د.على الله عبدالرازق على الله يكتب:تحديات نظام الحكم الديمقراطى فى السودان -قراءة فى مألات المستقبل
**تحديات نظام الحكم الديمقراطى فى السودان -قراءة فى مألات المستقبل* …..
*د.على الله عبدالرازق على الله** ….
*باحث و اكاديمى**
alalla@gmail.com
-١-
ان كانت هناك ثمة اختلافات وتباينات فى الاراء و الافكار حول نظام الحكم الأمثل للسودان. هل هو النظام الديمقراطي ؟ ، ام ان نظام الحكم العسكرى المرفوض؟ ، هذا الحكم العسكرى قطعا غير مرضى عنه بدليل تعدد الثورات و الانتفاضات لاكثر من ثلاث مرات ، اخرها فى ديسمبر ٢٠١٨ ، ما عرف بثورة ديسمبر ، و التى انهت نظام المؤتمر الوطني …
-٢-
السؤال المحورى ، لماذا لم تجعل الأحزاب السياسية ، الانظمة الديمقراطية ان تكون مستدامة لفترات طويلة فى السودان ، بينما ظل نظام مؤسسة الحكم العسكرى لفترات طويلة حاكما ، اذ ان حكم الانظمة العسكرية ناهز اثنان و خمسون عاما .. و هذا سؤال مركزى…
-٣-
اذ لابد ان هناك موانعا و أسبابا موضوعية ، منها ماهو سياسى و الاخرى اجتماعية ثقافية ، افضت الى هشاشة النظام الديمقراطى فى السودان ، مما اغرى المؤسسة العسكرية بالانقلاب عليها ، دون اكتراث المواطنين والجماهير للذود و الدفاع عنها….
-٤-
نجاح انقلابات المؤسسة العسكرية ، يعزى بالدرجة الأولى الى جهة ان ابتعاد الحكومات المدنية عن اهدافها المركزية المتمثلة فى التدخل فى ترتيبات و شؤون المؤسسة العسكرية الامنو استراتيجية ، و فشلها فى إدارة الشأن العام ، ينضاف لذلك جاهزية الظروف السياسية والاقتصادية المواتية للقض على الحكم الديمقراطى ، المتمثلة فى الصراعات الوهمية للاحزاب المدنية حول السلطة و اللهث وراء شعارات عاطفية تدغدغ الوجدان الجماهيري ، و دونكم حكم فترة الحكومة الانتقالية الأخيرة الماثلة ، و ضعف ادائها العام فى جوانب الحياة المختلفة ، و غفلتها عن الدفاع عن نفسها و حمايتها . اما بقاء نظام الحكم العسكرى لفترة طويلة ، بلاشك ليس بسبب رضا الجماهير عنها ، و لكن بسبب قدرة المؤسسة العسكرية على استمالة ولاء الاجهزة الامنية لصالحها ، لاجل التحوط لاجهاض و جهبز اى محاولات مدنية او
عسكرية ضدها، و عمدت المؤسسة العسكرية طيلة حكم السودان على استمالة و كسب قدرا كبيرا من التأييد السياسى فى أوساط القطاعات التقليدية من رجالات الادارة الاهلية و زعماء قبائل و شيوخ الطرق الصوفية البارزين ، و غيرهم لاجل إضفاء مسحة زينة و ود جماهيري يدعمها …
-٥-
من المقعدات الموضوعية التى ادت الى ضعف النظام الديمقراطى فى السودان ، و عدم استدامتة ، حيث يتجلى ذلك فى طبيعة تكوين السودان المتسع جغرافيا و تاريخه الاجتماعي الملئ بالنزاعات و الصراعات بين مكونات المجتمع السودانى المتباين ، و حداثة كيانة الوطنى ، وتنوعه الثقافى و العرقى ، مما افضى الى صعوبة حكمه مركزيا ، او ان ينفرد بحكمه كيانا او حزبا واحدا اين كان …
-٦-
معلوم بالضرورة من خلال تجارب الديمقراطية الثلاثة الماضية ، انها ادت الى بروز و ظهور حركات التمرد على المركز ، و تنامى الصراعات و النزاعات المسلحة منذ خمسينات القرن الماضى فى جنوب السودان ، و بعدها النيل الازرق و جنوب كردفان ، و دارفور موخرا.. و أخيرا شرق السودان ، و هذه المناطق جميعها فوهات متخلفة لم تجد العناية و الرعاية ، و حظا من التنمية فى اقتسام السلطة و الثروة ، اذ مارست النظم الديمقراطية المتعاقبة على السلطة ذات المنهج فى الاهمال والانشغال بسفاف الامور فى التشاكس و الصراعات ، حيث كانت نتيجة ذلك انفصال جزء عزيز من الوطن …و الأجزاء الأخرى متوقعة قريبا فى الماثل من صراعات وهمية متفاقمة الان…
-٧-
