمد خير يكتب لا ينبغي أن نعلي سقوفات توقعاتنا

د. محمد خير حسن محمد خير يكتب لا ينبغي أن نعلي سقوفات توقعاتنا
يحسب للإسلاميين ضبطهم للنفس على نحو ٍ يحسدوا عليه… فهم معروفون بقدراتهم الفائقة في الترتيب والتنظيم والحشد والمداراة وفوق هذا وذاك كان لقدر كبير من شباب الحركة الاسلامية بذلهم في المتحركات القتالية في جنوب السودان والنيل
الأزرق وكانوا نعم السند للقوات المسلحة ولذلك تجدهم مدربين تدريبا ً متقدما” في مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة… ورغم ذلك لم يحدثوا أنفسهم يوما” بتوظيف ذلك في إطار معارضة مسلحة بعد سقوط الإنقاذ بل تنزلت عليهم التعليمات بعدم
الاستجابة لكل محاولات الشيطنة التي تعرضوا لها ما بعد ثورة ديسمبر.. فاستجابت قواعد الحركة الإسلامية لتعليمات قادتها واحتسبوا كل ما تعرضوا له من أذى بل سعت قيادتهم إلى مد يدها بيضاء للحكومة الانتقالية بما سمي بمشروع المعارضة
المساندة وهي مبادرة لم نرى قبلها مثلها في أي من الدول العربية أو الغربية أو الأفريقية ولكنها ردت من قبل الحكومة الانتقالية وحاضنتها وبدلا ً من رد التحية بمثلها أو أفضل منها اعتقل قادتها وسجّنوا واستمرت اتجاهات الشيطنة الي أن
أُصدرت قرارات 25 أكتوبر والتي عُنِي بها تصحيح مسار الحكومة الانتقالية وعاد الرشد إلى كثير من مؤسسات الدولة وانصفت المحاكم كثير من الذين ظُلِموا عبر لجنة إزالة التمكين وما زالت مسيرة رد الحقوق وانصاف المظلومين ماضية… فإن كان ثمة
مساحة صحية في بلادنا فهي القضاء السوداني المعروف بنزاهته واستقلاليته وهو من أهم عواصم البلاد من الانزلاق لما لا تحمد عقباه…
في ظني لو قبلت اليد البيضاء التي مُدّتْ من قبل الحركة الإسلامية تحت مسمى المعارضة المساندة وأُعلِيت مصلحة البلاد على المكاسب الحزبية والجهوية والقبلية وتجاوزوا مرارات الماضي لحاضر مشرق ومستقر وآمن لكان الحال غير الحال والمآل
غير المآل ولما تجرعنا مزيدا” من المرارات بذهاب خيرة شباب السودان ثمنا” لهذا التجاذب والتدافع السياسي والذي في معظمه يُعْلِى المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية…
في ظني ما حدث في بلادنا من مرارات وتصفيات وانقلابات بافرازاتها لا يرقى لما حدث في رواندا من مذابح واستئصال عرقي ولكنهم رغم كل ما حدث سموا بوطنيتهم فوق كل تلك المرارات ورجحت عندهم المصالحة الوطنية على العدالة الانتقالية والآن اضحوا مثالا ً يحتذى في أفريقيا في التنمية والاستقرار …
أما فيما يتعلق بخطاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة بمنطقة حطاب ففي ظني أن الرسالة الصارخة التي جاءت فيه موجهة للقوى الخارجية أكثر من توجيهها للداخل فالبلاد ومنذ قرارات 25 أكتوبر
وبعد ذهاب دكتور عبد الله حمدوك عادت إلى مربع عزلتها الخارجية وتوقف الدعم الخارجي الذي بدأ يتدفق إبان حكومة حمدوك الأولى والثانية … ولعله قد مورست ضغوط خارجية هائلة لدفع السلطات في بلادنا لهذا الاتجاه كشرط لتطبيع
العلاقات وعودة الدعم الخارجي وتعاون المؤسسات الدولية خاصة المالية منها واستمرار إجراءات إعفاء السودان من ديونه الخارجية… ولعل اول بارقة امل في هذا الاتجاه ( وانا هنا أتمثل ذهنية السلطة الحاكمة في بلادنا ) مشاركة السيد رئيس
مجلس السيادة في جلسة الأمم المتحدة ومخاطبتها…. إذن لابد أن يمضي هذا الاتجاه بمزيد من التنازلات.. ويجدر أن نطرح هنا تساؤل جوهري… خصما ” على أي جهة في البلاد ينبغي أن يقدم هذا التنازل؟؟؟؟؟؟!!!!! ايقدم خصما” على الحركات
المسلحة والتي إذا تم المساس باتفاقية جوبا أو أي من مكتسباتها ستدخل الغابة مرة أخرى؟؟؟!!! … أم يكون خصما ً على قوى الحرية والتغيير التي تنادى بمدنية الدولة ويقف معها كثير من الدول الغربية ذات المصلحة والغرض والتي عندما استبعدت
من الحكم ملأت الأرض عويلا” وصراخا” … ام تكون التنازلات خصما” على الحركة الإسلامية التي تحلت بالصبر ما بعد ثورة ديسمبر رغم فقدها للسلطة بل وأصدرت قراراتها لقواعدها بالتزام السلم في التعبير والصبر علي كل محاولات المكايدة والترصد والشيطنة….
عليه أعود واقول ان خطاب الفريق أول رئيس مجلس السيادة الراجح مقصود به ارسال رسائل لجهات خارجية وسيُتْبَع بعدد من الإجراءات المؤكدة لاتجاهه حرصا” على بلوغ الرسائل لجهاتها خاصة وأن البلاد ملأي بأجهزة المخابرات الإقليمية والدولية والتي تراقب عن كثب تطورات الأحداث وصدقية المواقف…
كلي ثقة في أن الحركة الإسلامية ستستمر في اعلائها لمصلحة الوطن على الكسب الحزبي كما فعلت في بواكير الثورة لتفوت الفرصة على كل من يتمنى ويرجو تمزيق بلادنا وتفتيتها وفتق نسيجها الأمني والاجتماعي…
فإن تعاملت الحركة الإسلامية وواجهاتها بهذا الرشد إلى أن بلغنا الانتخابات ومن بعد ذاك اختار الشعب من يمثله فلن يحدث في بلادنا أسوأ مما هو حادث الآن… ولربما تتحسن بعض المؤشرات الاقتصادية إن بدأ يتدفق الدعم الخارجي واعفيت البلاد من ديونها واستقرت البلاد وبدأ يتدفق إليها الاستثمار الخارجي وكسر جمود قطاعاتها الإنتاجية…
ولكن عرفت الأنظمة الغربية ومؤسساتها الدولية بالمراوغة وعدم الالتزام بالعهود وأنها احرص على مصالحها عن مصالح غيرها فلا ينبغي أن نُعْلِي سقوفات توقعاتنا ولا ينبغي أن نحرق كل مراكبنا بتوقع استجابتهم …