مقالات

د.على الله عبدالرازق على الله يكتب :هل انخفض معدل التضخم حقيقة ؟

هل انخفض معدل التضخم حقيقة ؟

د.على الله عبدالرازق على الله
خبير و محلل اقتصادى و مالى
alalla@gmail.com
– ١ –
أعلن الجهاز المركزى للاحصاء ، امس ان معدل التضخم قد انخفص مسجلا ٣٣٩.٥٨% لشهر نوفمبر ٢٠٢١ مقارنة بمعدل ٣٥٠.٨٤.% ، بانخفاض قدره ١١.٢٦ نقطة ..
– ٢ –
الناظر و المتابع للواقع و المشاهد ، و تحديدا حالة الأسواق للشهور الماضية من هذا العام ، حرى ان يستوقف مليئا و طويلا و بعمق و تأمل اقتصادى حاذق و موضوعى ، من هذه الافادات الفطيرة ، و المبسترة ابتسارا غير حقيقى لذلك التحسن فى انخفاض معدل التضخم و بهذه البساطة ، خلال شهرى أكتوبر و نوفمبر ٢٠٢١ الماضي.. يتضح ذلك جليا ، و بالنظر العملى للماثل المشاهد فى اسعار السلع و الخدمات ، ان سياسات الإصلاح الاقتصادى و الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ، قد القت بظلالها على اداء و مكانيزم السوق ، و ذلك بوصول سعر الصرف الى ٤٥٢جنية فى السوق الموازى خلال هذه الايام ، بنسبة زيادة فاقت ٩٠٠% مقارنة بما هو قبل التحرير له ، مقرونا ذلك مع إلغاء نظام الدولار الجمركي قبل سته أشهر ، و تحريره كاملا ، و الغاء الدعم عن بعضا من السلع الاستراتيجية و الأخرى فى طريقها ، منذ بداية تتبنى برامج الإصلاح الاقتصادى المتفق عليه مع صندوق النقد و البنك الدوليين ، كل هذه السياسات و الإجراءات انعكست بصورة واضحة على اداء مكانيزم السوق سلبا ، و ادت إلى ضعف و تدهور فى القوة الشرائية للمواطنين ، مما ادى الى عزوف الكثيرين من المستهلكين عن شراء ابسط السلع والخدمات الأساسية..
– ٣ –
بملاحظة المتابع لحالة السوق بعد اعلان الجهاز المركزى للإحصاء بشهرين بانخفاص معدلات التضخم ، يتأكد تماما ، ان الصورة مغايرة كليا ، لما هو مشاهد فى الواقع ، حيث ارتفعت المستويات العامة للاسعار لغالبية السلع الى مستويات عالية جدا على مدار اليوم ، سواء المحلية منها و هكذا المستوردة .. لا اظن ان هناك انخفاضا قد حدث فى معدلات التضخم ، الا ان المسوغ لتلك الاخبار ، هى من اجل إظهار الصورة الإيجابية للسياسات و الإجراءات الاقتصادية الأخيرة القاسية… قطعا — مما لاشك فيه ، ان تسببت تلك الإجراءات الاقتصادية بعالية فى المزيد من التدهور فى القدرة الشرائية لدى معظم المستهلكين ، مما ذاد من الارتفاع بمعدلات الفقر و العوز لغالية المواطنين ، نتيجة ارتفاع معدلات البطالة على مستوى واسع فى أوساط السودانيين ، الامر الذى خفض كذلك من القدرة الشرائية لدى معظم المستهلكين..
– ٤ –
ما حدث ، كما أعلن الجهاز المركزى للإحصاء ، لا يمثل فى الظن ، مؤشرا للتعافى الاقتصادى بالمدلول الاقتصادى الحقيقى ، لكن اقل ما يمكن ان يقال عنه ، ان اداء الاقتصاد السودانى وصل بالفعل الى مرحلة الركود التصخمى ، و ما قد يسببه ، فى الوصول بالاقتصاد قريبا الى مرحلة الكساد ، الذى يتوقع يفضى قريبا لا محال الى الانهيار الاقتصادى ، و الذى بدأت اثارة واضحة للعيان ، متمثلة فى تراجع مستويات الطلب الاجمالى عن العرض الاجمالى للسلع و الخدمات فى الأسواق حاليا….
معلوم بالضرورة ، ان استمرار حالة الركود التضخمى لفترة طويلة من الزمن ، تفضى الى شيوع حالة من الكساد فى الأسواق ، و هذا هو الماثل الان ، بعد فقدان المستهلكين للقدرة الشرائية نتيجة تأكل دخولهم و ثرواتهم ، فى الظن ان هذا ما تسبب فى حالة انخفاض معدلات التضخم المعلنة مؤخرا ، و هذا لا يعنى ان هناك تحسنا فى اداء الاقتصاد ، بل مزيدا من الخنق…
– ٥ –
من المتوقع قريبا و فى ظل انخفاض معدلات التضخم المعلنة ، ان يتراجع و يرتد خاسفا خلال الفترة القادمة مره اخرى ، نتيجة لتفاقم الصراع السياسى الاستراتيجي للأمن القومى للسودان ، فى هذه الايام العصية من تاريخ السودان الحديث ، و عودة الارتفاع فى سعر الصرف مجددا ، اللذان يؤثران قطعا على الارتفاع بمعدلات التضخم فى الفترات القادمه ، مقرونا ذلك مع مؤجز تقرير التجارة الخارجية للفترة يناير – سبتمبر ٢٠٢١ ، الذى بين انخفاض معدلات نسب الصادرات السودانية للاسواق العالمية ، وارتفاع نسب الواردات.. و استمرار عجز موقف الميزان التجاري….
– ٦ –