من التداعيات الأخرى و المقعدات لاستدامة النظام الديمقراطى فى السودان ، هو عدم بلوغ توفر الشروط و الاشتراطات الاجتماعية و الثقافية التى تعتبر احدى لوازم نجاح النظام الديمقراطى المستدام بالدرجة الكافية و الضرورية ، من توفر بنية مؤسسات للدولة راسخة و قبولا للاخر المخالف رأيا ، و ينضاف لذلك الاحوال الاقتصادية الهشة للجماهير ، حيث لم تمكن الحكومات المدنية المنتخبة حينها من الوفاء بالتزاماتها المالية من نفقات و تكاليف تسير اجهزة الدولة ، بغية توفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم و ماء نظيف و غذاء كافى بحد الكفاف الادنى ، و تحقيق قدر من الإستثمارات التنموية ، المفضية الى تحقيق نمو اقتصادى مقبول و عادل . هذا بجانب عدم قبول اوساط المجتمع السودانى للسلوك الديمقراطي اصلا ، هذا فضلا عن عدم احترام سلطة الدولة و عدم الالتزام بحكم القانون التى يتميز بها المجتمع السودانى ، هذا بجانب عن عدم توفر الوعى السياسى الكافى للمواطنين السودانيين بماهية السياسة و الساسويه ، التى تمكن الناخب من تحديد خياره الانتخابى على اسس موضوعية لا انقيادية لعرق او طائفة او منفعة خاصه ، و هذه الاشتراطات نظرا ، غير متوفرة فى بنية المجتمع السودانى فى الراهن ، و فى الظن ستبقى و ستستمر لفترة طويلة من الزمن…
-٨-
من ناحية أخرى ، يلاحظ ان طبيعة و تكوين الأحزاب السياسية السودانية و ثقافتها السياسية والتنظيمية ، و نهج الالتزام الديمقراطى فى داخل أجهزتها الحزبية ، فالازالت الأحزاب الراديكالية و التقليدية الكبيرة و الذائعة الصيت ، منحصرة فى النخب الجماهيرية ، و الاخرى ذات طبيعة طائفية دينية ، تتبع منهج الولاء لمرشدها الدينى ، دون مطالبة بحقوق ديمقراطية ، اما أحزاب السودان الاخرى و تحديدا الأيديولوجية التوجه ، ذات طبيعة تحالفية براغماتية ، و غالبا ما تخضع لمطامع و رغبات الأيديولوجيا الدامغة لها .. اما الاحزاب الأخرى و المنافسة للاحزاب الراديكالية التقليدية ، سواء الإسلامية منها او اليسارية التوجه ، فهى تتعصب لافكارها الأيديولوجية ، اكثر من ايمانها بالديمقراطية كنظام تنادى بها ، وتستخدمها براغماتيا كسبا لود الجماهير..
-٩-
ما يميز هذه الأحزاب المتنافسة ، حول كراسى السلطة ، انها ظلت تقف وراء الانقلابات العسكرية و تدعمها ، و بالتالى احزابا بهذه الطبيعة ، لا يمكن ان تكون داعما و سندا لاستدامة النظام الديمقراطى والتحول المندنى فى بلد متخلف كالسودان… حيث يتمظهر هذا السلوك للاحزاب السياسية السودانية وغيرها منذ الاستقلال و دونكم الاتفاقات الغير أخلاقية فى إسقاط الحكومات ، بداءا من حكومة الازهرى بعيد شهور من الاستقلال، وإسقاط عضوية نواب الحزب الشيوعي فى برلمان ١٩٦٥ ، و دعم الأحزاب اليسارية ، الناصرية و البعثية و الشيوعي لانقلاب جعفر نميرى فى ١٩٦٩ ، و الانقلاب الشيوعى على نظام النميرى فى يوليو ١٩٧١، و اخرها انقلاب نظام الجبهة الإسلامية القومية على الديمقراطية الثالثة فى ٣٠/٦/١٩٨٩، و اخرها تماهى الأحزاب السياسية المختلفة الموقعة على اتفاقية السلام الشامل عام ٢٠٠٥ مع نظام الإنقاذ ….
-١٠-
لقد لعب الدور الإقليمي عاملا مهما فى تشجيع و دعم الانقلابات العسكرية ، و إذكاء نار النزاعات المسلحة ، ابتدا من عبدالناصر و القذافى و اخير الإمارات العربية المتحدة انتفاعيا، و غيرها من دول المنفعة ، كما لعبت كل من الولايات المتحده الأمريكية و هكذا الاتحادالسوفيتي حينها ، حيث قدمت جمعيها تعاطفا للحكم العسكرى ، لاعتبارات المصالح المشتركة…..
-١١-
تدل هذه السلوكيات و الممارسات الحزبية الغير رشيدة ، على ضعف التزام الأحزاب السياسية بالالتزام بالنظام الديمقراطى و التحول المدنى المستدام و السليم نصجا و فكرا.. فهذا السلوك يعنى ما يعنى قلة صبرها على مفارقة كرسى الحكم والسلطة ، و لو ادى ذلك بالاطاحة بالنظام الديمقراطى نفسه ، على طريقة على و على اعدائى ( لو جرها كلب) كما فى قصة الديمقراطية الثالثة ، و استعدادها للمساهمة مع الانظمة العسكرية تماهيا ، و لو اعطتها قدرا من الحرية …
-١٢-
فى الظن ان مثل هذه السلوكيات للاحزاب السودانية لن تمحى وتزول من بنية المجتمع السودانى فى الاجلين القريب و المتوسط ، فامر محوها و زوالها مرهون بالتوعية و التثقيف بالنظام الديمقراطى و التحول المدنى المنشود ، تربية و تنشئة يراعى فيها الحقوق و الواجبات الديمقراطية المعروفة … و فى حالة طبيعة المجتمع السودانى المعقدة و المتشابكة و المتشاكسة ، لا بديل للديمقراطية الا تنسم المؤسسة العسكرية او شئت الشمولية ، التى تزيد و تعقد من المشاكل و الازمات ……
و الله من وراء القصد..