د. عبد العظيم حسن يكتب :اغتيال العدالة
دولة القانون
اغتيال العدالة
الحركة الدؤوبة واللقاءات الفردية التي جمعت اللجنة القانونية للحرية والتغيير بالبرهان مرة وحميدتي في أخرى ثم الكباشي لم تكن خطوة موفقة. فالأوساط العدلية والحقوقية علاوة على الثورية استهجنتها لأنها أكدت فشل المكون المدني في إمضاء قراراته والمضي في محاصصاته التي طالت حتى ملفات لا تحتمل الشخصنة وإنما الاستقلالية. الذي تجلى أن نهج اللجنة القانونية للحرية والتغيير، بالأساس، لا يتفق أو بالأصح يتعارض ومبادئ ديسمبر المجيدة التي رفعت العدالة شعاراً، فكان الأمل أن تكون العدالة وموضوعاتها أولى الأولويات وأنجح الملفات.
السؤال الذي يطرح نفسه عن سر اللقاءات مع البرهان، حميدتي والكباشي: لماذا كانت فردية وليست مع مجلس السيادة بشقيه العسكري والمدني؟ الأهم من ذلك: من أين استمدت اللجنة القانونية اختصاص تعيين رئيس القضاء أو النائب العام؟ هل اللجنة القانونية للحرية والتغيير، وقبل أن تضرب موعدها، تقدمت بأي مشروعات قوانين أو رؤية لكيفية تشكيل مجلس القضاء العالي أو مجلس النيابة العامة أو المحكمة الدستورية أو وزارة العدل أو المحاماة أو معهد التدريب القانوني؟ أم أن النقاش كان عن من وليس عن كيفية السبيل للعدالة؟ هل طرحت اللجنة القانونية، ولو على مستوى لجنة تسيير نقابة المحامين وقواعدهم أو للراي العام أي رؤية عن الموضوعات التي تمت مناقشتها مع القيادات العسكرية التي وقع الاختيار على مقابلتها؟ هل انتبهت اللجنة القانونية لأثر هذه اللقاءات الفردية على استقلال القضاء أو تماسك الشارع وما ستعطيه من مشروعية لمزيد من انفراد المكون العسكري بالقرار وتفتيت قوى الثورة؟
على صعيد متصل رشحت معلومات أخرى بأن مجموعة دفعت بأسماء لتتولي منصبي رئيس القضاء والنائب العام خلافاً للترشيحات التي دفعت بها اللجنة القانونية للحرية والتغيير. فهل كان اللقاء بقصد قطع الطريق أمامها حتى لا تتفاجأ اللجنة القانونية بتعيين أحدهم؟ أم أن المكون العسكري أبدى عدم اقتناع بمن دفعت بهم اللجنة القانونية، فهرعت الأخيرة لمحاولة إقناع وطمأنة العسكر؟ ما لم تضعه اللجنة القانونية بالحسبان أن العسكر سيقبل بأضعف الضعفاء لقناعتهم بأن اللجنة القانونية، بمنهجيتها التي اتبعتها، وقعت في الفخ فأتاحت لهم الفرصة في طبق من ذهب. مهما يكن من أمر، إذا كانت الأحوال بلغت هذه المرحلة وإن المكون العسكري هو من يتحكم فعلاً في اتخاذ كافة القرارات، فإن اللجنة القانونية للحرية والتغيير قبلت أن تكون أول المنتحرين لاختيارها اغتيال الملف الذي تولته. ما الجدوى من المقابلات الفردية وما هي ضمانات المدنية إذا كانت بقية العضوية بمجلس السيادة بحاجة لمساندة أو وساطة أو تفعيل أدوار؟ في السياق، أين الشارع؟ وأين مجلس الشركاء، غير الدستوري، الذي أشيع أن غرضه تقريب النظر وحسم الخلافات بين مكونات الثورة؟
على أية حال، إذا صحت ما تناقلته الأسافير عن وقائع وأسماء وترشيحات دفعت بها اللجنة القانونية لتولي منصب رئيس القضاء، فإن اللجنة القانونية مع من تبقى من لجنة تسيير نقابة المحامين يظلوا المسؤولين عن تشوهات ملف العدالة وطريقة مناولته وعن الإخفاق الحتمي الذي سيواجه من دفعوا بهم. واضح أنه ليس غياب المنهجية وحده الحاضر وإنما العزلة الكاملة والجفوة والإحجام عن المشاركة من قواعد المحامين والثوار بما ستكون معه العاقبة كارثية سيما وأن الأجهزة العدلية كانت وما زالت، ومنذ قيام الثورة، تعاني الفوضى، التعطيل وغياب الرؤية. زبدة القول، المسؤولون عن ملف العدالة فشلوا في مناولة أدنى مراتبها، فلا أصلحوها ولا تركوها على علاتها. النهاية المحزنة أن أستأسدت الدولة العميقة بملفات العدالة، فتعطلت حتى جلسات المحاكم التي تنظر أبسط القضايا وتكدست الحراسات بالمتهمين، أما ملفات الشهداء فباتت في رحم الغيب.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
20 أغسطس 2021