يعتبر التضخم ظاهرة هيكلية مزمنة لازمت و ستظل تلازم الاقتصاد السودانى ، و يعزى ذلك لاسباب عديدة منها ، على سبيل المثال ، لا الحصر ، منها ما هو متعلق بجانب العرض و هياكل الإنتاج المشوهه و إرتفاع تكاليف الإنتاج ، و الاخر متعلق بجانب الطلب المتزايد نتيجة لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي ، الذى يتوقع ان يكون فى العام ٢٠٢٢ فى حدود سالب ٥%_ ، كما فى السنوات الاربع الاخيرة ، هذا بجانب تمويل عجز الموازنة العامة للدولة للعام المالى ٢٠٢٢، عن طريق المزيد من الاستدانة المفرطة من النظام المصرفى ، و الحقيقة ، تعد هذه هى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء استمرار الحالة التضخمية الى فترة طويلة من الزمن ، و التى تؤكد استمرار ارتفاع معدلات التضخم الماثلة الان و مستقبلا ، بمعنى ، و كأن الهدؤ النسبى المعلن مؤخرا فى معدلات التضخم الان ، حالما يتوقع ارتفاعه مره اخرى قريبا ، هى بمثابة حالة طبيعية و ناتج متوقع كاثر للسياسات و الإجراءات الاقتصادية القاسية ، وليس مؤشر للتحسن كما هو معلن .. ..
– ٧ –
من اهم الأسباب الأخرى الداعمة للرأى بارتفاع معدلات التضخم فى الآجال القريبة ، هى مجمل السياسات الاقتصادية الجارية تنفيذها ، المحفزة لنار التضخم ، و هى بمثابة وقود على الزيت ، و ما قد تسببه من الوصول لحالة كساد كبير ، او ان شئت قل انهيار اقتصادى و مالى قريبا ، ربما يكون ذلك بواتير متصاعدة . و يتوقع ان تكون موازنة ٢٠٢٢، موازنة تصخمية بالدرجة الاولى ، لاعتبار انها اول موازنة بعد تعميق تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادى ، و التى ربما نكون خالية تماما من المساعدات المالية و المنح الاقتصادية الدولية ، نتيجة الإجراءات السياسية الأخيرة ، و انسحاب البنك و صندوق الدوليين من الاستمرار فى دعم جهود الإصلاح الاقتصادى التى تبنتها الحكومة منذ ٢٠٢٠، عبر حزمة برامج وسياسات اقتصادية متفق عليها بمصفوفة زمنية محددة ، و لربما تكون لحالة الاحتقان السياسى الماثل بين مكونات الحكومة الانتقالية و حالة غليان الشارع الان ، ان تكون له اسقاطاتة على الموازنة العامة للعام ٢٠٢٢، بالجنوح و الركون الى تمويل عجز الموازنة من الاستدانة من النظام المصرفى(التمويل بطبع النقود) ، فمزيدا من التصخم المتوقع ، إضافة الى تنامى موجات و احتجاجات بدأت تدب فى اوساط العاملين بالقطاع الحكومى ، و المطالبة بزيادة الاجور فى بند التعويضات و غيرها من المخصصات مقارنة بنظرائهم فى المؤسسات الحكومية الأخرى ، مما قد يشكل ضغطا على حيز مالية القطاع الحكومى المنهكة اصلا ، هذا فضلا عن حالة التوتر و الهشاشة السياسية والأمنية فى الراهن الماثل …هذا فضلا عن سبب آخر حرى بالنظر اليه ، يتمثل فى ارتفاع نسب العملة السودانية المزورة و سهولة تزويرها من قبل جهات كثيرة ، هذا بجانب تنامى و بروز ظاهرة التفلتات الأمنية فى اجزاء واسعة من اطراف السودان ، التى دون شك تؤثر على مالية الحكومة ، بمزيدا من الانفاق الحكومى لحفظ الامن وبسط هيبة الدولة و مزيدا من معدلات التضخم المتوقعة ….
– ٨ –
من الأسباب الحقيقية التى تؤكد الارتفاع بمعدلات التضخم قريبا ، حالما استمرار حالة النزعات الاحتكارية و اشتداد الأنشطة الطفيلية لكثير من تجار الأزمات الماثلة ، مقرونا بعدم اكتمال و تجزأ الأسواق و غياب الدور المسؤول لوزارة التجارة فى الحاضر الماثل….
– ٩ –
ختاما ، ان الماثل الان ، ان الصورة الاقتصادية المشوهة ، المتمثلة فى التدهور المريع و المتردى فى معيشه كافة اهل السودان ، تعود أسبابه بالدرجة الأولى الى فقدان الرشد السياسى الاستراتيجي القومي لحكومة الفترة الانتقالية بكل مكوناتها ، و هيمنة حالة التشاكس و عدم الاتفاق حول المصالح العليا للوطن على المشهد السياسي ، و فرض الرؤى الأحادية و تمثلاتها و غيرها دون اكتراث لماهية الوطن و الوطنية …
هناك ضرورة ملحة الان، لفرض هيبة الدولة بالقانون والتوافق المجتمعى ، و لا يكون ذلك الا بالتوافق و الاجماع على تحديد مشروع وطنى سودانى اصيل ، و تبنى منهج الحوار الحقيقى ، للخروج من عنق الزجاجة ، الا و المزيد من التدهور و التردى الاقتصادى ، لا محال قادم و يستمر ، و بزوغ مستقبل مظلم للسودان ، حالما استمرت حالة التشاكس و عدم التوافق و الاحتكام لصوت العقل…
– ١٠ –
لا يتوقع ان تأتى ملائكة من السماء ، لاجل حلحلة ازمات اهلنا السودانيين المرهقين من سلوك السياسين الغير راشدين …

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى